“واقع القضاء في لبنان بين الاستقلالية والتجاوزات” في ندوة افتراضية
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
نظم “ملتقى حوار وعطاء بلا حدود” ندوة افتراضية عبر تطبيق “زووم” بعنوان “واقع القضاء في لبنان بين الاستقلالية و التجاوزات السياسية المعطلة”، شارك فيها أربعة من رجال القانون أدارها الدكتور المحامي جانو جوزف حداد، وعاونته الأستاذة أميرة سكر.
يمكن متابعة فيديو الندوة على يوتيوب على الرابط التالي:
حداد
قدم الدكتور حداد مداخلة افتتاحية تطرقت إلى التطورات القضائية الأخيرة حيث اعتبر أن “الضغوط الشعبية وتحرك الجمعيات المدنية والمحامين حرك القضاة بإصدار قرارات هامة جدا في مكافحة الفساد والفاسدين”.
أضاف: “فبعد القرارات الجريئة التي اتخذتها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، والتأييد الشعبي لها، تتوالى القرارات القضائية الرديفة من قاضية التحقيق الأول في البقاع القاضية أماني سلامة التي قضت بوضع إشارة عدم تصرف يفبحق عدد من المصارف وأصحابها ورؤساء مجالس إدارتها، وقرار قاضي العجلة في المتن انطوان طعمه بحجز بعض عقارات بنك بيبلوس، وقرار الرئيسة رانيا رحمة قاضي العجلة في المتن أيضا، بتغريم بنك بيبلوس لرفضه تنفيذ الحكم القضائي الصادر عنها. وقد قامت سابقا قاضي العجلة في بيروت الرئيسة مريانا عناني، والرئيسة كارلا شواح، والرئيس فيصل مكي حيث ألقى الحجز الاحتياطي على أموال حاكم مصرف لبنان وبعض المصارف. وبالتالي نشعر أن شعلة الحق والعدل والعدالة قد بدأت بالتوهج، ونأمل أن يصل هذا النضال إلى تحقيق الأهداف المنشودة في مكافحة الفساد والفاسدين واستعادة أموال المودعين المنهوبة وإدانة المرتكبين وعاقبتهم”.
وختم: “من هنا جاءت هذه الندوة لشرح الواقع القضائي والسبل التي تساعد القضاة الشرفاء على القيام بواجبهم تجاه الشعب، فالقاضي الشريف والنزيه والشجاع فقط هو من يحق له إصدار الأحكام باسم الشعب اللبناني”.
حمود
افتتح منسق الملتقى الدكتور طلال حمود الندوة بكلمة ترحيبية فاستهل كلامه بشكر المحاضرين والمشاركين وقال: “تأتي ندوة اليوم لتسلط الضوء على واقع القضاء في لبنان ولإعادة التذكير والمطالبة باستقلاليته وإبعاده عن كل أشكال التدخلات السياسية والحزبية والطائفية بعد أن شهدنا في الأشهر القليلة الماضية هذا التخبط الكبير الحاصل في الجسم القضائي، والتلكؤ والتقاعس والتواطؤ والإرباكات الكبيرة التي شهدها هذا الجسم الذي فشل فشلا مدويا في معالجة أي ملف من ملفات الفساد المستشري في كل مفاصل ومؤسسات الدولة والوزارات والإدارات الرسمية والهيئات والمجالس، بخاصة في الملفات المتعلقة بقضية أموال المودعين والتلاعب بأسعار العملة الوطنية ونهب وهدر أموال الخزينة وتهريب الأموال وتحويلها الى الخارج من قبل بعض المتسلطين على رقابنا من ساسة ومسؤولين ماليين وأصحاب مصارف وبعض حيتان المال والمحسوبين على كل هذه العصابات. وقد أدى ذلك الى تراجع السيولة في أموال الخزينة وفي المصرف المركزي، حتى وصلنا إلى هذه الحال من الانهيار الذي حذر منه الكثير من الخبراء في السنوات الماضية والذي ساهم في إفقار وتجويع واذلال معظم طبقات المجتمع اللبناني ووضع نحو 50 % منه تحت خط الفقر، ودفعهم لليأس، والقلق على المستقبل والضياع أو الهجرة. وقد أدى ذلك ايضا الى انعدام الثقة بمعظم الجسم القضائي، الذي نشهد جميعا فصول انقساماته وتخبطه كل يوم في الساحات وفي مختلف وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشهد لبنان لأول مرة مظاهرات مؤيدة و مناصرة لهذا القاضي او غيره في ظاهرة لم يشهدها لبنان حتى خلال الحرب الأهلية المشؤومة حيث بقي القضاء متماسكا الى حد ما”.
وأكد أن “الدستور اللبناني هو الميثاق الأساسي الذي يحدد عمل النظام القضائي اللبناني، وهو متوافق نظريا مع المعايير الدولية، لكن الممارسة الفعلية، نجد أن آداء النظام القضائي هو ضحية للتدخلات المستمرة للسلطتين التشريعية والتنفيذية وللأفراد الذين تتكون منهم هاتين السلطتين. فالقضاء يعاني خروقات منتظمة لمبدأ فصل السلطات من خلال تدخل السياسيين وزبائنيتهم في شؤونه وأكبر مثال على ذلك طريقة تعيين مجلس القضاء الأعلى وطريقة عمله وكيفية قيامه بالتشكيلات والمناقلات القضائية التي لا تأخذ ابدا في الحسبان مبدأ كفاءة القضاة وخبرتهم ونزاهتهم واستقامتهم بل تخضع في الكثير من الأحيان للمحسوبيات والاستزلام والولاء لهذا الطرف او الفريق او التيار. ونتيجة لممارسات السلطتين التنفيذية والتشريعية فإن هناك حاجة ملحة لورشة عمل إصلاحية كبيرة على مستويات عدة في مؤسسات قضائية دون الدخول في تفاصيل كل تلك الأفخاخ والعقبات التي تواجه العمل السليم والمنتظم للجسم القضائي في لبنان”.
وقال: “يعتبر الفساد السياسي من أخطر الظواهر التي يمكن أن تعوق التنمية السياسية والبشرية، وتحول دون تحقيق الديموقراطية وحماية الحقوق والحريات وبناء دولة القانون. وتعد إساءة استخدام السلطة اللبنانية الموكلة إلى الحكام والقوى السياسية الناشطة في الدول من قبيل الفساد السياسي، سواء اتخذت صور المحسوبية، أو الرشوة، أو الابتزاز وممارسة النفوذ، أو الاحتيال ومحاباة الأقارب أو غيرها من الممارسات المشبوهة بهدف تحقيق مصلحة شخصية وأهداف غير مشروعة. هذا الفساد طال الجسم القضائي اللبناني. إن تنظيم السلطة القضائية في لبنان جاء نتيجة التطور التاريخي لمؤسساته القضائية ومختلف مصادر قوانينه. فقد استلهم لبنان على نطاق كبير من النموذج الفرنسي، سواء على مستوى المحاكم المدنية أو الإدارية (مجلس شورى الدولة). ويشكل موضوع استقلالية السلطة القضائية حديث الساعة في لبنان، لا بل هو الحديث المستمر منذ أعوام، إنطلاقا من كونها مهددة بصورة دائمة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من أطراف عدة، ومجموعات ومؤسسات، وهيئات حكومية، حيث أن التأثير الأهم على عمل السلطة القضائية ينجم عن عوامل سياسية واجتماعية وتاريخية وثقافية وإيديولوجية ودينية أيضا”.
