يحاول الاتحاد الاوروبي حاليا ان يلملم جراحه , ويعكف بكل جوارحه لامتصاص الصدمة الموجعة , ويصارع ذاته بجمعه لشظايا اطرافه الاتحادية المكسورة والمتبعثرة للحفاظ على ما تبقى من فكرة الاتحاد وقيمه , ولاعادة ترميم منطقة اليورو . حيث شهدت اوروبا في جميع انحائها الانتشارالفظيع لفيروس كورونا ما ادخلها بصدمة مهولة , لقد أصبحت أوروبا مركزا عالميا للوباء الامر الذي حتم على الاوروبيين المواجهة الجماعية لأشد أزمة تعصف بهم منذ الحرب العالمية الثانية .
حيث قد شهدنا عجزا أوروبيا غير منظور رغم الخطوات والقرارت والاجراءات الفورية والتي كانت جزئية وغير متكاملة نوعا ما رغم صلاحيتها كبرنامج شراء طوارئ وبائي جديد هدفه حماية سلامة منطقة اليورو ودعم الدول الاعضاء التي تحتاج الى زيادة مديونيتها لمواجهة الازمة .
لقد أوضحت لنا أزمة الفيروس التاجي ان الاتحاد الاوروبي ليس لديه بوضوح اي اختصاص في مجال الرعاية الصحية ذلك ان اختصاصه لم يتعد سوى الدعم لقطاع الصحة العامة ,وغير مجهز بالادوات اللازمة لضمان التنسيق الفعال لمثل هذه الطوارئ عبر الوطنية , ناهيك عن عدم الفعالية والقصور في النظام الحكومي الدولي نظرا لعدم وجود حكومة أوروبية بأدوات مناسبة وواقعية , فكانت النتيجة أن أوروبا غارقة .
حيث عجز الاتحاد الاوروبي أيضا من اعطاء استجابة فعالة ومنسقة لتهديد فيروس كورونا والرد أو الامتثال بالاحرى على التزام ميثاق الاتحاد الاوروبي في توفير مستوى عال من حماية صحة الانسان لجميع مواطني الاتحاد الاوروبي والاشخاص الذين يعيشون فيه , اضافة الى عدم وجود تضامن واضح بين الدول الاعضاء استنادا الى اعلان ” شومان ” في 9 أيار 1950 .
حيث لجأ الاتحاد الاوروبي بهذه الفترة العصيبة الى نهج العصف الذهني المكثف بالاكراه , في محاولة منه لاحتواء الامر والخروج باجراءات استراتيجية وقرارات نفعية , اذ يخوض غمار الاستشارات الريادية في السياسة والادارات لانقاذ ما تبقى من وحدته .
فمن الضروري جدا ضمان وحدة الاتحاد الاوروبي وسوقه الداخلية من خلال بلورة القرارات المتعلقة باعادة فرض قيود الحدود الداخلية بين دول الاتحاد ( الشنغن ) والتي لا ولم تساعد في وقف هذا الفيروس, حيث كان تفشي الجائحة اقليميا وليس وطنيا معرضة بنفس الوقت للخطر الاداء السلس للعديد من الخدمات الاكثر اهمية لهذه المرحلة مثل توفير الغذاء والرعاية الصحية , حيث يجب ضمان وحدة السوق الداخلية وكذلك حرية حركة الاشخاص والبضائع خاصة ذات الصلة في المناطق العابرة للحدود , ولهذا السبب بالتحديد يتم اتخاذ التدابير الضرورية والتناسبية للقيود المؤقتة لحركة الاشخاص والبضائع على الحدود الخارجية لمنطقة اليورو .
كما ويجب ان تمنع المفوضية الاوروبية ايضا صلاحية اصدار القواعد السارية عبر الاتحاد الاوروبي بشأن الاجراءات التي يتعين على الدول الاعضاء تطبيقها لمكافحة الفيروس , حيث قد أصبح هناك حاجة ملحة في تعيين اتحاد بحثي أوروبي للعمل معا كفريق متناغم للعثور على لقاح في أسرع وقت ممكن , خصوصا ان تمويل الاتحاد الاوروبي المخصص لمشاريع بحثية مختلفة يعد خطوة مرحب بها , ولكن هناك ايضا قيمة مضافة كبيرة في تطوير جهود الاتحاد الاوروبي المشتركة بدلا من الجهود الموازية .
باتت منطقة اليورو ملزمة في ان تعتمد على الفور لسلسلة من الاجراءات المالية الاستثنائية والمنسقة للتخفيف من الاثار الحالية وعواقبها على الاقتصاد الاوروبي ومن هذا المنطلق بالذات يعد برنامج شراء السندات الحكومية للبنك المركزي الاوروبي خطوة أساسية ولكنه لن يكون كافيا للحفاظ على تكاليف الاقتراض للدول الاعضاء والاكثر تأثرا ضمن مستويات مقبولة , هذا اذا كان هناك وقت لاي رد اوروبي قاطع لتجنب الركود الكبير .
لذلك يجب على منطقة اليورو حاليا وفي فترة قياسية ان تتقدم بسرعة لادخال سندات اوروبية حقيقية , والقيام بجمع رأس مال جديد ونظيف وبأسعار معقولة لتلبية حاجة الانفاق الفوري للاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء من اجل التعاقد على الازمة , بحيث يمكن ان يتخذ ذلك شكل سندات الانتعاش الاوروبية التي سيصدرها الاتحاد الاوروبي نفسه لتمويل خطة على مستوى الاتحاد الاوروبي لتعزيز الانتعاش الاقتصادي والتماسك الاجتماعي في المنظقة الاوروبي المشتركة أثناء الازمة وبعدها حتما .
ينبغي العمل على توسيع نطاق آلية الاستقرار الاوروبية لتمويل التعزيز الفوري للنظم الصحية الاوروبية والوطنية لمواجهة الازمة الصحية والبيئية والتي تهدد حياة المواطنين الاوروبيين وبالتالي الاستقرار الاقتصادي والمالي في الاتحاد الاوروبي لجميع الدول المشتركة ومن دون اي مشروطية .
فموافقة المجلس بشكل فوري على اطار مالي متعدد السنوات كاف ومشبع , يزيد في الميزانية الى ما لا يقل عن 1.3 % من الناتج المحلي الاجمالي للاتحاد بذات السياق الذي طلبه , بالاضافة الى اي موارد يتم جمعها من خلال سندات الانتعاش الاوروبية والسماح بمزيد من المرونة وخاصة للتحفيز من اجل اطلاق خطة انفاق اوروبية شاملة لمكافحة الازمة .
بجب تزويد المنطقة الاوروبية المشتركة وعلى المدى الطويل بالاستقلالية المالية على اساس الحق في زيادة موارده الخاصة وانفاقها مباشرة مثل ضريبة الكربون او الضريبة الرقمية , حيث ستسمح هذه القدرة المالية بتمويل ميزانية أوروبية مشتركة ومناسبة , وتوجهات أوروبية فعالة تبدأ بالسياسات البحثية والصناعية والبيئية والتي اثبتت انها اكثر ضرورة في سياق هذه الازمة , كما سيتمكن من اصدار سندات أوروبية حقيقية دون الحاجة الى ضمانات وطنية من الدول الاعضاء .
فمن الاهمية بمكان , ان يعهد الى الاتحاد الاوروبي بكفاءات حقيقية في مجال الصحة العامة والتي ينبغي ان تكون من الاختصاصات المشتركة بين الاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء فيه على سبيل الاولوية ,حيث يجب ان يبدأ الاتحاد الاوروبي في تحديد القواعد الاساسية لسياسة المنطقة في مجالات الصحة وربما حتي في كيفية تقديم الرعاية الصحية , ذلك لتزويد المفوضية بالسلطات لتنسيق الاستجابة بالاوبئة في المستقبل والى تطوير أليات قوية للاستجابة لحالات الطوارئ الصحية العامة وبالزام كل حكومة القيام بذلك .
ويكمن التحدي الكبير في امكانية تحويل اي مؤتمر محوري بشأن مستقبل أوروبا الى اتفاقية أوروبية كاملة لصياغة ميثاق دستوري جديد من اجل مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية .
علينا ان نعترف بواقعية في ان العالم بعد الجائحة لن يكون كما كان من قبل , حيث تحتاج اوروبا الى متابعة في تنمية السوق الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي والتي تجعل المجتمع أكثر مرونة باحترام موارده وبتقوية الصلة بين البيئة والنمو الاقتصادي وكذلك ايضا الاعتراف بالاهمية بمكان في ان يكون لها اقتصاد اكثر خضرة واستدامة ومرونة في أزمة مستقبلية من نفس الطبيعة .
فبدون التكامل المنهجي للعوامل البيئية لا يمكن ابدا تحقيق التنافسية الاقتصادية ولا العدالة الاجتماعية على المدى الطويل ,حيث يمر الاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء فيه باختبار حاسم ومصيري للفعالية والتضامن مما سيؤثر بعمق على تصور المواطنين لوجهة نظرهم عن الاتحاد للفترة المستقبلية القادمة .
تظهر لنا بوضوح هذه الازمة عن مدى حاجتنا المتعطشة جميعا وخاصة في اوروبا الى مجتمعات محلية قوية ومرنة , هناك عجز بعدم امكانية المواجهة للعديد من التحديات والازمات على المستوى المحلي أو الاقليمي او الوطني حتى ذلك بسبب فقداننا التام للمجتمعات الكاملة والحاضرة .
لكن تشكل أزمة الكورونا بالرغم من ثقلها فرصة حقيقية لمعالجة أوجه القصور في الاتحاد الاوروبي ,ويفترض هنا بوجوب الاستفادة وبشكل عاجل من الدروس المستفادة أثناء ادارة الركود بفترات سابقة خصوصا ( 2008-2018 ) , حينها دفع المواطن الثمن الباهظ ايضا لعدم وجود تضامن على المستوى الاوروبي , لذلك يجب ان يكون هناك تطوير وتعمق أكثر في الدراسات وخيال اوسع في الرد المقنع على الاجابات الاوروبية كنتيجة اولوية للازمة الراهنة المتمثلة بفيروس كورونا وخطورته وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي وتحسبا لازمات مستقبلية حول مستقبل الاتحاد الاوروبي ومدى فعاليته بامكانية تحوله الى اتحاد فيدرالي , هل هذا هو المجتمع المتضامن مع المصير المشترك ؟
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا