نتائج منتدى التعاون الصينيّ-العربيّ للعام 2024 | بقلم د. رنا منصور
إنعقد المؤتمر الوزاريّ العاشر لمنتدى التعاون الصينيّ-العربيّ في “بكين” بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس المنتدى، وتميّز هذا المؤتمر بأهميّة خاصة كونه الأول بعد القمة الصينيّة-العربيّة الأولى التي عُقدت في السعودية عام 2022. وتكتسب هذه الدورة أهمية كبيرة لتعزيز التعاون وتنفيذ مقرّرات القمة، والعمل على بناء مجتمع مستقبليّ مشترك بين الصين والدول العربيّة عبر:
أولاً: دعم حل الدولتًيْن ووقف الحرب في غزة
أكّد المنتدى دعمه لحل الدولتَيْن ووقف الحرب في غزة، حيث دعا إلى وقف إطلاق النار والعمل على التوصّل إلى تسوية سلميّة للقضية الفلسطينيّة. وقد اعتمد المؤتمر “إعلان بكين” وخطة تنفيذ المنتدى للفترة الزمنيّة 2024-2026، بالإضافة إلى بيان مشترك حول القضيّة الفلسطينيّة شدّد فيه على ضرورة وقف إطلاق النار وضمان إيصال المساعدات الإنسانيّة ودعم عضويّة فلسطين الكاملة في الأمم المتّحدة.
ثانياً: إعلان بكين وخطّة التنفيذ
إستعرض “إعلان بكين” التقدّم المحرز منذ القمة الصينيّة-العربيّة الأولى وحدّد المسار العمليّ لتعزيز التعاون بين الجانبَيْن. وأكّد الإعلان على دعم الصين والدول العربيّة لبعضهما البعض في المصالح الأساسيّة، وتعميق التعاون في مجالات السياسة، الاقتصاد، الحوكمة العالميّة، مكافحة الإرهاب، حقوق الإنسان، التكنولوجيا، وتغيّر المناخ. وقد هدفت خطة التنفيذ 2024-2026 إلى تعزيز آلية المنتدى والتعاون الثنائيّ المتعدّد الأطراف في مجالات السياسة، الاقتصاد، التجارة، الاستثمار، البنية التحتيّة، الموارد، البيئة، الثقافة، الفضاء، التعليم، والصحة.
ثالثاً: كلمة الرئيس الصينيّ “شي جين بينغ“
دعا الرئيس الصينيّ “شي جين بينغ” في كلمته الإفتتاحيّة إلى عقد مؤتمر سلام لإنهاء الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ، وأكّد على الدعم لمؤتمر سلام “واسع النطاق”، مشدّداً على أنّ الشرق الأوسط لديه آفاق واسعة للتنمية، لكن الحرب تعوق التقدّم والعدالة.
رابعاً: التعاون الاستراتيجيّ والاقتصاديّ
واصلت الصين والدول العربيّة تعزيز التعاون الاستراتيجيّ بينها لتحقيق مستوى أعلى من الثقة المتبادلة، حيث استقبل الرئيس “شي جين بينغ” قادة فلسطين، الجزائر، سوريا، وموريتانيا، ممّا أسهم في توجيه العلاقات الصينيّة-العربيّة نحو التطوّر على المستوى العالي. وقد تمّت إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجيّة الشاملة بين الصين و14 دولة عربيّة وجامعة الدول العربيّة، ما يجعل العالم العربيّ من أكثر المناطق التي لديها شركاء استراتيجيّين مع الصين.
خامساً: التعاون في إطار الحزام والطريق
وقّعت الصين مع جميع الدول العربيّة وثائق التعاون لبناء “الحزام والطريق”، وتمّ تنفيذ ما يزيد على 200 مشروع كبير في إطار المبادرة، ممّا استفاد منه ما يقارب المليارَيْ نسمة. وقد بلغ حجم التبادل التجاريّ بين الجانبَيْن 400 مليار دولار أميركيّ، واستوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربيّة، وهو ما يُشكّل 47% من وارداتها الإجماليّة للنفط الخام. كما شهد التعاون تقدّماً في مجالات الطاقة الكهروضوئيّة، وطاقة الرياح، الطاقة النوويّة للأغراض المدنيّة، والطاقة الهيدروجينيّة.
سادساً: النهضة والبنية التحتيّة
حقّقت الصين مشاريع بنية تحتيّة كبيرة في الدول العربيّة، مثل المبنى في العاصمة الإداريّة المصريّة الجديدة، والطريق السيّار في الجزائر، وستاد لوسيل في قطر، وجسر محمد السادس في المغرب. كما تواصل التعاون في مجالات المعلومات، الإتصالات، الطيران، الفضاء، البيانات الضخمة، والذكاء الإصطناعيّ، ممّا يُعزّز شبكة لنقل التكنولوجيا والتعاون فيها بين الصين والدول العربيّة.
سابعاً: التبادل الثقافيّ والشعبيّ
تتابع الصين والدول العربيّة تعزيز التواصل الحضاريّ بينهما، ممّا يُحقّق التفاهم بين الشعوب على نحو أعمق. كذلك، يتمّ تنظيم منتديات وندوات متعدّدة لتعزيز التواصل الثقافيّ، مثل منتدى تنمية الشباب الصينيّ والعربيّ، وندوة العلاقات الصينيّة-العربيّة، ومهرجان الفنون العربيّة، ويتمّ تبادل الترجمة والنشر للمؤلفات الصينيّة والعربيّة.
أضف إلى ذلك، فقد شهدت البرامج السمعيّة والبصريّة الصينيّة إقبالاً واسعاً لدى الجمهور العربيّ، وازداد الإهتمام بتعلّم اللغة الصينيّة حيث أنشأت الصين 21 فرعاً لمعهد كونفوشيوس بالتعاون مع 13 دولة عربيّة، وأدرجت تعليم اللغة الصينيّة في منظومة التعليم الوطنيّ في دول عربيّة عديدة. وهنا لا بد من الإشارة إلى الإنجاز الجديد للجامعة اللبنانيّة، إذ فازت الطالبة فيفيان الغزال (سنة ثانية- لغة صينيّة في مركز اللغات والترجمة للجامعة اللبنانيّة) بالجائزة الأولى من مسابقة “الجسر الصينيّ/إتّقان اللغة الصينيّة” بنسختها الثالثة والعشرين التي نُظّمت في بيروت بتاريخ 18 أيار 2024. كما فازت كلّ من نور علّيق وفلور ستيللو (سنة ثانية- لغة صينيّة في مركز اللغات والترجمة) بالجائزة الثالثة. وشارك في المسابقة، التي نظّمتها السفارة الصينيّة في لبنان ومعهد كونفوشيوس في جامعة القديس يوسف في بيروت، 13 طالباً لبنانيّاً، لتفوز بنتيجتها طالبات الجامعة اللبنانيّة بالجائزتين الأولى والثالثة بإشراف أستاذة اللغة الصينيّة في المركز لي شيندي. وأشاد السفير الصينيّ في لبنان “تشيان مينجيان” بالمسابقة باعتبارها جسراً ثقافيّاً يُعزّز الصداقة بين الصين والعالم ويساهم في إظهار سحر اللغة.
ختاماً، يُعدّ هذا المؤتمر خطوة هامة في تعزيز التعاون الصينيّ-العربيّ وتعميق العلاقات الاقتصاديّة والسياسيّة، ودعم قضايا السلام والتنمية في المنطقة. ولهذا، ستواصل الصين والدول العربيّة السير معاً نحو مستقبل مشرق، بتعزيز الثقة الاستراتيجيّة المتبادلة، والتعاون في مختلف المجالات لتحقيق التنمية المشتركة والإستفادة المتبادلة. كما نأمل أن يستفيد لبنان من فرص التعاون مع الصين، هذا العملاق الاقتصاديّ العالميّ الجديد.