الحريق المرتقب في الشرق الأوسط
في ظل إصرار طهران على تصعيد حدة إجراءتها الهجومية في المنطقة، فإنه يبدو أن إسرائيل باتت على مشارف الحرب مع الاطراف الموالين لإيران. ويبقى التساؤل الأهم هنا، ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة الأمريكية في حال نشوب الحرب بين الجانبين!
في اجتماع موسع لكبار الوزراء في إسرائيل، تم مناقشة احتمالية قيام الدولة بشن حرب ضد إيران، وذلك في ضوء الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها إيران والتي تراها الحكومة الإسرائيلية تهديدا كبيرا للأمن القومي. وقد استوعب المسئولون الإسرائيليون الهجوم الذي نفذته إيران في سوريا في أغسطس الماضي باستخدام الطائرة المسيرة والتي تم إسقاطها خلال هجوم جوي إسرائيلي. وقد ناقش الاجتماع أيضا مخططات إيران لصرف أنظار العالم عن الاحتجاجات الجماهيرية ضد حزب الله في لبنان. كما قام الوزراء باستعراض الهجوم الأخير للطائرات الإيرانية المسيرة واستخدام صواريخ كروز في استهداف المنشأتين النفطيتين في السعودية. وخلصت التقارير التي تمخض عنها الاجتماع إلى احتمالية شن حرب إيرانية مماثلة ضد إسرئيل من العراق.
وفي الوقت نفسه اعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن رفع درجة الاستعداد القصوى واعتماد خطة للطوارئ، والتي أطلق عليها اسم ” Momentum” أو الزخم، والتي تقتضي توسيع قدرة الدفاع الصاروخي وتكثيف العمليات الاستخباراتية وتهيئة الجنود من أجل المعركة المحتملة. وتمضي الاستعدادات الإسرائيلية وبخاصة في الشمال حاليا على قدم وساق. ويمكن القول بأن اسرائيل تستعد للسيناريو الأسوأ وتتصرف من منطلق فرضية واحتمالية نشوب الصراع في أي وقت.
وليس من الصعب تخيل إمكانية أن تستعر الحرائق في الشرق الأوسط، فالشرارة الأولى عادة ما يتم نشوبها بين عشية وضحاها. وقد نفذت المقاتلات الإسرائيلية بالفعل مئات الغارات الجوية على بعض الأهداف الإيرانية في كل من سوريا ولبنان والعراق. فالسياسة الإسرائيلية تميل إلى ردع طهران بدلا من إحراج موقفها، ونادرا ما تعلق تل أبيب من الأساس على تلك العمليات العسكرية التي تقودها.
ولكن في الوقت نفسه، فإنه يمكن القول بأن إسرائيل قد أخطأت في تقدير الحسابات واستشراف المستقبل، فالنتيجة قد تتمثل في ضربة إيرانية مضادة باستخدام صواريخ كروز التي من شأنها اختراق الدفاعات الجوية لإسرائيل في “كريات” والتي تضم قاعدة قوات الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب. وهنا ربما ترد إسرائيل بقوة على مقر حزب الله في بيروت والأخرى المنتشرة أيضا بطول الحدود اللبنانية، وهنا قد تبدأ المعركة الحقيقية.
والسيناريو المتوقع هو عدد لا حصر له من الصواريخ التي تحمل مادة TNT شديدة الانفجار ستمطر على إسرائيل، إلى جانب الطائرات المسيرة المسلحة التي سوف تستهدف المنشآت العسكرية والمدنية. ففي حرب لبنان 2006 وصل معدل القذائف يوميا إلى ما بين 200 و300 قذيفة، وعليه فقد يصل هذا المعدل ف يومنا هذا إلى قرابة الـ 4000 قذيفة يوميا.
صحيح أن معظم الصواريخ الموجودة في ترسانة حزب الله هي صواريخ ذات مسارات ثابتة يمكن تتبعها واعتراضها بواسطة نظام القبة الحديدية الإسرائيلي، ولكنه فعال بنسبة 90% في المتوسط مما يعني أنه ما بين كل 100 صاروخ يتمكن 10 منها من النفاذ إلى العمق الإسرائيلي، مما يعني أن جميع مناطق إسرائيل من مطولاه شمالا وحتى إيلات جنوبا ستكون في مواجهة نيران العدو.
