في حال نشوب حرب عالمية ثالثة.. فما هي المناطق المتوقعة حول العالم لاستضافة الكارثة الجديدة!
بنهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ تصور العالم بأن الصراع بين القوى العظمى قد ذهب بلا رجعة، ولكن حقيقة الأمر أن تلك النهاية ما كانت سوى بداية لنوع جديد من المواجهات والصراع بين القطبين الأكبر في العالم آنذاك؛ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي فيما عرف بـ (حقبة الحرب الباردة) ولكن بتنامي دور الصين خلال السنوات الأخيرة وقدرتها على فرض نفوذها حول العالم، ومع استمرار روسيا فيما يبدو للاندماج بالنظام الدولي، فقد بات خيار تجدد صراع القوى العظمى مطروحا من جديد.
ويتوقع بعض الخبراء بأنه في حال نشوب حرب عالمية ثالثة، فإن هناك بعض المناطق حول العالم، والتي ستكون بمثابة مقر للصراع الدولي الجديد.
بحر الصين الجنوبي
أصبح بحر الصين الجنوبي (SCS) محاطا بالصدامات التجارية المتنامية بين الولايات المتحدة والصين. وقد تمثل هذا الصراع في تبادل الخطابات الساخنة وفرض التعريفات الجمركية وغيرها من أشكال العقوبات التجارية المختلفة. كما قامت الولايات المتحدة وكندا بتصعيد النزاع مؤخرا من خلال اعتقال أحد المدراء التنفيذين لشركة Huawei الصينية للتكنولوجيا ، الأمر الذي دفع الصين إلى اتخاذ خطوات مضادة إزاء المواطنين الكنديين والشركات الأمريكية.
وحتى هذه اللحظة، فإن كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية لم تتمكن من الربط بين الحرب التجارية بينهما من جهة، والنزاعات المستمرة في بحر الصين الجنوبي من جهة أخرى. وبالرغم من ذلك، فإنه مع استمرار تدهور العلاقة بين البلدين، فإنه قد يتعين على إحداهما تحديد مستويات تصعيد الصراع الثنائي، سواء على مستوى الدولار أو الخطابات المتبادلة بين الطرفين أو الملفات القانونية. في الواقع، إذا أدرك البلدان مدى الخطورة التي يشكلها الصراع القائم على الاقتصاد بوجه عام، فربما قد تفكر إحداهما أو كليهما في التراجع حفاظا على ما حققته من نمو اقتصادي وبخاصة خلال العقدين الأخيرين.
أوكرانيا
لقد تذكر العالم أوكرانيا عندما وقع حادث بحر آزوف ، والذي قامت خلاله البحرية الروسية بإطلاق الأعيرة النارية على ثلاث زوارق تابعة للبحرية الأوكرانية أثناء عبورها لمضيق كيرتش، وهو همزة الوصل بين بحر آزوف والبحر الأسود، حيث قالت روسيا وقتها أن أوكرانيا تسعى إلى خلق حالة من الصراع من خلال اختراق المياه الإقليمية الروسية، بينما قالت أوكرانيا بأن روسيا قد انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والتي تم توقعيها بين موسكو وكييف.
وفيما يبدو أن تلك الأزمة قد زادت من حدة التوترات القائمة بين البلدين منذ نحو عامين، وربما كان ذلك الدافع الأساسي وراء قيام أوكرانيا بفرض الأحكام العرفية ، الأمر الذي اعتبرته البعض تهديدا صارخا للوضع الداخلي في البلاد.
وعلى الأرجح، فإن روسيا لا ترمي إلى تحقيق مصالح خاصة من وراء إثارة القلق قبيل الانتخابات في أوكرانيا، هذا في الوقت الذي لازالت فيه الحكومة الأوكرانية عاجزة عن إحداث تغييرات جذرية على أرض الواقع. صحيح أن الانتخابات القادمة قد لا تغير المعادلة الأساسية ولكنها قد تخلق حالة عامة من عدم اليقين . هذا بالنظر إلى التوتر المستمر بين واشنطن وموسكو، فإن أي تغيير بسيط من شأنه أن يهدد التوازن اللامستقر في ميزان القوى، والموجودة منذ سنوات مما يهدد باحتمالية نشوب حالة من الفوضى في شرق أوروبا.
الخليج العربي
لقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط ساحة للصراع متعدد الأوجه خلال السنوات الأخيرة. فالضغوط الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران لازالت في تزايد مستمر. والحرب السعودية في اليمن لا تبشر بنهاية محتملة. وفي الوقت الذي انخفضت فيه نسبيا حدة الأحداث في سوريا، أظهرت كل من روسيا والولايات المتحدة التزاما تاما تجاه الشركاء والوكلاء التابعين لكل منهما.
ولكن النيران لم تخمد بعد، فالصراع الأكثر خطورة يمكن أن يشتعل في أية لحظة. فالاضطرابات السياسية في إيران يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بالكامل، فقد تلجأ إيران نحو استخدام العنف تجاه أعدائها أو ربما تتحول الجمهورية الإسلامية لفريسة في أيدي الدول المعادية لها.
كما أن التوترات بين الأكراد والأتراك والسوريين والعراقيين قد تتحول إلى مجال لامحدود من الصراع في أي وقت. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية والتي طالما تتحدث عن الاستقرار، فإن ولي العهد الحالي يبدو أنه يميل إلى قبول المخاطرة والمجازفة.
وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمنطقة الشرق الأوسط، فقد يؤدي عدم الاستقرار فيها إلى صراع محتمل بين كل من الولايات المتحدة وروسيا أو الصين.
كوريا الشمالية
مما لاشك في صحته، أن التوترات في شبه الجزيرة الكورية قد انخفضت كثيرا خلال العام الماضي، فقد أظهر كيم كونج أون درجة من التسامح فيما يتعلق بمواصلة الأنشطة النووية وإنتاج الصواريخ الباليستية، مما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يخفف بدوره من لهجة الخطاب الموجه ضد كوريا الشمالية، وبالفعل فإن احتمالات السلام الدائم باتت أكثر إشراقا من أي وقت مضى منذ منتصف التسعينيات.
وبالرغم من ذلك، فلا تزال هناك عقبات كثيرة، فقد راهن الرئيس الأمريكي على إمكانية تسوية الوضع مع كوريا الشمالية، ولكن الأخيرة لم تعمد فعليا نحو تقنين أنشطتها النووية ولا خفض إنتاجها من الصواريخ البالستية، ولعل مستشاري الرئيس الأمريكي يدركون جيدا مدى خطورة تلك التناقضات. فإذا ما كانت أمريكا تحاول الالتفاف حول كوريا الشمالية أو إذا كانت الأخيرة تحاول التآمر على واشنطن، فإن العلاقة بين أمريكا وبيونغ يانج سوف تتدهور بسرعة كبيرة. هذا بالإضافة إلى أن أيا من الصين واليابان لا تشاركان بصورة فعالة في المصالحة النووية بين الكوريتين، وبالتالي فإن الوضع في كوريا الشمالية لازال أكثر خطورة مما توحي به بعض التقييمات المبدأية والتصورات الأكثر تفاؤلا.
وحسبما يرى بعض الخبراء، فإن الولايات المتحدة قد تنبأت بالحروب المستقبيلة منذ اندلاع الحرب الكورية على نحو خاطئ. فما الذي يجعل العالم يعتقد بأن رؤيتها ستصيب هذه المرة! عادة ما تميل القوى العظمى إلى تكريس كافة إمكاناتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية لما تعتبره وفقا لأجندتها الخاصة أخطر أنواع النزاعات على الإطلاق، هذا في الوقت الذي لا تولي فيه اهتماما كبيرا للنزاعات الأقل حجما والتي ربما تتحول إلى بؤرة صراع كبرى في أية لحظة على نحو غير متوقع أبدا.
قد ينشأ صراع مدمر في دول البلطيق أو أذربيجان أو كشمير أو حتى في فنزويلا ، لكن تسليط الضوء الأكبر لازال على الولايات المتحدة والصين وروسيا. بمعنى أنه إذا اندلعت الحرب العالمية الثالثة ، فقد تأتي من اتجاه غير متوقع تمامًا.
والتساؤل الآن، هل باتت الأوضاع في العالم أكثر خطورة مما كانت عليه قبل عام؟ قد تكون الإجابة لا، وذلك على الرغم من استمرار تدهور العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، فقد تتغير الخريطة الأساسية للصراع، وبخاصة في ظل تراجع الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية والنظام العالمي الذي نشأ بصحبتها، مما يعني أن المستقبل القريب قد يكون أكثر خطورة من الماضي القريب.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا
للإشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا