التحكم بالمناخ: سلاح الولايات المتحدة بعد ٢٠٢٥؟
التغيير المناخي: غضب الطبيعة أم سلاح اميركا السرّي؟
يرخي الاحتباس الحراري بثقله على مناحي الحياة في دول العالم قاطبة. وما بدأ كترف في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حين تشكلت طلائع الاحزاب الخضراء المحذرة من الخطر البيئي الداهم لكوكب الارض، بات البند الأول في أجندات العديد من المسؤولين الذين أضحوا أكثر وعيا وإدراكا للمخاطر الجسيمة التي تحيق بإقتصاديات دولهم جراء التغيير المناخي وأثره المدمر على مصادر الحياة البشرية وعلى الزراعة والبنى التحتية والهواء النظيف. وصار السؤال الأكثر إلحاحا في يومنا : “في أي عالم نحن نعيش؟”
سلاح فتاك بيد الطبيعة
تكمن خطورة الإحتباس الحراري في كونه سلاحا فتاكا بيد الطبيعة، لا يقتصر ضرره على منطقة معينة او إقليم محدد. فهو يصيب سكان غابات الأمازون بالقدر الذي يصيب أصحاب الياقات البيضاء في مدن الصناعات التكنولوجية المعقدة، ولا يفرق بين سكان الشواطىء أو البوادي أو قمم الجبال، ويفوق برعبه وحجمه التدميري وانتشاره أسلحة الدمار الشامل بأضعاف. وهذا التهديد الذي كان ينظر اليه كتهديد بعيد الامد أصبح خلال السنوات الأخيرة يستدعي تحركا عالميا فوريا، رغم إدارة بعض الدول الكبرى ظهرها له. فمن بين ال 17 سنة الأكثر سخونة مذ بدأ تدوين حرارة الأرض، فإن ست عشرة سنة منها حصلت بعد عام 2001، كما سجل شهر تموز الفائت رقما قياسيا في درجة الحر لم يعرف العالم لها مثيلا من قبل.
لقد إزدادت حرارة سطح الأرض 1،2 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية، ولتقريب الامر للقارىء، يجمع علماء المناخ على أن الحد الاقصى لزيادة حرارة الأرض، قبل حدوث التغيير المناخي الخطير المهدّد للحياة على كوكبنا هو درجتان فقط! وهذا ما يعني أن أمامنا عشرين عاما فقط قبل تجاوز العتبة، وعندها سننتقل إلى سلسلة من الكوارث الطبيعية المدمرة التي ستطلق شرارة الإضطرابات الإجتماعية والإقتصادية في أنحاء العالم كافة، حيث ستصبح مساحات واسعة منه غير مؤاتية للحياة، مع ما يرافق ذلك من هجرات ونزوح بشري كثيف، بحثا عن مناطق ملائمة للعيش فيها، تماما كما كان الحال عليه منذ ملايين السنين، حين هجر اجدادنا مهد الانسانية في إفريقيا متجهين نحو الشمال للعيش في آسيا وأوروبا.
النزوح البشري وتداعياته الخطيرة
إن من شأن هذا النزوح الجماعي الكثيف وغير المسبوق أن يخلق فوضى كونية، فتندلع حروب المياه والسدود في أكثر الأقاليم كثافة سكانية، ويعم الجفاف مناطق واسعة وتتراجع المحاصيل الزراعية بسرعة وتصبح غير كافية للسكان، ففي الصين وحدها نضب 28000 نهر خلال ربع القرن الاخير، وأجج ذوبان الثلوج في المناطق القطبية التنافس الدولي على المناطق الجديدة لإستكشاف مخزونات الطاقة والممرات الجديدة، واختفى العديد من الجزر الصغيرة في المحيطات.
أسوأ التوقعات المناخية الكارثية هي لمنطقة الشرق الاوسط التي ستشهد المزيد من تراجع كميات المتساقطات وموجات الحر اللاهب والعواصف الرملية العملاقة، من المغرب إلى وسط آسيا،وفق ما أكدته مجلة الايكونوميست العام الماضي، والتي توقعت أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة إلى ضعف المعدل العالمي. ووفق المقياس العالمي للرطوبة والحرارة فإن درجات الحرارة ستزداد حتى نهاية هذا القرن بشكل يجعل منطقة الخليج العربي غير قابلة للسكن. وكشفت الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الاميركية أن نهري دجلة والفرات خسرا من المياه العذبة خلال سنوات2003 – 2010 ما يوازي كمية المياه في البحر الميت بسبب حفر الآبار العشوائي لتعويض النقص في الأمطار.
المفارقة أن العملاقين الإقتصاديين العالميين هما المسؤولان عما يصيب الأرض من كوارث طبيعية. فالصين والولايات المتحدة الأميركية كلاهما مسؤول عن 40 % من الإنبعاثات التي تسرع في تغيير المناخ العالمي وتهدد طبقة الأوزون، ودورهما كبير في منع هذا التدهور البيئي ووقف الكارثة التي تتجه صوب الارض، والخطير في الأمر أنهما تتقاذفان المسؤولية وترفضان، حتى اليوم، تحمل المسؤولية ولا تبديان أي تعاون على الصعيد الدولي في معالجة هذه الأزمة، وتستمران في تلويث كوكبنا لمراكمة الأرباح وزيادة الإنتاج ونمو إقتصاديهما !
نتج عن التحولات المناخية ضغط هائل على الدول والمجتمعات في كافة انحاء العالم، وأنفقت الدول الغنية عشرات مليارات الدولارات للتكيف وإيجاد الحلول والحد من الخسائر، فالولايات المتحدة الأميركية، أنفقت، وحدها، 300 مليار دولار اميركي عام 2017 ككلفة للأحداث الطارئة المرتبطة بالطقس، في الوقت الذي تقف فيه الدول الفقيرة والفاشلة عاجزة غير مبادرة منتظرة حلول الكارثة المميتة.
سلاح أميركا السرّي
يرى بعض المؤمنين بنظرية المؤامرة أن المسؤول الأول عن التغيير المناخي الحاصل لجهة الجفاف في بعض المناطق والفيضانات والأعاصير في مناطق أخرى وتزايد النشاط الزلزالي للقشرة الارضية هو “برنامج الشفق النشط العالي التردد” المعروف اختصارا باسم HAARP وهو مشروع صمم بواسطة سلاح الجو وسلاح البحرية الأميركي بالتعاون مع عدد من المؤسسات التعليمية ( جامعة ولاية آلاسكا وداربا) ويهدف هذا المشروع ،وفق الرواية الرسمية الأميركية، إلى تحليل الغلاف الأيوني والبحث في إمكانية تطوير وتعزيز تكنولوجيا المجال الأيوني لأغراض الاتصالات اللاسلكية والمراقبة،وقد بدأ العمل فيه في شهر شباط عام 1992عن طريق شركة BAEAT للتكنولوجيات المتقدمة. ويعزّز هذه النظرية الإهتمام الشديد الذي يوليه الجيش الأميركي للطقس منذ أمد بعيد، وفي تقرير أعدّه سلاح الجو الأميركي يحدد بوضوح رغبة الجيش الأميركي بإستغلال الطقس والتحكم به وإستخدامه كسلاح حربي عام 2025 وقد ورد فيه” تغير الطقس والتحكم به هو قوة هائلة ستضاعف من قوتنا الحالية والتي يمكن إستغلالها بأقصى درجة في بيئة الحرب والقتال… في الخمسين عام القادمة سوف يكون التلاعب الجيوفيزيائي بالكوكب هو سلاح الحروب الأولى والاخيرة. لن يكون هناك رصاص أو قنابل، بل ستكون زلازل وأمواج وأمطار وتلاعب بالأنظمة المناخية. هذه ستكون مستقبل الحروب والصراعات”
معا للحفاظ على كوكب الأرض
بدأ الإهتمام العالمي بالمناخ منذ عام 1992 من خلال ” قمة الارض” التي أنتجت ” إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” والتي أعتبرت كخطوة أولى في التصدي لمشكلة تغير المناخ ، وانضمت الى عضويتها 197 دولة. وقد استتبعت هذه الإتفاقية ببروتوكول كيوتو لخفض الإنبعاثات عام 1997، وصولا الى إتفاق باريس عام 2015 لمكافحة تغير المناخ وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون. إن الهدف الرئيس لإتفاق باريس هو تعزيز الإستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على إرتفاع درجات الحرارة العالمية هذا القرن ايضا الى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود للحد من إرتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من 1،5 درجة مئوية.
في أيلول المقبل سوف يعقد الأمين العام للأمم المتحدة قمة المناخ لتوحيد قادة العالم من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل دعم العملية المتعددة الأطراف وزيادة وتسريع العمل والطموح المناخي تحضيرا لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ المقرر في عام 2020. ويبدو السباق محموما بين التدهور المناخي الآخذ بالإزدياد، والذي شهدنا بعضا من فصوله خلال هذا العام بشكل خاص، والمعالجات الدولية البطيئة والموغلة في البيروقراطية وعدم الإلتزام والجشع المفرط والإستماتة في الدفاع عن المصالح الإقتصادية الضيقة، في حين نقف عاجزين عن الدفاع عن حقنا بالحياة على كوكب يحتضر، سواء كان هذا الإحتضار ناجما عن نشاطاتنا المضرة بالطبيعة والتي لا تراعي التوازن الإيكولوجي الدقيق، أو عن مختبرات الموت في الدول العظمى !