في العام 2015، أصدر الملياردير الأميركي والمؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت العملاقة، بيل غايتس، مقطعَ فيديو توقّع فيه الكثير من صراع اليوم ضد كوفيد-19 والمُعاناة التي يواجهها العالم بسببه. قال غايتس في حوارٍ لجمهور المنظمة الإعلامية الأميركية “تيد كونفيرنسس” (TED Conferences): “إذا كان هناك أيُّ شيء يستطيع قتل أكثر من 10 ملايين شخص في العقود القليلة المقبلة، فمن المتوقّع أن يكون فيروسًا شديد العدوى، وليس حربًا”. بعد أربع سنوات فقط، بدأت الجائحة، التي قتلت حتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص.
لم يكن غايتس الشخص الوحيد الذي تبنّى هذا الرأي قبل أن يبدأ هذا الوباء، لكن أولئك الذين شاركوه بُعدَ نظره، بمَن فيهم الرئيس السابق باراك أوباما، لم يحظوا بالاهتمام الذي يستحقّونه. من الآن فصاعدًا، من الواضح أنه ينبغي الاستماع إليهم أكثر.
في الأسبوع الفائت، أطلق غايتس تحذيرًا آخر: يُمكن أن يستخدمَ الإرهابيون الفيروسات كسلاح ويُسبّبوا الوباء المقبل، والعالم لن يكون مُستعدًّا لذلك.
لذا، يدعو غايتس الآن إلى إنشاءِ فريق عمل جديد لمُكافحة الأوبئة تابعٍ لمنظمة الصحة العالمية، بموازنة مليار دولار على الأقل، لتشغيل ما أسماه “ألعاب الجراثيم”: تمارين وتدريبات لصقل الاستجابة لوباءٍ جديد، سواء كان سببًا طبيعيًا أو إصطناعيًا يُسبّبه “إرهابيون بيولوجيون”، مثل كيف تستعد الجيوش للقتال من خلال إجراء ما يُدعى ب”ألعاب الحرب”. أعطى غايتس مثالًا على سيناريو حيث ينشر الإرهابيون فيروس الجُدَريّ في 10 مطارات.
إن مستوى الاستثمار الذي يريده غايتس له ما يُبرّره، وهو ما يُمثّل قطرة مجازية في المحيط مُقارنةً بالضرّر الذي يمكن أن يُسبّبه أيّ وباء. تُشير التقديرات إلى أن كوفيد-19 تسبّب في تقلّص الاقتصاد العالمي بنسبة 4.4 في المئة في العام 2020. وأظهرت دراسة جديدة أن إجمالي 28 مليون سنة من متوسط العمر المُتوقَّع قد أخذها الفيروس في العام الفائت في 31 دولة. وعن مدى وصول الفيروس، فقد أبلغت 12 دولة فقط عن عدم وجود حالات كوفيد-19 فيها منذ بداية الوباء – معظمها جزر صغيرة منعزلة في وسط المحيطات الكبيرة.
حتى أكثر التكتيكات الإرهابية “التقليدية” الكلاسيكية شراسةً لم يكن من الممكن أن تقترب من إلحاق مثل هذا الضرر وهذا التأثير الواسع النطاق.
على مستوى أمني أوسع، حتى لو لم يكن الوباء التالي ناتجًا بشكل مباشر عن سلاحٍ بيولوجي، فإن المزيد من عمليات الإغلاق والوقت الذي يقضيه العالم على الإنترنت والمصاعب الاقتصادية من شأنها أن تخلق الظروف التي تدفع ببعض الناس إلى إيديولوجيات إرهابية. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها الشبكة العالمية للتطرّف والتكنولوجيا في أيلول (سبتمبر) الفائت أن جائحة كورونا اليوم أدّت إلى ارتفاعٍ كبيرٍ بشكل خاص في عدد الأشخاص الذين يبحثون عن موادٍ يمينية مُتَطرّفة ونشرها.
كان الجزء المركزي من دعوة غايتس هو أنه يمكن التخفيف من تهديد الإرهاب البيولوجي إلى حدٍّ كبير بالطريقة نفسها التي يمكن أن يكون بها الوباء الطبيعي: من طريق تقليل مخاطر الأمراض العالمية مثل الأنفلونزا ونزلات البرد، جعل تكنولوجيا اللقاح أكثر تنوّعًا ويمكن الوصول إليها، بالإضافة إلى التعلّم من البلدان التي حقّقت أفضل أداء خلال العام ونصف العام الماضيين. والأهم من ذلك كله، يحتاج العالم إلى تعزيز الاستعداد العالمي لوقف ظهور وانتشار الأوبئة في المستقبل.
وكما يُوضّح ويؤكّد وباء كوفيد-19، من السهل جدًا على البشر أن يفشلوا في الاستعداد للتهديدات، حتى المتوقَّعة منها، والتي قد تكون كارثية. قبل ستة أعوام، أطلق غايتس تحذيرًا عبر شريط فيديو. بعد ست سنوات من الآن، نتمنّى أن لا يُعيد العالم الخطأ نفسه برفض الإستماع إلى تحذير غايتس الجديد الذي أطلقه في الأسبوع الفائت.
مصدر المقال: اضغط هنا