نعرض في هذه المقالة عارض مهم وخطير جدًا وهو “السكتة القلبية” او “توقّف القلب المفاجئ”. وسنُعرّف هذه الحالة، ونستعرض اهم اسبابها والعوامل المساعدة لحصولها، كيفية التعرّف عليها، وفي النهاية سنشرح خطوات تطبيق علاج هذه الحالة بفعالية إذا ما واجه اي فرد من المجتمع هذا الموقف عند احد افراد عائلته، او احد زملائه في العمل، او عند احدّ المارّة في الشارع، او في احد مراكز التسوّق او في احد الأماكن العامّة الأخرى.
١-مقدمة:
يموت في فرنسا سنويًا حوالي 50000 شخص عام بسبب ازمات قلبية تُؤدّي الى توقّف القلب او ما يُعرف ب”السكتة القلبية” والتي يُطلق عليها ايضًا اسم “الموت القلبي المفاجئ”. ومع ذلك، فإنّ حالات توقّف القلب ليست قاتلة بالضرورة، وممارسة إنعاش القلب عبر تدليكه تُنقذ 4 من أصل 5 ضحايا. وتتميّز السكتة القلبية المفاجئة بفقدان مفاجئ لوظيفة القلب، والتنفس، والوعي. وتنتج عادةً عن انقطاع في النشاط الكهربائي الطبيعي للقلب. وتؤدّي هذه الحالة إلى الانهيار التامّ. وعادةً ما تتطلّب تدابير طارئة لمنع الموت. وغالبًا ما لا تظهر على ضحايا السكتة القلبية المفاجئة أية أعراض تحذيرية. وقد يشعر بعض الناس بالدوار او الدوخة، ويشعرون أن قلوبهم تتسارع. لذلك يجب اتخاذ تدابير الإنعاش القلب-الرئوي (Cardiac Pulmonary (Resuscitation : CPR الطارئ على الفور، التي يتبعها النقل الفوري للمريض إلى المستشفى لمزيد من الفحوصات والعلاج.
٢-ما هي السكتة القلبية؟
السكتة القلبية هي فقدان مُفاجئ لوظيفة القلب والتنفّس والوعي. ويُمكن أن تُصيب هذه الحالة الطبية الطارئة الأشخاص من جميع الأعمار والأحوال المادية وفي اماكن تواجد مُتنوّعة دون اي سابق إنذار.
فالقلب السليم عضلة تعمل كمضخّة. وتتمثّل وظيفتها الرئيسية في توزيع الدم والأوكسجين والمواد الغذائية الأخرى عبر شبكة من القنوات والأوعية الدموية التي تسمى “الشرايين” إلى جميع أعضاء وهياكل جسم الإنسان.
ويتمّ تنظيم وظيفة ضخّ القلب من خلال النبضات الكهربائية التي يتم إنشاؤها وإنطلاقها في منطقة معينة من القلب موجودة في الأذين الأيمن تسمى العقدة الجيبية”، وهي تلعب دور البطارية الطبيعية او المُولّد الكهربائي الذي يُولّد الطاقة لتشغيل القلب. وتتوزّع منها هذه الكهرباء الى كل غرف القلب عبر شبكة كهربائية مُعقّدة. وتحدث النبضات على فترات مُنتظمة لإبقاء القلب ينبض بمعدّل ثابت.
ويُمكن لخلل معيّن في النظام الكهربائي للقلب أن يتسبّب في عدم إنتظام ضربات القلب وفقدان قدرة القلب على الضخّ. نتيجة لذلك، قد يتوقّف القلب فجأة (الموت القلبي المفاجئ) ويتطلّب ذلك الإنعاش الفوري لمساعدة القلب في استعادة انتظام نبضاته وضخّه للدم بشكلٍ طبيعي.
والسكتة القلبية هي إذًا حالة يتوقّف فيها القلب فجأة عن الخفقان بشكلٍ طبيعي ولا يعود يضخ الدم المطلوب منه ضخّه، اي حوالي 5 الى 6 ليترات من الدمّ في الدقيقة إلى باقي أجزاء الجسم. وبالتالي فإن إنعدام وصول الدم الى الدماغ يُؤدّي الى الغياب عن الوعي والسقوط على الأرض ولاحقًا الى الدخول في غيبوبة كاملة تزداد خطورتها وعمقها كلما تأخّر حصول إنعاش القلب.
وتحدث السكتة القلبية فجأة, ولذلك فعادةً لا توجد لها علامات او إشارات تحذيرية كثيرة، بحيث ينهار الشخص، ولا يستجيب للمسّ أو الصوت ولكل الأوامر البسيطة التي قد نطلب منه تنفيذها، لأنه يغيب بسرعة كليًّا عن الوعي.
وقد يلهث الشخص او يتنفّس بشكلٍ عشوائي مع إصدار بعض الأصوات الغريبة، أو قد يتوقّف كليًّا عن التنفس.
وفي بعض الحالات قد يشكو المريض قبل السكتة من الم شديد في الصدر، او من شعور بضيق كبير في التنفّس، او من خفقان وتسرّع في ضربات القلب وحالة غثيان وشحوب مع تقيؤ، وذلك بحسب المرض المُسبّب للحالة خاصة اذا كان ذلك ناتج عن ذبحة قلبية، او عن إضطرابات خطيرة في ضربات القلب وغيرها من الأمراض كما سنرى.
وتحدث الوفاة عادةً في غضون دقائق ما لم يتمّ إجراء العلاج الطارئ الذي يشمل الإنعاش القلبي-الرئوي (Cardiac Pulmonary Resuscitation : CPR) وإزالة الرجفان البطيني بواسطة صدمة كهربائية محكومة تهدف إلى إستعادة النظام الكهربائي الطبيعي للقلب ومعاودة الإنقباض بشكلٍ فعّال من اجل ضخّ الدم في الجسم.
وتحدث ثمانية من كل عشرة حالات سكتة قلبية في المنزل أو في مكان عام.
وينجو واحد من كل عشر أشخاص منها. وتزداد إحتمالية بقاء الضحايا على قيد الحياة بمقدار الضعف إذا أجرى أحد الأقارب او الأصدقاء او المارّة الإنعاش القلبي-الرئوي على الفور.
٣-ما الذي يُسبّب “توقّف القلب” او “السكتة القلبية”؟
في البداية لا بُدّ ان نلحظ ان الإحصاءات تُشير الى ان ما يقرب من 50٪ من السكتات القلبية التي تحدث خارج المستشفى عند البالغين، مُرتبطة بخلل في الأداء الكهربائي للقلب او ما يسمّى بحالة “الرجفان البطيني” الذي يُؤدّي الى تسرّع عشوائي في ضربات القلب وفقدان قدرة القلب على ضخّ كمية الدمّ المطلوب منه ضخّها وبالتالي توقّفه بشكلٍ كامل. ويمكن أن تُؤدّي عدّة عوامل او امراض قلبية إلى توقّف القلب.
فمن المُمكن أن يكون سببها بعض أمراض القلب، مثل “إحتشاء عضلة القلب” او “الذبحة القلبية الحادّة” التي تنتج عادة عن وجود تصلّب او إنسداد في الشرايين التاجية للقلب. وهو احد اهم اسباب هذه الظاهرة واكثر امراض القلب إنتشارًا في معظم الدول المُتقدّمة وفي معظم الدول النامية ايضًا ومنها لبنان. وقد تكون اعراضه مختلفة بحسب درجة الإنسداد الموجود في الشرايين التاجية وتتراوح اعراضه كما شرحنا في مقالات سابقة بين “الخناق الصدري المستقرّ”، الى “الذبحة القلبية الحادّة” مرورًا ب”الخناق الصدري غير المستقرّ”. ولكن السكتة القلبية قد تكون ناتجة ايضًا عن امراض اخرى مثل “امراض عضلة القلب المتقدّمة” والتي ينتج عنها قصور شديد في عمل القلب، والتي قد تكون ناتجة عن مرض في العضلة القلبية ينتج عنه إمّا توسّع في هذه العضلة Dilated) (cardiomyopathy، او زيادة سماكتها وحصول إنسداد او عائق امام ضخّ الدمّ منها (Hypertrophic obstructive (cardiomyopathy او الناتج عن حصول رشح لمواد مُعينة في داخلها حيث يُؤدّي ذلك الى إعتلال عضلة القلب المُقيّد او الإرتشاحي (Restrictive or infiltrative cardiomyopathy) وبالتالي يحصل عدم قدرة على إرتخاء عضلة القلب وتمدّدها مما ينتج عنه خلل في قوة ضخّها للدم. وهناك اسباب اخرى قد تكون ناتجة عن بعض امراض القلب الخلقية (Congenital heart (diseases، او عن وجود “إضطرابات او امراض كهربائية قلبية اوّلية” – (Primitive heart rhythm disorders) وهي تشمل مجموعة واسعة من إضطرابات كهرباء القلب، والتي قد تكون “وراثية” او “غير وراثية”- او التي قد تكون “ثانوية” اي “مُكتسبة” (Secondary heart (rhythm disorders، ناتجة عن إختلاطات مختلفة من اهمّها نقص البوتاسيوم في خلايا عضلة القلب او عن تناول بعض انواع الأدوية الخطيرة التي تتسبّب بإضطرابات في ضربات القلب. وكل هذه الأمراض الكهربائية القلبية قد تُؤدّي احيانًا كثيرة الى تسرّع ضربات القلب او حصول خلل في عمله ينتج عنه الوصول الى حالة “الرجفان البطيني”. اخيرًا هناك امراض اخرى كمشاكل صمامات القلب او الجلطة الرئوية او التهابات عضلة القلب او غيرها من الأمراض المختلفة.
ويُمكن أن تكون السكتة القلبية أيضًا نتيجة لضائقة خطيرة في الدورة الدموية، أي ناتجة عن حالة نزيف حادّ يُؤدّي الى هبوط الضغط الشرياني بشكلٍ مفاجئ وخطير مما يُؤدّي الى توقّف القلب.
أخيرًا، يمكن أن تنتج السكتة القلبية أيضًا عن انسداد كامل للممرّات والشُعب الهوائية، أو التسمّم او عن إستخدام بعض العقاقير الترويحية (مخدّرات)، أو نتيجة صدمة عنيفة في القفص الصدري، قد تكون ناتجة عن حادث سير او سقوط من مكان مرتفع او ما شابه ذلك، أو عن الصعق بالكهرباء أو الغرق أو الاختناق وغيرها من الأسباب. في هذه الحالات يكون توقّف القلب عمومًا نتيجة لنقص الأوكسجين.
٤-ما هي العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالسكتة القلبية:
اظهرت الدراسات ان هناك عدة عوامل من المُمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسكتة القلبية المفاجئة وهي:
أ- تعرّض الضحية لنوبة قلبية سابقة تسبّبت في تلف جزء كبير من القلب
ب- وجود سوابق للإصابة بأمراض القلب التاجية.
ج- وجود انخفاض في الكسر القذفي القلبي Left Ventricular Ejection)(Fraction: LVEF أقل من 40٪ ، خاصة فيما يتعلق بنظم القلب غير الطبيعي المُسمّى “تسرع القلب البطيني”
د- وجود سابقة للإصابة بنوبة سكتة قلبية مفاجئة سابقة.
ه-تاريخ عائلي من السكتة القلبية المفاجئة أو الوفاة القلبية المفاجئة.
و-وجود تاريخ شخصي أو عائلي لأنواع معينة من عدم إنتظام ضربات القلب.
ز-وجود تاريخ من عيوب القلب الخلقية أو تشوهات الأوعية الدموية.
ح-تاريخ من نوبات إغماء بدون سبب معروف.
ت-وجود تاريخ لمرض قصور القلب.
ي- وجود تاريخ من اعتلال عضلة القلب التوسّعي أو إعتلال عضلة القلب الضخامي.
ق-تغيرات كبيرة في نسبة الأملاح والمعادن في الدم خاصة في كمية والبوتاسيوم والمغنيسيوم.
هذا وتشمل عوامل الخطر الأخرى وجود السمنة ومرض السكري وتعاطي العقاقير الترويحية (المخدرات) واستخدام الأدوية التي يمكن أن تؤثر على مُعدّل ضربات القلب.
٥-التعرّف على السكتة القلبية:
تحدُث 80٪ من حالات السكتة القلبية في الأماكن التي نعيش أو نعمل فيها أو تلك التي نسترخي فيها. ويُمكن أن تحدث السكتة القلبية أيضًا في أي عمر. لذلك من الضروري توخي اليقظة والإستجابة بسرعة لسكتة قلبية.
من علامات التعرّف بهذه الحالة فقدان الوعي. في مواجهة شخص فاقد للوعي، من الضروري للغاية التحقّق فورًا ممّا إذا كانت حالته ناتجة عن سكتة قلبية من أجل التصرّف بسرعة.
لذلك يجب وضع المريض على ظهره على سطح صلب (الأرض) والتحقّق مما إذا كان واعيًا عن طريق إمساك يده والتحدث معه. ويمكننا ذلك عن طريق طرح أسئلة بسيطة: ما أسمك؟ كيف حالك؟ هل تسمعني؟ شدّ على يدي او صافحني؟ إلخ…
ثم يجب القيام بإمالة رأس المريض للخلف وفتح فمه لتنظيف مجرى الهواء.
ثم يجب وضع أذننا وخدّنا فوق فم الضحية وأنفها لتحسّس أنفاسها. في نفس الوقت، يجب مراقبة ارتفاع البطن. إذا لم تكن هناك حركة للصدر مرئية ولم نسمع ضوضاء أو نفخة، فهذا يعني ان هناك سكتة قلبية. وإذا كان لدى الشخص تنفّس غير طبيعي (حركات تنفّس غير فعّالة وبطيئة وصاخبة وفوضوية)، فهذه أيضًا يعني انه يعاني من سكتة قلبية.
وهنا يجب على الفور الإتصال بخدمات الطوارئ في الصليب الأحمر اللبناني (140) او الدفاع المدني (125) أو على ارقام خدمات الطوارئ في البلد الذي تعيش فيه.
وفي حالة وجود أشخاص آخرين، اطلب منهم العثور على مزيل الرجفان الخارجي الآلي(Automated External (Defibrillator: AED) في أقرب وقت مُمكن.
ويتمّ أخذ السكتة القلبية في الإعتبار عندما يتوقّف القلب عن النبض أو عندما ينبض القلب بشكلٍ غير مُنتظم، مما يمنع أكسجة الدماغ والأعضاء الأخرى الأساسية ويُؤدّي الى تلف الخلايا الدماغية بشكلٍ سريع، ما لم يتمّ إستعادة وظيفة شبه طبيعية للقلب في اسرع وقت ممكن، والمعروف ان تلف الخلايا الدماغية يُؤدّي الى حصول آثار كارثية على وظيفة الجهاز العصبي والى امكانية الدخول في حالة غيبوبة دائمة او الى شلل كامل او شبه كامل، وغيرها من الأعراض الخطيرة التي قد ينتج عنها إعاقة جسدية كاملة او شبه كاملة.
ويتمّ إجراء تشخيص هذه الحالة بدقّة اكثر عن طريق تخطيط كهربية القلب العادي(EKG) او عبر متابعة شريط مراقبة القلب (Cardiac monitoring)، الذي يُظهر عدم انتظام وتسرّع خطير في ضربات القلب.
وبمجرّد نقل الشخص إلى المستشفى، يتمّ إجراء تحقيق تفصيلي لمعرفة سبب عدم إنتظام ضربات القلب لعلاج السبب الذي كان وراء هذا العارض الخطير.
في الجزء المقبل من هذا الملف سنتحدّث عن مخاطر السكتة القلبية، طريقة أداء “إنعاش” او “تدليك القلب” بعد تعرّض الضحية لسكتة قلبية، طريقة إجراء الإنعاش الرئوي بواسطة تقنية “من الفم إلى الفم”، طريقة إستعمال “مزيل الرجفان البطيني”، وعلى ان نتحدّث اخيرًا عن العلاج والمراقبة والمتابعة بعد إنقاذ المريض.