خمسون لبنان والصين “الجزء الواحد والأربعون” : “الحزام والطريق” الصيني وصوله الى لبنان انتصار على اسرائيل | كتب أسامة القادري
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
نجح “التنين” الأصفر أنه احتل المرتبة الاولى عالميًا في النمو الإقتصادي، وأصبح مصدّرًا للطاقات والخبرات الصناعية والتكنولوجية في وقت قياسي واعتمادًا على الذات، فتوج هذا النجاح بإنطلاقة سريعة غير مترددة لتحقيق الحلم الصيني التاريخي في وصل الشرقين الأدنى والأوسط واتصالًا بالمجتمع الاوروبي وصولًا الى مشارف القارة السوداء، وفقًا لمبادرة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ تحت عنوان “الحزام والطريق”.
هذا المشروع لم يعُد مجرد طريق بحري وحزام بري، انما خلق قوة ترابط وعزز الوثاق لتتويج العلاقة التاريخية بين الصين والدول العربية من جهة والاسلامية على طول خطي الحرير من جهة اخرى.
فتاريخيًا منذ أكثر من ألفي سنة فتحت الرحلات التجارية العلاقة بين الصين والعرب وتم تسويق الحرير الصيني وفتح بين الحضارتين ابواب متعددة من الثقافة والتجارة والصناعة، قبل ان تغرق جميع هذه المناطق على ضفتي طريق الحرير بصراعات واحتلالات انبتت العشب عليه وافقدت المنطقة وزنها الذاتي.
ففي عصر تانج كانت تصل السفن الصينية إلى الخليج العربي، كذلك الى ميناء عدن اليمني وزنجبار شرقي إفريقيا في عصر أسرة سونج. أما السفن التجارية العربية فقد سلكت طريق العطور أيضا للوصول إلى الموانئ الصينية. ففي ذلك الوقت كانت حركة التجار على الجمال لا تنقطع على طول “طريق الحرير” البري، والذي تحول اليوم الى خط سكة حديد تجاري لم يكتمل انجازه بعد، بقي له القليل من المسافة والكثير من التفاهمات فيما بين الدول للوصول الى الهدف المرجو، بينما كانت حركة السفن التجارية على “طريق الحرير البحري” مزدهرة جدًا، فربطا هذان الشريانان الكبيران الصين بالعالم العربي، وسهلا الاتصالات التجارية والتبادلات الثقافية بين الجانبين.
فأهمية هذة الطريق الجديدة أنها تفتح آفاق جديدة للمنطقة الشرق أوسطية المشتعلة دائماَ بصراعات لم تصل الى نتيجة، فهذا الحزام وايضًا الطريق ترتبط بهما سياسة التسويات والتفاهمات الاقليمية والدولية. في كيفية بناء مستقبل البلاد واخراجها من “شرنقة” الريعية والتبعية.
فرغم تاريخية العلاقة الصينية اللبنانية الا انها لم تصل الى مستويات تفرض موجبات المصلحة المشتركة، وربما يعود ذلك لأن السياسيين في لبنان لم يلامسوا مفهوم توزيع المصلحة بين لبنان والصين ومع أي دولة اخرى، مقارنة بين الربح الاقتصادي لبلد صغير بحجم لبنان بابرام اتفاقات مع بلد مثل الصين بحجم قارة، وبين الخسارة القاتلة باستبعاد نفسه والبقاء في مربع تسوّل الحلول لازماته الاقتصادية.
واستطرادًا تستمر خسارة اللبنانيين من عدم تشجيع الإستثمار الصيني في لبنان، ربما ذلك لأن لبنان يقع على حافة الصراعات الإقليمية والدولية، وكثيرًا ما كان ساحة لبث الرسائل بين امنية وسياسية وصلت الى حد الحروب العبثية، فسبب ذلك عائقًا أمام نهضة لبنان اقتصاديًا وتركه تحت مقصلة الريعية وابتزازات الهبات الدولية، وكأن سياسيو لبنان والذين اليوم يعانون من فقدان ثقة الشعب بهم، لما مارسوه ويمارسونه من سياسة محاصصة الفساد وتوزيعه طائفيًا. فأعاق استفادة لبنان في ربطه بمشروع الصين الاقتصادي والذي يشكل لبنان له بوابة الشرق على المتوسط.
حيث عملت السياسة اللبنانية بكثير من “الغباء” وعلو في صوت الرفض، دون الاستثمار في القدرات على فتح ابواب العلاقات مع دول الخليج وجميع دول الغرب، واذ بلبنان بدلًا من استغلال ما لديه من قدرة في التحرك يذهب تدريجيًا بخطاب خشبي عدائي يسد أبواب لبنان ويدفع بدول الخليج لأن يُبرموا معاهدات سلام وتطبيع مع اسرائيل، فيعطيها ذلك قوة دفع لأن تتحول من خلال ميناء حيفا المستثمر صينيًا الى بوابة الشرق وتثبت حضورها على حساب معاناة الشعب الفلسطيني المحتل، فتربط اسيا بإفريقيا واوروبا والدول العربية، وبذاك تسجل اسرائيل على لبنان انتصارًا استراتيجيًا يهدد مصير لبنان.
وبلحظة غافل تذكر بعض القيادات السياسية أن لبنان ليس وحده في حوض المتوسط، وأن المقاومة ليست فقط بندقية ومرابضة عند الحدود بإنتظار احتلال افتراضي، فيما جميع المقيمين في لبنان يتلوون جوع وألم من نار “جهنم سلطتهم”..
وربما لازال بعض من الوقت بعد تبدد متسعه، العمل سريعًا بما تقتضيه الحاجة لما ينهض بالعلاقة بين الصين ولبنان ويفتح أبواب الحياة، بدءً من توسعة وتطوير ميناء طرابلس، مرورًا بتأهيل مطار القليعات وإعادة إنشاء وترميم محطة سكك الحديد وربطها بحمص عبر تل كلخ، وايضًا ربط بيروت بًطرابلس عبر شبكة لنقل الأفراد light maglev. بالإضافة الى ترميم وتوسعة معرض رشيد كرامي وتفعيله ليكون معرض دوري للبضائع الصينية واللبنانية وانشاء منطقة اقتصادية وصناعية مشتركة بين البلدين، عبر برنامج شراكات لمستثمرين صينيين ولبنانيين.
وايضًا الاستثمار في إعادة إعمار مرفأ بيروت وتطويره وفقًا للمواصفات العالمية والدولية ومن ثما ربطه بسكك حديد عبر نفق قناطر زبيدة – شتورا و انشاء ميناء جاف في منطقة البقاع.
فمن الطبيعي بعد هذه الاستثمارات يصبح ضرورة انشاء سوق للبضائع الصينية واللبنانية شبيه بدراغون ماركت دبي، وانشاء محطة للنقل في زحلة تربط البقاع ببيروت لنقل الأفراد عبر light maglev وايضًا ترميم وتشغيل محطة رياق لسكك الحديد وربطها بدمشق عبر سرغايا بالإضافة الى انشاء منطقة صناعية مشتركة صينية لبنانية، ما يعيد لبنان الى الخارطة الاقتصادية والاستقرارين السياسي والأمني.
لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا