بعد طول انتظار بدأ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارةً رسمية لواشنطن اقرب حلفاء اسرائيل، استجابة لدعوى قدمها له قادة الكونجرس من كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي في وقت سابق. وفقا لمكتب رئيس الوزراء سيتضمن جدول اعمال نتنياهو من بين امور اخرى، خطابا هو الرابع له امام الكونجرس الامريكي في جلسة مشتركة وبذلك يعتبر اكثر رئيس دولة اجنبية يخاطب المشرعين الامريكيين مباشرة- متجاوزاً الزعيم البريطاني وينستون تشرشل، يليه لقاء بالرئيس الامريكي بايدن – الذي اصبح بطة عرجاء ويستعد لمغادرة البيت الابيض، بعد انسحابه من سباق الرئاسة للتباحث اللفظي وغير الجاد حول ما سُمي بمبادرة بايدن لانهاء الحرب على قطاع غزة وتنفيذ صفقة التبادل، الى جانب نقاش المسار المتوقف لتطبيع العلاقات الاسرائيلية-السعودية، لاحقاً سيجتمع نتنياهو بالمرشحة المحتملة للحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة الامريكية كامالا هاريس يوم الخميس، وتنتهي زيارته مساء الجمعة بلقاء مع حليفه الايديولوجي الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب.
تاتي هذه الزيارة بعد ان أظهرت إدارة الرئيس بايدن انحناء في المواقف امام تعنت نتنياهو وتمسكه في إدامة المذبحة في فلسطين وخاصة في قطاع غزة منذ احداث الـسابع من اكتوبر 2023. تحت مبررات تنفيذ الاهداف المعلنة للعدوان، نجح نتنياهو في ضمان إنشاء جسر جوي من الذخائر الامريكية دون تأخير، والتزام امريكي كامل بحماية حليفها الموثوق على المسرح الدولي وتبنيها لسياسة الضغط الاقصى على دول الاقليم عبر حاملات الطائرات، الى جانب تقديم الحماية في المحاكم الاممية بما فيها الجنايات الدولية والعدل الدولية.
في هذا السياق، فإن مخاطبة نتنياهو للمشرعين الامريكيين تمنحه فرصة جديدة لتذكير ممثلي الشعب الامريكي باهمية وجود اسرائيل واستمرارها كآداة وظيفية مخلصة لمصالح الامبريالية الامريكية في الشرق الاوسط، الى جانب فرصة استعراض مبررات استمرار حرب الابادة الجماعية من عدسة المصالح المشتركة مع الدولة العميقة، بالمقابل، ينظر اعضاء الكونجرس الاوفياء لاسرائيل الى هذه الزيارة بإعتبارها فرصة مواتية لالتقاط تذكرة جديدة والحصول على مزيد من الدعم المالي السخي في حساباتهم البنكية لضمان الاحتفاظ بمقاعدهم في الكونجرس مع انطلاق قطار الحملات الانتخابية. (435 مقعد لمجلس النواب تخضع للبطاقة الانتخابية بالاضافة الى 33 مقعدا لمجلس الشيوخ).
وسط حالة من الاستنكار الشديد لهذه الزيارة، تدفقت الحشود الكبيرة والاصوات الهادرة من انصار الحق الفلسطيني وابناء الجالية العربية والاسلامية يساندهم اعضاء منظمة الصوت اليهودي من اجل السلام الى شوارع واشنطن ومحيط مبنى الكابيتول وامام فندق ووترغيت حيث يقيم نتنياهو خلال زيارته، للتعبير عن الموقف الشعبي الرافض لهذه الزيارة، والمُطالب باعتقال نتنياهو بصفته مجرم حرب وقاتل اطفال، بالتزامن مع دعوات رسمية صادرة عن اعضاء الكونجرس من الجناح التقدمي الليبرالي للحزب الديموقراطي لمقاطعة جلسة الخطاب، هذا المشهد غير المألوف منذ عقود يظهر على الاقل ان سيطرة ونفوذ اللوبي الاسرائيلي على غير العادة تتأرجح ليس فقط على مقاعد الكونجرس والحرم الجامعي بل في اوساط النخب السياسية والاعلامية الامريكية، وان الرياح السياسية القادمة اصبحت تفرض وجودها بقوة.
من ناحية، يواجه نتنياهو ووزير دفاعه جالانت تهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والإبادة الجماعية من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بينما نطقت لاهاي دفاعاً عن العدالة مع اعلان الرأي الاستشاري التاريخي الذي اصدرته محكمة العدل الدولية يوم 19 يوليو/تموز والذي اكد ان احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ نصف قرن غير قانوني بموجب القانون الدولي، مع وضع ذلك في الاعتبار يبدو ان زمن افلات قادة اسرائيل من العقاب آخذ بالنفاذ. من ناحية اخرى، يبدو المشهد السياسي الامريكي اكثر قتامة من مستقبل نتنياهو وتحالفه، وان الوضع الامريكي يندفع بقوة نحو حالة اللايقين، بدأت مع محاولة الاغتيال الفاشلة للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، تبعها استقالة رئيسة جهاز الخدمة السرية على اثر ذلك، وصولا الى قرار الرئيس الحالي بايدن بالتنحي عن سباق الرئاسة مع احتمالية ظهور انشقاقات داخل الحزب الديموقراطي حول شخصية المرشح الاقدر على مواجهة ترامب وحسم السباق، وسط الجنون المحيط بانصار ترامب الذين يهددون بإغراق كل شيء في حال عدم فوز زعيمهم.
زيارة نتنياهو الى واشنطن لن تحمل مفاجئات جديدة، على سبيل المثال إعلان موافقته على خطة بايدن لوقف العدوان على قطاع غزة، بل على العكس سيحصل نتنياهو على مزيد من القنابل والمعدات العسكرية الامريكية لمواصل عدوانه، وبالتالي مزيدا من المسافة بين جناحي الحزب الديموقراطي، وستعزز هذه الزيارة الفرضية القائلة بأن قادة اسرائيل عبر احزمة الضغط في الايباك قادرون على التدخل في الشأن الامريكي الداخلي والخارجي عبر منصة الكونجرس ومراكز صنع القرار المتعددة لثني السياسات الامريكية نحو مصالح اسرائيل.
الصراخ والغضب والتنديد…– رغم اهميتهم، لا تكفي لاعتقال نتنياهو، ومن سيقوم باعتقاله فالادارة الحالية التي تملك مفاتيح السلطات هي شريك مباشر في حرب الابادة الجماعية، بينما يتفاخر المرشحان الرئاسيان (هاريس وترامب والرئيس الحالي بايدن) بإستمرار دعم اسرائيل والحفاظ على تفوقها النوعي على مجموع دول منطقة الشرق الاوسط، ولذلك مهما كانت صراعات الحزبين الكبيرين وانقساماتهم، إلا ان النخب السياسية في واشنطن متحدة في موقفها عندما يتعلق الوضع بحماية إسرائيل ودعمها.