ورأى أن “ما يهدد استقلال القضاء لا يكون دائما من الخارج، ولكن أيضا، وبطريقة أشد إيذاء من داخل الجهاز القضائي نفسه كما يحدث اليوم. إضافة إلى ذلك إن تدخل السياسيين في عمل المحاكم اللبنانية لم يتوقف يوما والأدلة على ذلك كثيرة”.
سليمان
وتناول الرئيس السابق للمجلس الدستوري القاضي الدكتور عصام سليمان المحور التالي: “وضع القضاء اللبناني في خضم التطورات الأخيرة ومدى استقلاليته والتداخل الحاصل بينه وبين السلطة السياسية”، وأشار إلى أن “التطورات الأخيرة تدل على أن الأزمة في لبنان تحولت من أزمة حكم إلى أزمة نظام وأن معضلة استقلالية القضاء ليست محصورة في لبنان كونها تشكل إشكالية في الدول كافة”.
وقال: “أما في لبنان فالعلاقة ملتبسة بين السلطة الإجرائية والقضاء، كون القضاة يعينون من قبل مجلس الوزراء وتكون التشكيلات القضائية عبر مرسوم تقره السلطة السياسية بشكل أساسي. إن المادة 20 من الدستور اللبناني تنص على أن السلطة القضائية تمارسها المحاكم على اختلاف درجاتها وأن القضاة مستقلون في أداء وظيفتهم وبالتالي فإن الدستور واضح من حيث أن القضاء هو سلطة. أما بالنسبة الى استقلالية القضاء، فتم اعتبار القضاة مستقلين في آداء وظيفتهم أي انهم مستقلون في إصدار الأحكام، أما السلطة القضائية فغير مستقلة، وهذا تفسير خاطئ للمادة 20، كون مقدمة الدستور نصت على أن النظام اللبناني هو برلماني ديمقراطي، قائم على فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، حيث ورد فيه أن السلطة القضائية تعتبر منفصلة ومستقلة عن السلطتين الاجرائية والاشتراعية”.
أضاف: “في العام 2002 كان هناك محاولة لاقرار قانون استقلالية القضاء من بعض النواب لكنها باءت بالفشل وللأسف لا تزال هذه الإشكالية مستمرة حتى اليوم، حيث يعتبر البعض أن القضاء سلطة، بينما البعض الآخر يعتبرها وظيفة كأي وظيفة في الدولة. تجدر الإشارة بأن ما حصل من بعد اتفاق الطائف، هو عدم تطبيق المادة 95 من الدستور وكل المسارات التي سلكتها السلطة بعد اتفاق الطائف خرجت تدريجيا عن نصوص الدستور ما أدى إلى تشويه مفاهيم أساسية بنى عليها الدستور، وفي طليعتها مفهوم ميثاق العيش المشترك ومفهوم المشاركة في السلطة والديموقراطية الميثاقية ،التي اعتبرت ديمقراطية توافقية، حيث تم تكريس مبدأ المحاصصة الذي وزعت بموجبه المواقع في السلطة بما فيها القضاء بين القابضين على الحكم باسم طوائفهم. كل هذا أدى إلى ضرب استقلالية القضاء بشكل مطلق، فخصصت المراكز الأساسية في القضاء لطوائف محددة خلافا لما نص عليه الدستور بعدم تكريس أي وظيفة لأي طائفة. كما أن الامور ذهبت أبعد من ذلك وأصبحت رئاسات المحاكم مكرسة أيضا لطوائف محددة في إطار المحاصصة والتوازنات الطائفية مما ادى عمليا إلى تعيين القضاة الذين ينتمون إلى طائفة معينة عموما من زعيم الطائفة. وأصبحت التشكيلات التي يجريها مجلس القضاء الأعلى تتم وفق إرادة السلطة السياسية وتحكمهم بالمواقع القضائية”.
وتابع: “إن مجلس الوزراء هو من يصدر مرسوم التشكيلات القضائية. وهذا الواقع السيئ أدى إلى تردي الوضع القضائي واستشراء الفساد في صفوف بعض القضاة. أما القضاة الشرفاء الذين يمارسون مهامهم بنزاهة تامة وحيادية، فهم في معظم الأوقات مهمشين، لأنهم غير مدعومين من زعماء طوائفهم. من هنا جاءت أهمية الخروج من الأزمات التي يعانيها لبنان والتي أدت إلى فقدان ثقة الشعب بالمسؤولين وإلى حد كبير بالقضاء وفقدان ثقة بلدان العالم بالسلطة الحاكمة في لبنان، وعليه يتوجب إجراء إصلاحات في مختلف القطاعات ووضع حد للفساد وإعادة الثقة بالسلطة اللبنانية قبل مد يد المساعدة للبنان. ولا بد من القيام بانتفاضة في صفوف القضاة من أجل استعادة كرامتهم، وكرامة وهيبة القضاء، وهذا الأمر يقتضي وضع قانون يؤكد استقلالية القضاء”.
وسأل: “كيف يمكن للقضاء المالي أي ديوان المحاسبة الذي يراقب حسابات الدولة بمختلف اجهزتها ومؤسساتها أن يكون تابعا لرئاسة الحكومة؟ فكيف يراقب مالية المؤسسات التابعة للوزارات ورئاسة الحكومة؟ لذلك كي يكون القضاء فعلا سلطة مستقلة، يتوجب أن يقر قانون لاستقلالية السلطة القضائية وأن يتولى مجلس القضاء الأعلى المنتخب من القضاة إدارة القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي في الوقت نفسه، وأن يناط به تعيين القضاة ومناقلتهم وترفيعهم بقرار مستقل منه، كما تناط به صلاحية تعيين جميع العاملين في القضاء. يتوجب على القضاة أن يتحملوا مسؤولية إدارة شؤونهم، وعليهم أن يكونوا على المستوى المطلوب أو يرحلوا. كما يجب أن تقترن استقلالية القضاء
بمراقبة ذاتية مشددة، شرط ألا تؤدي هذه الاستقلالية الى فوضى ويكون هناك انضباط إلى حد كبير في ممارسة القضاء مهامه”.
ختم: “وعليه يتوجب أن يتم الضغط الشعبي لإقرار اقتراح القانون المقدم في مجلس النواب كي يعود للقضاء دوره وهيبته”.
صاري
وشرح القاضي نبيل صاري “دورالتفتيش القضائي في مراقبة عمل القضاة ومدى استقلاليته”
حيث استهل مداخلته بقول لابن المقنع:” من أمن العقوبة أساء الأدب، وإذا تكاثرت إساءة الأدب ستؤدي إلى سوء المنقلب”. واستغرب أن يطلق لقب “آدمي” على القضاة، فكيف نسلم امورنا و حياتنا واموالنا لقاض نشك “بآدميته”؟ وهل علينا إعطاؤه شهادة بالنزاهة. هذه المفاهيم تسيء إلى الوطن ويجب التخلص منها”.
وأشار إلى أن “السلطة السياسية ليست وحدها التي تتدخل في القضاء، إذ ان السلطة الدينية تقوم بذلك أيضا، فهناك رجالات دين يفرضون فرضا تعيين المحافظين والقضاة في المراكز القضائية الهامة”. واعتبر أن “أداء القضاء بأغلبيته جيد وهناك ما يزيد عن 16 قاضيا اتخذ قرارات في حق المصارف خلال العام الماضي لكن مع الاسف كانت إحدى غرف محكمة التمييز التي تصلها هذه الأحكام توقفها وتوقف تنفيذها. ولم نسمع إعلاميا عنهم دون الخوض بالأسماء”.
وتابع: “إن الثورة القضائية بدأت قبل الرئيسة غادة عون لكنها اتخذت ضجة إعلامية وشعبية أخيرا ونخشى أن يكون هذا من باب الاستغلال لحرف نظرنا عن مرسوم الحدود البحرية لبنان. أما بالنسبة إلى التفتيش القضائي، فهناك نصوص رائعة لكن لا يطبق منها اكثر من 10%، فالتفتيش القضائي مكون من رئيس التفتيش الذي يتمتع بحصانة عالية ولا يمكن عزله الا بظروف خارقة أو بإرادته الشخصية، ومن أربع مفتشين عامين موزعين على الطوائف اللبنانية بالاضافة إلى 6 مفتشين يختارون أيضا من الطوائف اللبنانية، علما أن مجلس الهيئة العامة للتفتيش المركزي مكون من الرئيس والمفتشين العامين الأربعة، لكن للأسف المعلومات تشير انه ومنذ ثلاثة أعوام لم تجتمع الهيئة العامة حتى ولو لمرة واحدة. وقد سبق أن تم التحقيق مع سمسار قضائي اتهم خلال استجوابه عدد كبير من القضاة في المراكز الهامة بأنهم تعاونوا معه في دعاوي وأحكام بشكل أو بآخر، بعد أن نحول الملف من شعبة المعلومات إلى الرئيسة غادة عون التي أحالته إلى التفتيش لكن للأسف لم يتحرك منذ ثلاثة أعوام. فهل يجوز عدم بت قضية بهذه الأهمية تطال الفساد القضائي؟”.
أضاف: “هذا الموضوع يجب أن يبت اما لتبرئة القضاة الذين وردت أسمؤءهم من هذا السمسار وإما إدانتهم من هيئةالتفتيش، ولا يجوز ترك الملف من دون انهائه ليتبين الحق من الباطل. فالخطأ كل الخطأ ان لا يكون هناك محاسبة، وكي يكون التفتيش فاعلا، يتوجب تطبيق النصوص بشكل صحيح ولا يجوز انتظار المواطن كي يأتي بنفسه إلى التفتيش. بينما العمل الجدي للتفتيش يجب أن يتم تلقائيا وبشكل دائم ومستمر ويحاسب كل مقصر أو مرتكب. هناك نص قانوني معروف “لا عقوبة من دون نص”، لكن الأخطر انه إذا لا توجد عقوبة فلا وجود للوطن”.
وتمنى على المسؤولين في التفتيش أن “يقفوا وقفة ضمير لإيصال الناس إلى حقوقها أو يأخذوا القرار المناسب بالتنحي ويحفظوا تاريخهم القضائي وكرامتهم بخاصة ان القائمين على التفتيش مشهود لهم بالمسلكية والمناقبية، لكن بالفعالية عملهم مشلول ويتوجب تفعيله”.
مسعد
خاض المحامي الاستاذ وجيه مسعد غمار البحث في “دورالقضاة في مكافحة الفساد على هامش تحرك مجلس القضاء الأعلى ومدى استقلاليته وفعاليته صلاحيات النيابة العامة والتداخل ما بينها”.
اعتبر أن “التفتيش القضائي هو دينامو العدلية والعدالة، إذا تعطل تعطلت العدالة، لأن هامش تحركه أوسع من مجلس القضاء الاعلى، فيكفي أن يوافق الرئيس الذي له صوت مرجح مع أحد المفتشين الرئيسين الأربعة على أي قرار ليصبح نافذا، بينما الآلية لصدور قرارات مجلس القضاء الاعلى مختلفة. وكان قد نبه مرارا وتكرارا، بعدم جواز ترك العدلية من دون ضوابط”.
وشدد على أن “الخطوات الأولى في مجال مكافحة الفساد والتفلت في القضاء، هو إلزامية تطبيق قانون أصول المحاكمات المدنية واحترامه، والطلب من المتقاضين تقديم لوائحهم من خلال التبادل في القلم، على أن يصار بعدها إلى إصدار الحكم، الا إذا أصر فرقاء النزاع للمرافعة، فتخصص جلسة وحيدة لذلك ويتم بعدها إصدار الحكم”.
ورأى أن “عدم تطبيق قانون أصول المحاكمات المدنية، أدى الى تراكم الملفات العائدة للمتقاضين، والتي تقدر قيمتها بملايين الدولارات، فالعدالة المتأخرة ليست عدالة خاصة ونفاجأ في العديد من القضايا العالقة لسنوات امام القضاء، بفتح المحاكمة لخلو الملف من مستند أساسي يسمح بإصدار الحكم فيعود النزاع إلى نقطة الصفر. كذلك الأمر في محاكم الاستئناف والتمييز، علما ان هذه الاخيرة تنظر فقط في الحل القانوني وليس في واقعات القضية، وبالتالي لا يجوز ان ينام الملف لديها أشهرا وأعواما، لاصدار الحكم النهائي. إن اتباع قانون اصول المحاكمات بالنسبة للتبادل يوفر على المحكمة والمتقاضين عناء هدر الوقت والجهد والحق. وقد تم التعاون مع رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي جان فهد لاصدار تعميم للرؤساء الأول بضرورة تطبيق مبدأ التبادل لكن لم يلق التعميم التجاوب المناسب. وأعاد مجلس القضاء الأعلى الحالي تجديد الطلب، بوجوب تطبيق قانون أصول المحاكمات بخاصة لجهة التبادل في القلم، أما الملفات المعين فيها جلسات ولم يكتمل فيها التبادل، فتعاد للقلم لاستكمال أي نواقص”.
وأمل أن” يتم احترام تنفيذ هذا التعميم من قبل القضاة، لما فيه من مصلحة للقضاة والمحامين والمتقاضين والعدالة”، وأشار إلى أن “دور القضاء أساسي في مكافحة الفساد، يبدأ من النيابات العامة ووصولا إلى قضاة الأساس. أما بالنسبة إلى هامش تحرك مجلس القضاء الأعلى، فبعكس ما يعتقد كثر، ليس بكبير، كون اتخاذ اي قرار لاي قضية مطروحة أمامه، يستدعي الحصول على 8 أصوات من أصل 10، مما يعني أنه لا يصدر عن هذا المجلس أي قرار إلا بالتوافق، ما يكبل عمل المجلس بسبب أسس تكوينه”.
وأكد أن “عددا كبيرا من القضاة لا يرضخ للتدخل السياسي ويرفضه”، وأشار إلى أن “السياسي يعمل لمصلحته الضيقة، فعندما يرفض القاضي الذي عينه السياسي في مركزه طلبات الأخير فانه يتخلى عنه فورا ويحاربه. وهناك عدة مشكلات عند تعيين القضاة منها أن يتم تعيين القاضي على الرغم من عدم كفاءته أو نتيجة للتدخل الطائفي والسياسي، فالمفترض أن يكون للقاضي كفاءة ومناعة ويتوجب ان يكون قد التحق بالقضاء عن جدارة وليس بالواسطة كونه حاملا رسالة الحق والعدل”.
واعتبر أن “دور مجلس القضاء الاعلى معنوي وتوجيهي وتشريعي وتنظيمي”، وناشد “القضاة بوجوب التخلص من الرضوخ لأي ضغوط من أي من المرجعيات السياسية او الطائفية، للحد من الفساد وكي يسود العدل والحق والعدالة. وأشار إلى أن النيابات العامة تشوه دورها بالقدح والذم والتشهير، بينما هي شريكة في الدعوى العامة وشريكة لكل متضرر في أي شكوى، فإسقاط الحق الشخصي لا يسقط الحق العام إلا في حالات نص عليها القانون حصرا”.
اما بالنسبة للجدل الحاصل مؤخرا بتداخل الصلاحيات بين النيابة العامة التمييزية والنيابة العامة الاستئنافية الذي اتخذ منحى سياسيا في نطاق تنفيذ المواد 12و 13 و16 من قانون أصول المحكمات الجزائية، فكان تعليقه بأن الشعب قد جاع، وبالتالي اصبح من واجب مجلس القضاء الأعلى اعادة الحقوق لأصحابها مهما كانت الأحكام قاسية”.
وختم بأن “عمل النيابات العامة مقدس وأساسي في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن فهي تقوم بالاستقصاء وبعدها الملاحقة، ومن خلالها نحارب الفساد ونحاسب المرتكبين ونستعيد الحق والكرامة والوطن”.
مخيبر
عالج النائب السابق المحامي الاستاذ غسان مخيبر “دور السلطة التنفيذية والتشريعية والمجتمع المدني في إقرار قانون استقلال السلطة القضائية الجديد والعقبات التي تواجه صدوره”، وأورد أن “من يتابع التطورات القضائية الأخيرة في الإعلام، يخال له بأنه يتابع مباراة لكرة القدم بين جمهور مؤيد للمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وجمهور آخر مؤيد للنائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، وعطفا على مداخلات المحاضرين السابقة، أطرح معالجة الموضوع في خمس مسائل هي:
1- هل المشكلة في القانون أم في القضاة؟ وهل نحتاج إلى قضاة ملتزمين ضوابط الأخلاقيات القانونية أو نحتاج إلى قوانين جديدة سليمة؟. نحن نحتاج إلى الاثنين معا، ولنركز على الحاجة للقانون المقصر في مكانين: قوانين غير سليمة وغير جيدة وغياب قانون الكابيتل كنترول وهو قانون ضبط تحويل الاموال إلى الخارج والذي يقف عائقا في ملاحقة التحويلات التي حصلت للخارج. فالمصارف وضعت يدها على أموال المودعين، وهناك من حول أمواله للخارج وهذه أفعال لا يحاسب عليها القانون الجزائي أو التجاري. فالمجلس النيابي مقصر في إصدار مثل هذا القانون، وهذا التقصير يحد من صلاحية القضاء كونه لا يعاقب عليها. كما ان قوانين مكافحة الفساد والمؤسسات المكلفة مكافحة الفساد والهيئات الرقابية كلها مشلولة وغير فاعلة. فالقانون يجب أن يسد الثغرات ويوقف التحايل على القوانين.
2- هل يمكن أن نحيل كل المشاكل والحلول على القضاء؟ أي أن نلقي بكل المشاكل على القضاء؟ السلطة السياسية كلما وجدت نفسها مقصرة في أمر ما، ترميه بشكوى على القضاء. الفساد في لبنان بنيوي وليس فقط مجموعة مخالفات يمكن أن يلاحق فيها فلان وفلان. الفساد يكاد أن يكون مقوننا، وهو محمي بالقوانين، وليس فقط بالسياسي. وهناك ثلاث مصادر للفساد: المناقصات العمومية، العقود والصفقات العمومية والتحايل فيها على القانون وكيفية انتقال الاموال من الخزينة إلى جيوب المتعهدين.
3 – انتقال الأموال العمومية إلى الأفراد والشركات وهو فساد شبه مقونن. بينما المخالفات الصغيرة تحال على الهيئة العليا لتأديب الموظفين، لكن عندما يتم ملاحقة الأسماك الكبيرة والحيتان تقوم القيامة مثلما حصل مع الرئيسة غادة عون، وبالتالي فإن إحالة كل المشاكل والحلول على القضاء خاطئة، ولحسن النية، الذين ينظرون للقضاء على انه خشبة الخلاص، و هو جزء هام من الحلول لو كان لدينا قضاء مستقل ونزيه وفاعل، لكن هذا ليس الحل الوحيد كون الفساد البنيوي والمخالفات البنيوية لحقوق الإنسان والمتكررة لعقود، لا يكون علاجها في القضاء فحسب إنما أيضا بإعادة بناء الدولة على أسس مختلفة والقضاء جزء من هذه المعادلة.
4- وهنا تجدر الإشارة إلى أن القضاء يجب أن يتميز بصفات ثلاث، ويتوجب على اي قانون إصلاحي التركيز عليها هي: الاستقلالية، النزاهة والفعالية. وللإنتقال إلى موضوع استقلالية القضاء، هناك قضاة مستقلون لكن لا يوجد قضاء مستقل. علما بأنه، بموجب المادة 25 من الدستور يتولى القاضي السلطة القضائية، فمجلس القضاء الأعلى، ومجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة هي أدوات إدارية لمساعدة القاضي على أداء وظيفته وليس هو من يتولى السلطة. وهنا تظهر مشكلة القضاء الواقف أي النيابات العامة، ففي كثير من الدول النيابات العامة لا يرأسها قاضي ،كما في البلدان التي تتبع النظام الأنكلو سكسوني، بل محامي الشعب. وفي ضوء الالتباس الحاصل في القانون اللبناني هل يجوز القول بأن النيابة العامة الاستئنافية تخضع هرميا للمدعي العام التمييزي كما يدعي هذا الأخير؟. الجواب بالتأكيد النفي، هناك التباس.
5 – بموازاة الاستقلالية والسلطة المعطاة للقضاة مسؤولية احترام وتطبيق القوانين وبخاصة قانون أصول المحاكمات، فهل يجوز أن نعتبر بأن الاهداف السليمة لمكافحة الفساد تبرر استعمال وسائل مخالفة للقانون؟ ويتوجب دوما تأمين الضمانات القانونية للمتقاضين. وعليه، وللحد من التجاذبات بين النيابات العامة يتوجب تطوير القوانين في كل المجالات بتجديد أصول المحاكمات وتطوير القوانين التي فيها التباس. وبالنسبة للدور الذي يلعبه المجتمع المدني في تطوير القوانين هو هام جدا، بخاصة في موضوع استقلالية القضاء، حيث ان “المفكرة القانونية ”مثلا طورت اقتراح قانون القضاء العدلي، واقتراح قانون القضاء الإداري. لكن للأسف السياسيون يحاولون إبعاد المجتمع المدني عن المشاركة في تطوير القوانين كي تتم التعديلات حسب مصالحهم عند بحث مشروع قانون استقلالية القضاء لم يتم دعوة نقابتي المحامين في بيروت والشمال إلا بعد مراسلة النقابتين للجنة وطلب المشاركة. فمجلس الوزراء ومجلس النواب يحاولون استبعاد المجتمع المدني أيضا عن إبداء رأيه في القوانين، كما ينضم رجال الدين والقضاة والمؤسسات للتدخل في شؤون القضاء كل حسب مصلحته الخاصة، كما يحصل في تعيين القضاة في مجلس القضاء الأعلى بشكل سافر وواضح ،وتدخل السياسيين ورجال الدين في التشكيلات القضائية من خلال الحكومة ومراسيم التعيينات والتشكيلات. وللحد من هذه التدخلات يتوجب أن يكون توقيع مرسوم التشكيلات بصفة إعلانية لا إنشائية، وبالتالي يتوجب أن تكون صلاحية تعيين القضاة، بعد اجراء الإصلاحات اللازمة، لمجلس القضاء الأعلى وحده، شرط ان يكون مستقلا ومتجردا ونزيها، ويعطي لكل ذي حق من القضاة حقه”.
وختم: “يفترض ألا تكون قوانين الإصلاح القضائية محصورة بالقضاء العدلي، فورشة الاصلاح القضائي كبيرة جدا، ويجب أن تتناول كل مفاصل القضاء كمجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة والهيئة العليا للتأديب والتفتيش القضائي والمحكمة العسكرية والمجلس الدستوري والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.
وفي الختام، كانت مداخلات وأسئلة من الحضور أجاب عنها المحاضرون.اقرأ أيضًا: