على الرغم من استضافته لقادة دول جنوب شرق آسيا “الثمانية” من اصل “عشرة” اعضاء في نادي “دول الاسيان” على مدار يومين 19-20 مايو/أيار الحالي في البيت الابيض، الا ان الادارة الامريكية سارعت بالاعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس جو بايدن يوم الثلاثاء 24 مايو/أيار الى طوكيو للقاء قادة كل من استراليا، الهند، كوريا الجنوبية واليابان الدولة المستضيفه، بهدف إعادة التاكيد على ما تسميه الادارة الامريكية استمرار التنسيق والدعم، الى جانب اظهار وقوف الولايات المتحدة الى جانب حلفائها في منطقة جنوب شرق آسيا لمواجهة كل من الصين وكوريا الشمالية.
تأتي زيارة الرئيس بايدن على وقع اعلان الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون المدجج بالاسلحة النووية، استعداد بلاده لإجراء تجربة نووية جديدة خلال فترة الزيارة، على غرار ما قام به خلال زيارتين سابقيتين للرئيس الامريكي الاسبق باراك اوباما في العامين 2014 و2016، في اشارة واضحة مفادها ان بيونج يانج لا ترحب بوجود بايدن، كما لا تقيم وزناً لحلفاء واشنطن في المنطقة، وانها مستمرة في تجاربها بمختلف انواع الاسلحة بما فيها الفرط صوتية بل وبوتيرة متزايدة – بالرغم من جائحة كورونا المنتشرة في البلاد، وان يدها على الزناد النووي عندما يتعلق الامر بأمنها القومي وأمن حلفائها في كل من الصين وروسيا.
بينما تنظر الصين الى دلالات هذه الزيارة بعين الريبة، أعلن مكتب إدارة السلامة البحرية في جزيرة هاينان الصينية اطلاق مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي بالتزامن مع هذه الزيارة، في رسالة واضحة للرئيس الامريكي مفادها، ان الْيَدُ الطُّولَى على ممرات بحر الصين الجنوبي بما يتماشى والقانون الدولي ستكون دائماً للقوات المسلحة الصينية، وأن حرية الملاحة لن تكون بالاعلان عن مزيد من انشاء الاحلاف والتكتلات العسكرية في المنطقة، وتستقبل بايدن برسالة مفادها أن جزيرة تايوان جزء لا يتجزأ من البر الصيني وأن أية اجراءات تساعد في اعلان استقلالها من جانب واشنطن سيكون بمثابة اللعب بالنار وان بكين سترد عسكرياً مهما كلف الامر.
بينما اخفقت واشنطن حتى الان في انتزاع موقف رسمي من نيودلهي يدين ما تسميه أمريكا والناتو “بالغزو الروسي لاوكرانيا”، كما فشلت دبلوماسيتها في اقناعها بالتصويت ضد روسيا في مجلس حقوق الانسان بتاريخ 7 ابريل نيسان الماضي، واصلت الهند تحديها للقرارات الامريكية والغربية في منع استيراد مصادر الطاقة (الغاز، النفط والفحم) بهدف إخضاع روسيا، الامر الذي اثار غضب البيت الابيض ووصفها بــ “دولة مترددة” واعرب متحدثوه عن خيبة امل كبيرة من موقفها. بناءً على هذه المعطيات، فإنه من المتوقع ان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي سيواصل العمل بدبلوماسيته الخاصة بعيداً عن الضغط الامريكي، ولن يقدم مصالح واشنطن على مصالح بلاده بالانخراط في أي نشاط معادي للصين لعدم تعكير صفو العلاقات مع موسكو المصدر الرئيسي لتسليح نيودلهي.
على الجانب الاخر، يعتقد الرئيس بايدن أنه سيجد ضالته في رئيس كوريا الجنوبية المستجد يون سوك يول – تم تنصيبه قبل11 يومًا فقط. يول الذي قاد حملة تدعو لاقامة تحالف أعمق مع واشنطن، تؤخذ فيه مصالح امريكا كمحور اساسي في السياسة الخارجية لسيول، واعداً بتكثيف مساهمات بلاده في الانشطة التي سترعاها واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادي، ومعلناً رفضه لسياسات سلفه لي جاي ميونغ المرتعشة في التعامل مع كل من الصين وكوريا الشمالية، ومتعهداً بانه “سيلقن رئيس جارته الشمالية درساً في التهذيب اذا سنحت له الفرصة”، فإن مثل هذه المواقف والتصريحات العدائية من رئيس مندفع تلقى إنسجاماً مع أهداف الرئيس بايدن من هذه الرحلة، ومحورها زعزعة الامن والاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا والدفع بحلفائه لمواجهة خصومه ضمن استراتيجية الحرب بالوكالة التي تنتهجها واشنطن في حربها مع روسيا في اوكرانيا (سياسة الدفع بالحلفاء لمواجهة الاعداء المفترضين).
من جانبها، تطمح الادارة الامريكية والتي تصنف اليابان حليف استراتيجي للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي أن ينجح الرئيس بايدن خلال هذه الزيارة في إذابة الجليد بين حليفتيه سيول وطوكيو، والتي يشوبها توتر بين الحين والآخر بالنظر الى الحقبة الاستعمارية اليابانبة لشبه الجزيرة الكورية بين عامي 1910-1945، والتي ما زالت تشكل حاجز نفسي يمنع تقارب الدولتين بالرغم من توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات بينهما عام 1965. وبالنظر الى ما يروج له بايدن عن الخطر القادم من الصين وكوريا الشمالية، فقد ينجح في دفع البلدين فعلاً الى بداية علاقة جديدة قادرة على تجاوز الماضي – خدمة للاستراتيجية الامريكية الكبرى في منطقة جنوب شرق آسيا، والتي ستلقي بهم على ما يبدو نحو مستقبل مجهول ينتظرهما في حال استمر يول الجنوبي بتصريحاته المعادية للرئيس الشمالي اون، في نسخه مستهلكة لمواقف زيلينسكي الاوكراني تجاه قيصر روسيا الاتحادية.
تأتي زيارة الرئيس بايدن الى دول جنوب شرق آسيا، على وقع مشاهد إستسلام حلفائه من النازيين الاوكرانيين المختفين في انفاق مصنع ازوفستال في مدينة ماريوبول والتي شاهدها ملايين البشر، وعلى وقع استمرار تحرير الجيش الروسي للمدن والتجمعات السكانية في المناطق الشرقية لاقليم الدونباس، بالتزامن مع احراز العمليات العسكرية الروسية مزيداً من التقدم في المناطق الجنوبية الغربية لنهر دنيبر، وصولاً الى مشارف اوديسا على البحر الاسود آخر معاقل النازيين من كتائب الآزوف والآيدار، ومع إنتشار معلومات مفادها ان المقاطعات الاوكرانية التي تم تحريرها ستقوم قريباً باجراء استفتاءآت للانضمام الى الاتحاد الروسي، بدأ فريق بايدن يستشعر بالخطر الجسيم، والتشكيك في مدى نجاعة خططهم الاستراتيجية لهزيمة روسيا ومدى قدرتهم على ردع الدب الروسي، وعلى وقع العقيدة العسكرية الروسية التي تقول “ما يحرره الجيش الاحمر فهو للجيش الاحمر”. يحاول بايدن اشعال فتيل حرب جديدة في بحر الصين الجنوبي والدفع بحلفائه المبتدئين في السياسة داخل فم التنين الصيني، وحال الامبريالية الامريكية يقول “إما امريكا على رأس العالم والا فليحترق الجميع”.