والأخطر من ذلك هي الصواريخ الموجهة بدقة والتي تتزايد أعدادها في الترسانة العسكرية الإيرانية حيث يتم التحكم فيها عن بعد ويمكنها تغيير مسارها في منتصف الرحلة وبالتالي قد يصعب تتبع وجهتها. يمكن لنظام David’s Sling الإسرائيلي، الذي تم تطويره بالتعاون مع الولايات المتحدة إيقاف الصواريخ الإيرانية – نظريًا- وذلك لأنه لم يتم اختباره مطلقًا في القتال. وتتكلف عمليات اعتراض الصواريخ فقط وليس تحطيمها فعليا نحو مليون دولار مما يعني إنهاك اسرائيل اقتصاديا.
في الحقيقة قد تصاب إسرائيل بالشلل التام في حال سقوط الصواريخ بالقرب من مطار بن غوريون مثلما حدث أثناء حرب إسرائيل مع حماس في غزة عام 2014 لأن ذلك سيؤثر على حركة المرور الدولية التي تعد الشريان الرئيسي في إسرائيل والتي تزودها بكافة الإمدادات الغذائية والمتطلبات الأساسية. كما يمكن أن تعاني إسرائيل من تحطم شبكات الكهرباء.
والجدير بالذكر أن إيران تمكنت من التفوق في مجال القرصنة الالكترونية ورغم ريادة إسرائيل في هذا المجال فإنها ربما لن تتمكن من حماية مرافقها الحيوية تماما. وفي حال وقوع هجوم بالصواريخ فسيضطر المواطنون الإسرائيليون الهروب إلى الملاجئ المضادة للقنابل وسيتم إجلاء مئات الآلاف من سكان المناطق الحدودية خشية تسلل الجماعات الإرهابية إليهم. ستصبح المطاعم والفنادق مهجورة إلى جانب مكاتب شركات التكنولوجيا الفائقة في الدولة الناشئة. وسيضطر المرضى في المستشفيات إلى الاختباء في المخابئ الموجودة تحت الأرض والتي سرعان ما سوف تكتظ بالنزلاء.
من البديهي أن تقوم إسرائيل في تلك الحالة بالرد الفوري من خلال السلاح الجوي والقيام بحشد الكامل للجيش الإسرائيلي ونشر القوات في مختلف المناطق المتوقع تعرضها للهجوم. على الأرجح ستأتي الصواريخ من جنوب لبنان، وغزة نظرا لوجود حركتي حماس والجهاد الإسلامي المدعومتين من إيران والتي تملك قرابة الـ 10 آلاف صاروخ. ولكن القذائف بعيدة المدى سوف تأتي من سوريا والعراق واليمن وإيران نفسها، مما يشكل تحديا كبيرا للسلاح الجوي الإسرائيلي والذي لا يمتلك قاذفات استراتيجية قادرة على الوصول إلى إيران، كما يتعين عليه في تلك الحالة التصدي للأسلحة الروسية المتقدمة المضادة للطائرات والموجودة بكثافة في سوريا. كما ستضطر القوات البرية الإسرائيلية التحرك صوب غزة ولبنان لإجراء مواجهات مباشرة، هذا في الوقت الذي سوف تنتشر فيه القوات الإسرائيلية الخاصة في كل من سوريا والعراق.
وفي حال نجاح تلك التدابير الإسرائيلية المضادة في التصدي لنيران الصواريخ الإيرانية ، فإن العمليات العسكرية ستخلف العديد من الآلاف من الضحايا المدنيين، وهذا هو بالضبط ما تريده إيران ، فوكلاءها يمنعون هروب السكان من مناطق القتال من أجل اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. في غضون ذلك ، من المحتمل أن ينظم الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة احتجاجات عنيفة والتي سوف تقوم إسرائيل بإخمداها بقسوة ، مما يعطي الضوء الأخضر لمجلس الأمن لإدانة إسرائيل لاستخدامها القوة العشوائية وغير المتناسبة وسوف يعمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى جمع أدلة من أجل إدانة إسرائيل رسميا أمام المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي فما لا تستطيع إيران وحلفاؤها إنجازه في ساحة المعركة فبوسعهم تحقيقه من خلال المقاطعة وعزل إسرائيل وخنقها.
الموقف الأمريكي إزاء الحرب المحتملة بين إيران وإسرائيل
والآن جاء دور التساؤل الأهم والأخطر هنا، فماذا سيكون موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب المحتملة في المنطقة!
تتمثل أهمية هذا السؤال في جوانب عدة، أولًا أن أمريكا كان لها الدور الأعظم في تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة سواء عن غير قصد من خلال تعمد التخلص من أعدائها السنة كالرئيس العراقي السابق صدام حسين ونظام طالبان في أفغانستان، أو عن قصد من خلال التوقيع على الاتفاق النووي. وفي الوقت الذي سارعت فيه أمريكا إلى الإطاحة بكل من نظام حسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، فقد رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما التدخل لردع قوات التحالف الذي يضم كل من إيران ونظام بشار الأسد في سوريا. كما أخفق الرئيس ترامب في الرد على هجمات إيران على المنشآت النفطية السعودية مؤخرا. هذا إلى جانب ما يراه الكثيرون في الشرق الأوسط من قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا باعتباره عاملا مساعدا على تنامي النفوذ الإيراني، الأمر الذي قد يجعلهم لا يتفاجئون في حال قرر الرئيس الأمريكي تخفيف العقوبات والسعي نحو التفاوض مع الرئيس الإيراني.
وقد عقدت إيران آمالها في السيطرة على مساحات اكبر من الشرق الأوسط عبر الاتفاق النووي، والذي سرعان ما أعلنت أمريكا انسحابها منه وفرض العقوبات على إيران مما سبب نوع من خيبة الأمل لطهران. الأمر الذي وضعها أمام بعض الخيارات الصعبة، حيث بات يتعين عليها استئناف المفاوضات مع الجانب الأمريكي وهو الأمر الذي تراه طهران بمثابة إذلًالًا لها، أو استنئاف عملياتها العدائية تجاه الدول الخليجية أو إسرائيل. أي أن إيران أرادات أن تثبت للعالم أنه في حال إصرار أمريكا على موقفها، فإن طهران بوسعها نشر الفوضى في المنطقة بأسرها.
ورغم الثقة الكاملة من جانب إسرائيل في الدعم الكامل لها من قبل واشنطن في حال نشوب الحرب إلا أن ما يشغل البال الإسرائيلي حاليا هو إن كان بوسع الإدارة الأمريكية التدخل أكثر في حال تأزم الموقف وتعرض كيان الدولة اليهودية للخطر.
على الأرجح فإن أمريكا سوف تبذل الغالي والنفيس في سبيل حماية أمن إسرائيل، وهناك العديد من الشواهد اتي تبرهن على ذلك، كالتدريبات العسكرية المشتركة بين الجانبين والتعاون في العديد من المجالات العسكرية الأخرى كتطوير الرادار ومكافحة الألغام. وهنا يمكن الجزم بأن أمريكا ستتعهد بحماية السماء الإسرائيلية ولكن ما لا يزال غير مؤكدا هو إمكانية مواصلة القوات الامريكية الهجوم لصالح إسرائيل وضرب القواعد الإيرانية.
ولعل هذا الغموض يزداد عمقا خلال العام الانتخابي الذي يسعى فيه الرئيس الأمريكي الحالي ومنافسيه إلى إنهاء حروب الشرق الأوسط وليس التخطيط لحرب جديدة، فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت بعد قرار الرئيس بالانسحاب من سوريا عدم وجود دعم من الحزبين لأي تدخل عسكري أمريكي صغير في المنطقة. ولكن يمكن القول بأن اسرائيل تختلف عن سوريا أو السعودية حيث أن الأولى يمكنها الاعتماد على الدعم الأمريكي الكامل إذا لزم الأمر.
رابط المقال اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا