الاحدثدولي

رصاصة ترامب قتلت طموحات بايدن | بقلم د. عوض سليمية

 

 بعد يومين من محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب وسط تجمع انتخابي لمؤيديه في مدينة بتلر غرب ولاية بنسلفانيا. انطلقت اعمال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري يوم الاثنين الموافق 15 يونيو/تموز في ميلووكي، وكان الحدث الابرز في المؤتمر تثبيت اسم المرشح ترامب على البطاقة الانتخابية للحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الامريكية القادمة يوم 5 نوفمبر 2024، بالتوازي مع اختيار سيناتور أوهايو جي دي فانس ذو الــ 39 عاماً مرشحا كنائب للرئيس المحتمل، بإعتباره داعم كبير لاجندة ترامب الشعبوية والمرشح القوي لحمل الارث الايديولوجي لترامب، الى جانب فوزه بمنصب عضو الكونجرس عن ولاية متأرجحة هامة من الوارد ان تحسم قرارها الانتخابي لصالح مواطنها فانس.

محاولة الاغتيال الفاشلة للمرشح ترامب تجسيداً لقمة الهرم واعلى درجات العنف السياسي، وقدمت النموذج القبيح لحالة الاستقطاب الحاد الذي يسود المشهد السياسي الامريكي بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديموقراطي منذ عهد الرئيس اوباما، وارتفعت حدتها مع السباق الرئاسي عام 2020 بين الرئيس الحالي والرئيس السابق ترامب. واستمرت الفجوة على مدار السنوات الاربع الماضية بالاتساع، ومهدت المناظرة التلفزيونية الاولى التي قدمتها محطة الــ CNN بين المتنافسين شكلها الحالي، واظهرت ارتفاعا يكاد ان يكون مضاعفاً في شعبية ترامب على حساب الرئيس بايدن، ومع اصدار المحكمة العليا الامريكية قرارا بمنح ترامب حصانه عن الاعمال التي قام بها خلال فترة ولايته، وفرت هذه الظروف لترامب جرعة زائدة للشعور بالتفوق، على حساب انطلاقة متعثرة لمنافسه بايدن، وسط ركام من الفوضى في ملفات السياسة الداخلية والخارجية لادارته.

مشهد ترامب وهو يلوح بقبضته مع الدم النازف تحولت الى صورة أسطورية على الفور تناقلها المؤيدون، وحركت مشاعر التعاطف الانساني معه، فالرصاصة التي كادت ان تضع حدا لمسيرته السياسية المثيرة للجدل، وضعت مزيدا من النقاط على الحروف وارسلت اشارات تحذيرية للمجتمع الامريكي برمته. في الوقت نفسه، اضافت مزيداً من التحديات الجديدة امام قادة الحزب الديموقراطي، جملة هذه الرسائل وصلت سريعاً الى بريد الديموقراطيين الذين يعانون من حالة انقسام ونقاش صاخب حول المواقف بشأن استمرار مرشحهم بايدن في سباق الرئاسة، وفشل واضح في اقناع القاعدة الشعبية خاصة في الولايات المتأرجحة ووادي السيليكون التي اصبحت تميل لصالح ترامب، حيث الجيوب العميقة من المتبرعين لصالح الحزب الديموقراطي، الى جانب تحذيرات صادرة عن الممولين التاريخيين للحملات الانتخابية للحزب الديموقراطي.

رصاصة كروكس التي اخطأت هدفها المقصود، قدمت لترامب هدية مجانية عظيمة كان يبحث عنها منذ سنوات. من ناحية، تحت العلم الامريكي والدماء النازفة وقف ترامب كزعيم قوي ولوح بقبضته المعهودة، وحاز على لقطة “زعيم الامة الامريكية”، على خط النار الامامي الساعي لاعادة عظمة امريكا وقوتها. من ناحية اخرى، يظهر مشهد محاولة الاغتيال للناخبين المترددين ان ما يتعرض له ترامب من ملاحقات قضائية وإتهامات وإدانات من قبل القضاء الامريكي منذ سنوات، لا يتعدى كونه من صناعة الدولة العميقة واعدائه من الديموقراطيين الحريصون على استمرار الحرب في اوكرانيا، لازاحته عن المشهد السياسي وهذا ما كان يردده ترامب بشكل مستمر. بينما يقابله الديموقراطيون بالتكذيب ويتهمونه بنشر خطاب العنف والكراهية في المجتمع الامريكي.

ترامب القادم من عالم الصفقات والطامح للعودة مرة اخرى الى البيت الابيض، يعارض جميع سياسات الرئيس الحالي بايدن، من بين امور اخرى، رعاية امريكا للحرب الروسية الاوكرانية، في هذا السياق، يرى ترامب ان كييف لا تستحق الدعم الامريكي وتدفقات السلاح واموال دافعي الضرائب، وان بمقدوره انهاء هذه الحرب فور دخوله البيت الابيض بمكالمة واحدة مع الرئيس بوتين، بالمقابل، يؤمن ترامب ان بلاده اشبه بشركة تأمين على الحياة للانظمة والدول عبر العالم، وان على الدول الراغبة في الحصول على الحماية الامريكية ان تدفع المال مقابل خدمات الحماية، وكان احدث تصريح له موجه الى تايوان لحمايتها من الصين.

العنف السياسي ليس جديدا على المشهد الامريكي ويمكن اعتباره جيناً وراثياً سائداً، فهي الامبراطورية التي قامت على جماجم وعظام الهنود الحمر سكان واصحاب الارض الاصليين، والاغتيالات السياسة ايضاً ليست مشهدا استثنائيا فقد تعرض عدد كبير من الرؤساء الامريكيين لمحاولات اغتيال، سجل بعضها نجاحاً كما في حالة الرئيس الخامس والثلاثين جون كينيدي والعديد منها اخطأت اهدافها كما حصل مع جورج دبليو بوش، اوباما، بيل كلينتن… لكن ما يميز هذه المحاولة عن غيرها هو حدة الاستقطاب السياسي القائم وحالة الانقسام الكبيرة السائد في المجتمع الامريكي بين جنون الشعبويين وغطرسة الليبراليين، خاصة بعد التصريحات الصادرة – تراجع عنها بعد محاولة الاغتيال، عن اعلى مستوى في الحزب الديموقراطي وهو الرئيس الحالي بايدن والذي وصف فيه منافسه ترامب بأنه “يشكل تهديدا وجوديا”، هذا المشهد يُقرب المسافة بشكل متسارع ويدفع نحو حرب اهلية يبدو انها تلوح في الافق وباتت اقرب من أي وقت مضى.

التحذيرات من وقوع حرب اهلية وشيكة وتقسيم امريكا الى امريكيتين “جمهورية وديموقراطية” على الرغم من تعمد قادة الطرفين عدم اثارة هذه القضية واصرارهم على انها مظاهر فردية – أطلقت الشرطة الأمريكية النار على شخص آخر مسلح وأردته قتيلا بالقرب من مبنى انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في مدينة ميلووكي، يمكن رصدها في اجابة ترامب خلال المناظرة على قناة الــCNN عندما وجه له المضيف سؤالا حول اعلان اعترافه بنتائج الانتخابات القادمة في حال فوز الرئيس بايدن، ليجيب ترامب، نعم ولكن “في حال كانت الانتخابات نزيهة وشفافة”. هذه الاجابة الغامضة ترسل اشارات الى جميع الاطراف وخاصة القاعدة الشعبية لترامب والتي تزيد عن ثمانين مليون مؤيد، انه في حال عدم فوزه فإن الانتخابات تعتبر مزورة تلقائياً.

مع الاخذ بعين الاعتبار ان معظم استطلاعات الرأي تُظهر تقدم ملحوظ للمرشح ترامب على منافسه الرئيس الحالي بايدن – اخر استطلاع للرأي اظهرت النتائج تقدم ترامب بنسبة 43% مقابل 41% لبايدن. مع مزيد من الحجج المتوافرة، لم يبقى امام الديموقراطيين هامش كبير للمناورة باستثناء تسليم مفاتيح البيت الابيض لترامب، وتوظيف جهودهم للتركيز على الاحتفاظ بمقاعدهم في الكونجرس القادم، وبغير ذلك فإن اية نتائج معاكسة لقناعات ترامب المؤكدة بالفوز سوف تكون نقطة الانعطاف التاريخية نحو تفكك الولايات المتحدة بشكلها الحالي.

د. عوض سـليميـة

حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية في تاثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من جامعة university utara Malaysia. زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة في السياسة الخارجية الأمريكية. مدير برنامج السياسة الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى