دعت الولايات المتحدة إلى إصلاح مجلس الأمن منذ عقود، ودعمت جهود الحلفاء المقرّبين، مثل ألمانيا واليابان، للحصول على مقاعد دائمة في المجلس. في الواقع، أعرب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا عن دعمه لاقتراح الرئيس جو بايدن الأخير بإصلاح المجلس وزيادة عدد المقاعد فيه. لكن السبب المباشر لدعوة بايدن كان غزو روسيا لأوكرانيا، وعلى وجه الخصوص حق النقض غير المفاجئ من موسكو على القرارات التي تُدين الغزو. وبالفعل، فإن عدم قدرة مجلس الأمن على اتخاذ إجراءٍ بشأن الحرب لإدانة روسيا ومساعدة أوكرانيا، دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تحدّي المجلس في نيسان (إبريل) طالبًا منه “حلّ نفسه تمامًا”.
حتى لو اتفق جميع أعضاء الأمم المتحدة على أن هذه الإصلاحات ضرورية أو مرغوبة -وهذا الإجماع غير واضح- فستظل الأسئلة الرئيسة قائمة. كم عدد المقاعد التي سيتم إضافتها إلى المجلس وأيٌّ من الدول يجب أن تُصبِحَ من الأعضاء الدائمين؟ بالإضافة إلى اليابان وألمانيا -التي ستكون بالمناسبة رابع دولة أوروبية في المجلس- تشمل قائمة البلدان المُرشَّحة المُحتملة الهند والبرازيل والمكسيك وجنوب إفريقيا ونيجيريا، على سبيل المثال لا الحصر. هل سيتم منحها، مثل الأعضاء الخمسة الدائمين الأصليين، حق النقض على أيِّ قرارٍ معروضٍ على مجلس الأمن؟
قد يُجادِلُ البعض في أن هذه تفاصيل يمكن ويجب أن يتم وضعها لتحقيق الهدف الأكبر والأكثر نُبلًا المُتمثّل في معارضة تعنّت روسيا وتجاهلها التام لمبدإٍ أساسي من ميثاق الأمم المتحدة: السلامة الإقليمية للدول الأعضاء في المنظمة. لكن في حين أن الدعوات إلى مثل هذه الإصلاحات مفهومة، فإن الحقيقة الصعبة هي أن الإصلاحات لن تحدث، وذلك لأسبابٍ عدة:
أوّلًا، الإصلاحات، رُغمَ حُسنِ النيّة، هي مُضَلِّلة. كان الهدف الأصلي من إنشاء مجلس الأمن هو منع الحرب بين القوى العظمى، وليس منع القوى العظمى من شنِّ حرب على دولٍ أخرى. لا شكّ أن الغزو الروسي لأوكرانيا هو عملٌ بغيض. ولكن كان الأمر كذلك مع الغزو الأميركي للعراق، والذي فشل المجلس بالمثل في منعه. في الواقع، بعد غزو العراق، أعطى مجلس الأمن دعمه للاحتلال الأميركي، ولكن بشرط أن يستعيدَ العراق سيادته في نهاية المطاف. في الآونة الأخيرة، فشل المجلس في اتخاذِ إجراءاتٍ في الحالات التي بدت فيها الحاجة واضحة وملحّة إلى قرارات، حيث فشل في إدانة الإنقلاب في ميانمار كما في الدعوة إلى وقفِ إطلاقِ نارٍ عالميٍّ خلال ذروة جائحة كوفيد-19.
هذه الإخفاقات مؤسفة ولكنها ليست مُريعة. وذلك لأن الهدف النهائي لمجلس الأمن كان توفير منتدى تستطيع فيه القوى الكبرى مناقشة القضايا وانتقادها وربما الاتفاق عليها في بعض المناسبات. حدث هذا، على سبيل المثال، أثناء أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962، عندما قدّم مجلس الأمن منتدى للولايات المتحدة للكشف عن معلوماتٍ استخباراتية تُظهِرُ وضع الصواريخ السوفياتية في كوبا، وبالتالي وضع السوفيات في موقفٍ حرج وجعلهم يقبلون التفاوض والوصول إلى اتفاق. وبكلامٍ آخر، فإن الهدف الرئيس لمجلس الأمن هو تجنّب تكرار ويلات الحرب العالمية الثانية من خلال منع الصراع العسكري المباشر بين القوى العظمى. وطالما تم تحقيق ذلك، فإن المجلس ناجح.
ثانيًا، الإصلاحات المُقتَرَحة غير ضرورية. إذا رغب أعضاءٌ في مجلس الأمن بخلاف روسيا في اتخاذ إجراءٍ ضد روسيا، فيمكنهم ذلك. في الواقع، لقد قاموا بفرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. بعبارة أخرى، لم يمنع عجز المجلس عن إصدار قرار بشأن الحرب في أوكرانيا الدول الأعضاء من اتخاذ إجراءاتها الخاصة. لذلك من غير الواضح سبب ضرورة تغيير بنية المجلس.
كما إنَّ الإصلاح ليس ضروريًا لأعضاء مجلس الأمن لاستخدام المنتدى للإدانة العلنية لأعمال روسيا. لاحظت ليندا توماس غرينفيلد، السفيرة الأميركية الحالية لدى الأمم المتحدة، أنه بينما تستطيع موسكو استخدام حق النقض ضد قرارات المجلس، “لا يمكن لروسيا أن تستخدم حق النقض ضد أصواتنا. لا يمكن لروسيا أن تستخدم حق النقض ضد الشعب الأوكراني. ولا يمكن لروسيا أن تستخدم حق النقض ضد ميثاق الأمم المتحدة. لا تستطيع روسيا، ولن تستخدم، حق النقض ضد المساءلة”. في الواقع، أحد الخطابات الأكثر إثارة للمشاعر حول ما كان لا يزال احتمال غزو روسي ألقاه في مجلس الأمن سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، الذي أدان الدول التي “نظرت إلى الوراء في التاريخ بحنين خطير”.
ثالثًا، من المرجح أن تكون الإصلاحات مستحيلة. لكي نكون واضحين، يمكن تعديل ميثاق الأمم المتحدة. ولكن لكي يتم اعتماد التعديلات، يجب أن يوافق عليها ثلثا أعضاء الجمعية العامة ويُصدّق عليها مجلس الأمن، بما في ذلك جميع الأعضاء الدائمين. هذا ما حدث في العام 1965، عندما تم زيادة عدد المقاعد غير الدائمة في مجلس الأمن من ستة إلى تسعة، حيث أدى إنهاء الاستعمار إلى زيادة عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بسرعة.
من الصعب تجنّب الاستنتاج بأن الغرض الرئيس من الدعوة إلى الإصلاحات الحالية هو تخفيف أو حتى القضاء على نفوذ روسيا في المجلس. على الرغم من صعوبة القيام بذلك، نظرًا إلى أن روسيا عضوٌ دائم، إلّا أَّن هذا الوضع لا يخلو من سابقة. لقد تمَّ نقل مقعد الصين الدائم في المجلس من جمهورية الصين (تايوان) إلى جمهورية الصين الشعبية في العام 1971. ولكن ذلك كان بسبب إلغاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بحكومة تايبيه كممثل شرعي لـ”الصين”. اليوم، لا يوجد كيانٌ حكومي بديل يدّعي أنه يُمثّل روسيا.
وبالمثل، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تم نقل مقعد الاتحاد السوفياتي إلى الاتحاد الروسي. كان هذا الانتقال أقل إثارة للجدل من التغيير في مقعد الصين، حيث انتقل المقعد من نظامٍ سياسي واحد مقره في موسكو إلى حكومةٍ خَلَف ومقرها موسكو أيضًا. لكن المساهمة في عدم وجود جدل كانت حقيقة أن الجمهوريات السوفياتية السابقة الأخرى دعمت تولّي روسيا مقعد الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة، بما في ذلك مقعده الدائم في مجلس الأمن.
وتساءل آخرون عن “كيف” أو حتى “ما إذا كان” ينبغي إصلاح مجلس الأمن. هذا التراجع مفهوم، تمامًا مثل الدعوات إلى الإصلاح. لكن في النهاية، من المرجح أن لا يسير إصلاح مجلس الأمن إلى أيِّ مكان، على الأقل الآن.