حين بدأت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين اول / أكتوبر 2023، كنّا نحسب زمن تلك العملية بالساعات، ثم بدأنا نحسبه بالأيام، ثم بدأنا بالأسابيع، والان بدأنا نحسبه بالأشهر، وقد دخلت الحرب الثلث الأخير من شهرها الرابع، فيما يقول معظم المحللين الصهاينة والغربيين ان تل ابيب وواشنطن عالقتان في مأزق خطير، فكلفة الحرب باتت عالية عليهما على كل المستويات ، وكلفة التوقف عنها هزيمة سيكون لها تداعياتها في كافة المجلات.
ويبقى السؤال الان ماذا عن اليوم الآتي؟ هل سنرى توسيعاً لجبهة الحرب هذه لتشمل كل بلدان المقاومة في المنطقة وربما غيرها؟ ام سيضطر الصهاينة للقبول بشروط ما زالت المقاومة متمسكة بها؟ لو كان الأمر متروكا لإرادة الحكام الصهاينة أنفسهم لربما استمروا في التورط في حرب يدركون سلفاً انها قد تكلف الأطراف الأخرى أثماناً باهظة، ولكن الثمن الذي قد سيدفعه الصهايتة مع حلفائهم قد يهدّد وجودهم نفسه، لأن هذا الكيان لا يستطيع ان يتحمل حرباً مع فلسطين والمقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية والمقاومة اليمنية ومع الجمهورية الإسلامية في إيران ومع سورية في آن واحد.
فاما ان تكون في هذه الحرب نهايته، وإما أن يرضخ الصهاينة ومعهم واشنطن ،التي تحاول مؤخرا عبثاً ان تميّز نفسها كلامياً عن الموقف الصهيوني المتطرف، فهزيمة الحرب دون ان تحقق تل ابيب أي شرط من شروطها، وهي بالطبع شروط أمريكية ايضاً، سيجعل من وقف إطلاق النار هزيمة كبرى لها ،ارتداداتها ليس فقط في منطقتنا ، وانما على مستوى الجبهات المفتوحة عالمياً بدءاً من أوكرانيا وصولاً الى تايوان.
الأمر أذن مرهون بعوامل عدة ، ابرزها موقف عربي واسلامي صارم وواضح يطالب بوقف اطلاق النار ويهدد بإجراءات سياسية واقتصادية وحتى عسكرية ملموسة، بدءاً من قطع كل علاقة مع العدو واسقاط التطبيع وصولاً الى حظر النفط وممارسة ضغط اقتصادي على دول الغرب كما كان الأمر عام 1973.
فهل تجرؤ القيادات الرسمية العربية على قرار من هذا النوع ، علماً ان الحسابات التي كانت تحسبها في السابق لم تعد موجودة بالدرجة نفسها من الخطورة، فالعالم بدأ يتفلت من الهيمنة الأميركية ، وباتت قدرات المقاومة على مواجهة العدو اكبر بكثير مما كانت عليه في السابق لذلك فقرار انهاء الملحمة المأساوية في غزة وفلسطين واكناف فلسطين مرتبط بقرار عربي واسلامي حاسم وواضح، إما وقف الحرب وإما ضغط سياسي اقتصادي صارم على الكيان وعلى داعمي الكيان..
وهنا يكمن دور القوى الشعبية العربية على اختلاف انتماءاتها الفكرية والسياسية ان تتجاوز كل ما بينها من صراعات وتوحد جهودها للضغط على الحكام ليحسبوا حسابها كما يحسبون حساب ضغوط الصهاينة وحلفائهم…
حينها لا تتوقف محرقة النازيين الجدد في غزة وحولها فحسب، بل تتوقف ايضا كافة مناحي التدهور والتخلف في حياتنا.