قرار ذو حدين: هل اعترفت الولايات المتحدة فعلاً بمذبحة الأرمن؟
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يبدو أن تركيا قد أصبحت محط أنظار السياسة الخارجية الأمريكية خلال هذه الفترة، وذلك إبان العملية العسكرية التي تقودها الأولى في شمال سوريا “نبع السلام” ففي وقت سابق من يوم الثلاثاء، أصدر مجلس النواب الأمريكي القرار H-RES 296 الذي يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن ويقر بأن تركيا هي المسئول الأول عن تلك الجريمة الإنسانية.
وقد صدق مجلس النواب بأغلبيته من الديمقراطيين على القرار تزامنا مع القرار الأمريكي الذي يقضي بفرض العقوبات على تركيا، ولعل في ذلك دلالة واضحة على أن تركيا باتت الهدف التالي- بعد إيران- للتكتيكات الأمريكية.
ومن جانبها، أدانت تركيا القرار على الفور، بل واعتبرته عملا انتقاميا للرد على عملياتها العسكرية ضد المسلحين الأكراد.
ويمكن اعتبار هذا القرار بمثابة انتصارا طال انتظاره من قبل جماعات الضغط الأرمينية أو اللوبي الأرمني، ولكن اللحظة الحاسمة لم تأتِ بعد، فلكي يتم الاعتراف رسميا بارتكاب تركيا لمذبحة الأرمن، لابد من تصديق كل من مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين على القرار، وذلك تمهيدا لرفعه إلى الرئيس الأمريكي من أجل التوقيع النهائي، ولكن مجلس الشيوخ لم يناقش الأمر بعد.
ومع ذلك، لا يزال ذلك النصر بمثابة انتصار للمغتربين الأرمن ، وخاصة أولئك الذين يقيمون في الولايات المتحدة. من وليام سارويان إلى كيرك كريكوريان الذين ناضلوا من أجل الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن ، حيث يمكن القول بأنه قد تم تحقيق رغبتهم جزئيًا.
والجدير بالذكر أن الحكومة التركية وبعض جماعات الضغط الأخرى قد مارسوا نوع من الضغوط على الكونجرس الأمريكي خلال السنوات السابقة كي لا يتم تمرير القرار المعترف بالإبادة الجماعية للأرمن. ولكن فيما يبدو أن المشهد قد تغير تماما وانقلبت المواقف وتضاربت وجهات النظر، ولعل التحولات الجوهرية التي تشهدها السياسية الخارجية الأمريكية هي الدافع راء ذلك.
ويرى بعض المحللين أن الديمقراطيين الذين يشكلون أغلبية في الكونجرس الأمريكي قد صوتوا على القرار بهدف الضغط على الرئيس الجمهوري، والذي نجح في إنشاء علاقات وطيدة مع تركيا باعتبارها شريكا للولايات المتحدة في حلف الناتو، لذا فقد أردوا اختبار موقفه والتعرف على رد فعله إزاء القضية. ويمكن القول بأن السياسة الداخلية للولايات المتحدة قد أعاقت العلاقة الثنائية بين تركيا وواشنطن نسبيا، الأمر الذي لم يلقى استحسانا من قبل كل من ترامب وأردوغان.
وقد حظي المسلحين الأكراد في الماضي بالدعم الأمريكي، وها هو الكونجرس اليوم يصدر قرارا بفرض عقوبات على تركيا نظير هجومها على المسلحين الأكراد، مما يعني أن المعركة الحالية بين الرئيس الأمريكي والكونجرس يمكن قراءتها في ضوء التصديق على القرار الأخير.
على أية حال لقد تم تمرير القرار سواء كان لأغراض سياسية أم لا، فالحقيقة أن الديمقراطيين لا يريديون خسارة الأصوات المؤيدة لهم من المواطنين الأمريكيين الأرمن، وبخاصة أن نتائج الانتخابات الأخيرة لصالح الجمهوريين كانت بمثابة خسارة فادحة بالنسبة لنظرائهم من الديمقراطيين.
يذكر أن تركيا لازالت تصر على موقفها الذي دافعت عنه عبر عقود طويلة، بأن القتلى من الأرمن يقدرون بمئات الآلاف وليس بالملايين، كما أنهم-وفقا للرؤية التركية- قد لقوا حتفهم في أحداث الحرب الدموية شأنهم في ذلك شأن الجنود العثمانيين. ولكن على الصعيد الأكاديمي، لازال سائدا بأن مذبحة الأرمن كان أمرا متعمدا بهدف تخليص الدولة التركية من المواطنين الأرمن من الأساس.
وختاما فإنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وهي إحدى الدول الرائدة في المجتمع الدولي، الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وفقا لقيمها الديمقراطية والإنسانية.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا