الولايات المتحدة وإيران… على حافة الهاوية
تخص الكاتبة والمحللة الاستراتيجية هند الضاوي الملف الاستراتيجي بهذا المقال التحليلي الشامل – رئيس التحرير
يبدو أن التصعيد القائم بين الولايات المتحدة وإيران ستستمر انعكاساته لفترة طويلة، وربما تزداد سخونة تصل حد الانفجار خلال الأيام القريبة القادمة.
فمنذ أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة” الاتفاق النووي ٥+١” في الثامن من مايو/أيار ٢٠١٨، وهناك حالة غليان تشوب العالم شرقًا وغرباً، زادت حدتها بشكل لافت، بعد قرار ترامب فرض عقوبات أكثر حدة تمثلت في تصفير صادرات النفط الإيراني، وعرض اثنى عشر شرطًا أمريكيًا من خلال بومبيو؛ لإعادة التفاوض مرة أخرى، رفضتهم طهران في المجمل بشكل قاطع حتى الأن، فالأمريكي يبدو أنه مُصر على شروطة، رغم تصريحات دونالد ترامب المتناقضة دائمًا حول إيران، فتارة يرغب في جعل إيران عظيمة، وتارة أخرى يتوعدها بالجحيم.
ومن وجهة نظري أن دونالد ترامب لا يهتم بمشروع إيران النووي، ولأني اؤمن بنظرية المؤامرة، فلا اعتقد أن الرئيس الأمريكي أيًا كان لونه أو حزبه سيد قراره داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فتعلمنا في السياسة أن الفرق بين الدول النامية-بلادنا العربية- والمتقدمة”الغرب”، أن الأخيرة لديها أهداف معينة وضعتها المؤسسات التي لا تتغير بتغير الأفراد أو الرؤساء،لكن يمكن للرئيس تغيير خطة العمل وليس الهدف، بينما الدول العربية تعتمد على الفرد وأهدافه، التي تتغير بتغير الرؤساء كل ثلاثين عام كحد أدنى؛ لفترة حكم النظام عربي.
ومن ثم يمكن القول أن إيران تواجه موقف دولة عظمى، وليس دونالد ترامب كما يروج البعض، فدوافع واشنطن تجاه تحجيم دور إيران كثيرة، ربما أخرها الاتفاق النووي، ولكن التمدد الإقليمي الإيراني بات مقلقًا، خاصة بعد الحرب على سوريا، والخبرة الميدانية التي اكتسبتها ايران وجماعاتها المسلحة على أرض الواقع، بالقرب من الكيان الإسرائيلي، بالإضافة لما يحدث في اليمن وقدرات الحوثي الباليستية، التي باتت مقلقة لأمن الخليج، مما جعل مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقطب ظل محتفظًا بعظمته لعقود على المحك، بل وصل الأمر لفقدان ثقة الحلفاء به، وتعزيز العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية مع الروسي، الذي بات أكثر رشاقة داخل المنطقة، واستطاع أن يسلب من واشنطن حليفها الأهم تركيا، ولو بشكل مؤقت .
فالولايات المتحدة لن تتراجع عن شروطها الرئيسية، ومنها تحجيم قدرة إيران الصاروخية، انسحاب إيران وقواتها من سوريا تحديدًا وإغلاق نافذة اليمن الباليستية، بينما يمكن تغاضي واشنطن عن حزب الله في لبنان، والحشد في العراق مؤقتًا، حال قبلت طهران بالانسحاب من سوريا والتسوية في اليمن، وهنا أشير لتصريح مفاجئ للسيد حسن نصر الله أثناء حواره الأخير” حيث أشار دون داعي لسحب الحزب لأغلب قواته من سورية” في رسالة واضحة لها عدة معاني، حين تُقرأ في إطار التصعيد الأخير .
ترامب رغم نفيه مرارًا، فهو يرغب فعليًا في تغيير النظام الإيراني حال فشل في ترويضه، ولكن ليس على طريقة أفغانستان والعراق المرتفعة التكاليف، فالرئيس التجاري ينظر على الأرقام قبل النتائج، ويريد أن يظهر في شكل صاحب الوعد الصادق أمام شعبه على الأقل، وقد وعد ناخبيه سابقًا بعدم الدخول في حرب جديدة، بل وسحب الجنود الأمريكيين من الشرق الأوسط، وبالتالي لم يجد أسلم من طريقة فرض العقوبات على النظام الإيراني، وفق سياسة الضغط الأقصى، أملاً في أن يسقط النظام بطريقة ربيع الفوضى الذي بدأ في تونس ٢٠١٠، ولم يتوقف حتى الأن في الإقليم.
إيران تدرك جيدًا نوايا الولايات المتحدة، وبالتالي لم تقف مكتوفة الأيدي، حتى تسقط من الداخل، بسبب تدهور الاقتصاد، فبدأت بحرب النقلات سواء في الفجيرة أو السعودية، إلى أن وصل الأمر لاحتجاز السفن اليابانية والبريطانية، في تدرج مدروس كما يبدو، بل وصل الأمر لأبعد من ذلك، فقد أعلن قائد الحرس الثوري بعد إعادة العمل في مفاعل اراك للمياه الثقيلة، وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لأعلى من ٣.٦٧، أن إيران ستتحول من استراتيجية الدفاع إلى الهجوم، ما يعني أن الأمر لن يقف في هرمز .
في ظل المشهد المعقد، هناك موقف أوروبي منقسم على ذاته، فألمانيا وفرنسا يتمسكان بالاتفاق النووي ويحملا ترامب مسئولية تدهور الأوضاع، وقد فشلوا في تفعيل نظام سويفت الاقتصادي، الذي كان سيعوض ايران اقتصاديا، مما يعني أن مساحة مخالفة الغرب لأمريكا لها خطوط حمراء يصعب تجاوزها، حتى في إطار التحالف الصاعد بين فرنسا وألمانيا، بينما اصطفت بريطانيا حتى من قبل جونسون مع الولايات المتحدة، وهذا مقلق للغاية، كون بريطانيا كانت رادعًا فعالًا لأمريكا عن فكرة الحرب على إيران لمرتين، أولاً في حرب الأعوام الثمانية، وثانيا بعد تفجير برج التجارة العالمي، وبالتالي تغير موقف لندن يشي بمعاني خطيرة، قد تحدث إذ ضمن ترامب ولاية ثانية، واستمرت إيران على حافة الهاوية.
وعن روسيا فهي حليف استراتيجي لإيران رغم اختلاف مصالحهم في سورية، وهذا يرتبط بقواعد اللعب بين الدول الإقليمية والعظمى، القاعدة السياسية التي تتغافلها طهران عمدًا احيانًا، وتزعج موسكو، فضلًا عن أن التجربة في سوريا تقول، أن من المستحيلات أن تدخل الدول الكبرى في حرب مباشرة من أجل دولة إقليمية، وعن الصين فرغم حربها التجارية مع الولايات المتحدة، والتصعيد الجاري إلا أنها التزمت بعقوبات واشنطن على طهران، بينما يترقب الخليج الوضع بقلق لخوفه من تكرار تجربة أسوأ من اليمن، ولعدم ثقته في الولايات المتحدة ترامب، تحديدًا بعد خذلانه بل توريطه دون مساعدة تذكر، والاكتفاء بعقد صفقات السلاح.
المواقف الدولية والعربية السابق ذكرها توضح أن دعم ايران سواء من الحلفاء أو الشركاء قابلة للتغيير، حال صعدت إيران من مستوى ردودها على الولايات المتحدة، فحال قررت إيران زيادة معدل تخصيب اليورانيوم بمعدلات عالية، تسمح بإنتاج السلاح النووي، فلن يستطع ماكرون أو ميركل أو بوتين حتى الدفاع عن إيران، بل لن يكون أمام الاتحاد الأوروبي تحديدًا ومعه بالطبعة بريطانيا إلا الأصطفاف مع دونالد ترامب داخل الكتلة الغربية، وسيكون لإسرائيل ورجالاتها في الولايات المتحدة دورًا كبيرًا في تحشيد المواقف الداعمة لاستراتيجية ترامب، والجدير بالذكر أن إسرائيل تلتزم الصمت منذ اشتعال الأوضاع في هرمز، لانشغالها بإعادة الانتخابات الداخلية، واهتزاز موقف نتانياهو، بالإضافة إلى تحييد نفسها حتى لا تتحمل ارهاصات التصعيد الحالي، ولكن في موقف لافت جدًا أعلن نتانياهو منذ أسبوعين نجاح الموساد في القيام بعملية جلبت من طهران الإرشيف السري للمشروع النووي الإيراني، بعلم ترامب!!!، وأكد على سعي إيران لعسكرة برنامجها النووي بعد توقيع الاتفاق النووي ٢٠١٥، مما يعكس سعي ترامب/ نتانياهو لتحضير مبررات موثقة تحشد الدعم، حال قررا الحرب الشاملة.
مما سبق يبدو أن الوضع معقدًا للغاية، وبالتالي تعمل إيران على تحقيق هدفين في الوقت الراهن، زيادة التهديد لمصالح واشنطن والضامنين للاتفاق، مما يضطر دونالد ترامب لعقد اتفاق معها قبل الانتخابات الأمريكية، و في هذا المسار لا استبعد أن تتنازل إيران عن بعض نقاط قوتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط؛ للحفاظ على سلامة النظام من شطحات ترامب، حال ضمن ولاية أخرى، ولنا في شوكران خامنئي سابقًا عبرة.
الهدف الثاني والأفضل لإيران يتمثل في تشويه صورة دونالد ترامب عالميًا، وإظهاره بصورة رجل امريكا الضعيف، الذي يتلقى الصفعات الإيرانية يومًا بعد يوم، وكان أخرها اسقاط الطائرة الأمريكية دون رد يحفظ ماء الوجه ، أملاً أن يضعف ذلك فرص ترامب في الانتخابات المقررة بداية العام القادم، وبالتالي يأتي بديل ديمقراطي يعيد اتفاق اوباما لسابق مجده، وهذا مستبعد حتى الأن؛ لتعزز فرص الرئيس الأبيض.