في ظلِّ الوَضعِ السياسيِّ الراهِنِ في إسرائيل، تَبرُزُ الانشقاقاتُ الداخلية كأحَدِ المَحاوِرِ الرئيسة التي يُمكِنُ من خلالها فَهم التداعياتِ الاجتماعية والسياسية العميقة. يَتّضِحُ ذلك من خلالِ تأثيرِ الانقساماتِ في الثقةِ المُجتَمَعية في المؤسّسات الحكومية والعسكرية، وتأثيرِها في وحدةِ الكيان.
عندما تكونُ لديكَ ثقةٌ راسخةٌ في قوّةِ جيش بلدك، وخصوصًا إذا كُنتَ آتيًا من ذاكرةٍ مليئةٍ بالاضطّهادِ والخوف، فإنَّ رؤيةَ جيشك يتخبَّطُ في معارك ويعجزُ عن الإنجازِ يُمكنُ أن تكونَ لها تداعياتٌ نفسية كبيرة. هذا الوضعُ يزيدُ من مشاعرِ القلقِ والخوفِ من المُستقبل، حيثُ يُواجِهُ الأفرادُ المُتشَكِّلون في جماعةٍ واقعًا غير مُتَوَقَّعٍ يجعلهم يشعرونَ بعَدَمِ الأمان على المستويين الشخصي والوطني.
في مثلِ هذه الأوقات، يبدأُ الأفرادُ والتكتُّلاتُ التشكيكَ في قيادتهم السياسية والعسكرية، ما يؤدّي إلى تآكُلِ الثقةِ في الحكومة والقيادة العامة. هذا التآكُلُ يُمكن أن يؤدّي بدوره إلى اضطراباتٍ اجتماعيةٍ نتيجةً لانعدامِ الثقةِ والخوفِ من المُستقبل، ويُمكِنُ أن يشملَ ذلك السخطَ وزيادةً في النزاعاتِ الداخلية، ومُحاولاتٍ للانقلابِ السياسي.
عندها، يبدأُ الأفرادُ والمُجتمعاتُ الفرعية ضمنَ الجماعةِ البحثَ عن بدائل لتحقيقِ الأمان والاستقرار، سواءَ كان ذلك من خلالِ تشكيلِ جماعاتٍ جديدةٍ أو اللجوءِ إلى حلولٍ أُخرى غير عادية. هذه التداعياتُ تتفاوَتُ حسبَ السياقِ الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي يتشكّلُ في ظلِّهِ وَعيُ التكتُّلاتِ الفرعية ضمنَ الجماعةِ الأُم.
البحثُ عن بدائل في ظلِّ التوتُّرِ والخوفِ والقلقِ يؤدّي غالبًا إلى اتِّخاذِ قراراتٍ مُتَسَرِّعةٍ وغير مدروسةٍ قد تجرُّ المُجتَمَعُ بأكمله إلى مخاطر كبيرة. ومن بينِ هذه المخاطر اللجوءُ إلى الجماعاتِ المُتَطَرِّفة، حيثُ قد يَجِدُ الأفرادُ العزاءَ في الجماعاتِ التي تُقَدِّمُ حلولًا بسيطةً وسريعةً للمشاكل المُعَقَّدة. هذه الجماعاتُ قد تدعو إلى العنف أو الانقلاب الجذري، الأمر الذي يزيدُ من الفوضى.
كُلَّما زادَ البحثُ عن بدائل من هذا النوع، يُمكِنُ أن يتسبَّبَ ذلك في المزيدِ من تآكُلِ الثقة بمؤسّساتِ الدولة، ويتمُّ اللجوءُ إلى خياراتٍ غير تقليدية أو غير قانونية لتحقيقِ الأمنِ والاستقرار. هذا البحثُ عن الحلولِ السريعة يؤدّي بدوره إلى انقساماتٍ داخل المجتمع، حيثُ تختلفُ الآراءُ حولَ الحلولِ المُثلى. في هذه اللحظة، يصعَدُ قادةٌ شعبويون يُقدِّمونَ وعودًا برّاقةً وسهلة. هؤلاء القادةُ يفتقرون عادةً إلى الخبرة أو الرؤيةِ الحقيقية، مما يُمكِن أن يؤدّي إلى اتخاذِ قراراتٍ سيِّئة تزيدُ من أزمةِ الجماعة.
منَ المُرَجّحِ أن يؤدّي هذا الوضع إلى الانشقاقِ والتقاتُلِ الداخلي، وقد شهدَ التاريخُ العديد من الحالاتِ المُماثِلةِ التي تتجلّى فيها هذه الظواهر. عندما تُفقَدُ الثقة في المؤسّسات الحكومية والعسكرية وتنتشرُ حالةُ من الخوفِ والقلق، يمكن أن تتصاعَدَ الانقساماتُ الداخلية وتتحوَّلَ إلى صراعاتٍ عنيفة.
ما يحدثُ حاليًا في المجتمعِ الإسرائيلي يُظهِرُ تطابُقًا مع السياقاتِ المَنهَجيةِ للتدميرِ الذاتي. إسرائيل تُواجِهُ تحدّياتٍ متزايدة في ظلِّ صعودِ الأفكار القومية والمُتطرِّفة، مما يؤثر في الوحدة الاجتماعية والسياسية. الانقساماتُ الداخلية والخوفُ من المستقبل يُمكِنُ أن يؤدّيا إلى تآكلِ الثقةِ في الحكومة والقيادة العسكرية، ما يُعزِّزُ من احتماليةِ حدوثِ اضطراباتٍ اجتماعيةٍ وسيطرةِ قادةٍ شعبويين. ويُصبِحُ الاقتتالُ الداخلي أحدَ المآلات المُحتَمَلة: الخوفُ والصدمات، التشقُّقُ والانقسامات، المشاريعُ المُتَسَرِّعة وغير المدروسة، التناحُرُ الداخلي، وفي النهاية…الهزيمة.
قادةُ إسرائيل يُفكّرونَ بواقعيةٍ مريضةٍ حين يعتبرونَ أنَّ استمرارَ الحربِ هي الطريقةُ الوحيدةُ المُمكِنة لمَنعِ الاعترافِ بالهزيمةِ، وبالتالي مَنع انفجارِ إسرائيل من الداخل، لكنهم مجانين بالتأكيد إذا اعتبروا أنهُ يُمكِنُ تفجيرُ حربٍ شاملة، قد تُصبحُ عالمية، لمَنعِ هكذا انفجار.