الاحدثمراجعة كتب
لبنان بـأَقلام الأَكاديـمْيَا الفْرنسية | بقلم هنري زغيب
لم يَعُد جديدًا أَنَّ أَعلامًا عالَميّين كثيرين، في كتاباتهم أَو كُتُبهم، تناولوا لبنانَ شعبًا وتاريخًا وحضارةً وفرادةَ جمالٍ طبيعي.. أَمَّا أَن يكون بينهم 75 “خالدًا” من الأَكاديـمْيَا الفْرنسية زاروا لبنان فكتبوا عما عاينوا، أَو قرأُوا ما جعلهم يَعُون أَهميةَ لبنان – لا الجغرافيَّة (10452 كلم مربَّع مساحةُ بلديةٍ في الصين) ولا الديموغرافية (5 ملايين نسمة سكانُ مدينة في البرازيل) – بل يَعُون أَهميتَه الإِبداعيَّة في كل حقل معرفيّ، فهذا أَمرٌ غيرُ عاديٍّ يحتاجه بل يستحقُّهُ لبنان..
كان يَلْزم أَن يُحصيهم باحثٌ جَلودٌ طُلَعَةٌ شغُوفٌ بلبنان الحضارة، فكان لهذه المهمة الدكتور هيام جورج ملَّاط: نفدَت طبعةُ كتابه الفرنسيةُ الأُولى “الأَكاديـمْيَا الفْرنسية ولبنان” (342 صفحة حجمًا كبيرًا، منشورات “دار النهار”- 2001) وفيها 47 أَكاديميًّا فْرنسيًّا كتبوا عن لبنان، فبادَر بعد 23 سنة إِلى إِصدار طبعةٍ فْرنسية جديدة بعنوانٍ آخَر: “الأَكاديـمْيَا الفْرنسية تَروي لبنان” (520 صفحة حجمًا كبيرًا، منشورات “هاشيت/أَنطوان” – 2024) وفيها 75 أَكاديميًّا فْرنسيًّا كتبوا عن لبنان..
نَفتح الكتاب فيطلُّ علينا “الخالدون” مِن أَقْدمهم مونتسكيو (1689) ولقائِهِ سنة 1737 في روما الأُسقفَ اللبناني الملْفان يوسف سمعان السمعاني، إِلى أَحدَثهم مارك لامبرون (1957) صاحب كتاب “في حُبِّ بيروت” (منشُورات “فايار” – 2020)..
كأَنَّ في الكتاب جِنِّيًّا طيِّبًا وَدُودًا يقودُنا صفحةً بعد صفحةٍ إِلى غاردينيا الكتابات عن لبنان.. هنا الرحَّالة فولناي ينسحر بقِمَمنا: “من قمة صنين يَمتدُّ أُفْقٌ ولا حُدُود، وفي صَحوٍ شفَّافٍ ينطلق البَصر بعيدًا حتى البحر الذي يُبلِّلُ أُوروبا فتخالُ روحُك أَنها تعانق العالَم”.. وهنا لامرتين يتأَمَّل كيف “سُفوحُ الجبال تُرحِّب بحقول الزيتون فتُوَشِّي المشهدَ بالأَخضر الرمادي، حتى إِذا بَصَرُك ارتفعَ أَكثر، تتناهى إِليك جبالُ لبنان فاتحةً صدرها لعينيك تتسلَّقانها حتى تقتربا من أَقرب غيمة”.. وهنا إِرنست رينان يُدوِّنُ أَنَّ “صُوْر أَولُ مدينةٍ دافعَت عن حريتِها وقاومَت ممالكَ كانت تنوي إِطفاءَ الحياة على شاطئ المتوسط”.. وهذا كليمانصو العنيد يَكتب للبطريرك الياس الحويك في 10 تشرين الثاني 1919: “رغبةُ اللبنانيين في حكومةٍ لهم مستقلَّة وحُكْمٍ وطني مستقل، تلتقي تمامًا وتقاليد فرنسا الوطنية”.. وهذا بيار لوتي يندهش أَمام عظمة هياكل بعلبك: “… عتَبةٌ كبرى مزركشة فوق أَعمدةٍ عظيمةٍ كبرى هي الباقيةُ بين أَعمدةِ واحدٍ من أَجمل معابد العالَم تبقى بقاياهُ خالدةً حتى اليوم”.. وهذا غبريال هانوتو يُعلن: “لا يعلو جبلُ لبنان حتى أَعلى قمم العالم لكنه يرتفع حتى أَعلى قمم التاريخ الكوني.. ومن الملك سليمان حتى رينان تهْنَأُ الحكمة الإِنسانية في ظلال أَرز لبنان الدهريّ”.. وهذا بول موران يؤَكِّد أَنَّ “صيدا وصُور اسمان بهيَّان لمدينَتَي صيَّادين طيِّبين، تعيشان بين أَشجار الليمون، وكانتا ذات حقْبة كلَّ تاريخ العالم”..
وهوذا الرئيس ليوبولد سنغور يعترف أَنْ كان “للبنان أَثَرٌ ساطع في بَلْوَرَة الثقافة المتوسطية لدى هذه المنطقة من الشرق الأَدنى، كما لهُ فضلٌ رئيسٌ علينا بأَنَّ اللبنانيين مبدعُون شموليُّون يُعطون دروسًا لنا جميعًا”..
تَتْعب الصفحات ولا يَتعب هذا الجنيُّ الوَدُود من الأَخْذ بيَدِنا ليدُلَّنا هنا على مقولةٍ، هناك على رأْيٍ، هنالك على انطباعٍ نبيلٍ، عن لبنان وشعب لبنان وطبيعة لبنان وغنى لبنان الحضاري في كتاباتٍ مسؤُولة من أَكاديميين “خالدين” خَلَّدوا كلماتهم عن لبنان وتخلَّدوا بها في كتُب موثَّقَةٍ ذكَرَتْها عنهم، ككتاب هيام ملَّاط..
بلى: هذا الهيام ملَّاط المترسِّل لعبقرية لبنان الوطن، لو انَّ لدينا كوكبةَ متنسكِّين مثْلَه في حُب لبنان لَنَصَّعْنا لبنانَ الوطن في العالَم أَيقونةً حضاريةً تَطغى على ما يُغْرقُنا فيه أَقزامُ سلطةٍ هشَّمَت الدولة فخَلَطَ العالَمُ بين لبنان الدولة التاعسة ولبنان الوطن، حتى ليَخال أَنَّ لبنانَ وطنٌ تاعس.. وهو أَبدًا ليس كذلك، ولم يكُن يومًا هكذا، و…لن يكون.