إقتصادازمة لبنانالاحدث

إطلالات حاكم المركزي: مليارات مبددة ووعود مجددة | بقلم د. رنا منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

إنّ إطلالات حاكم مصرف لبنان وبياناته وإرشاداته المصرفيّة أصبحت لا تُعدّ ولا تحصى، وفي كل إطلالة يتوقّع الشعب اللبنانيّ فرقاً لم يعد يعرف فيه سعر صرف الدولار الرسميّ.

كلّها نصائح وإرشادات آخرها كان المبكيّ حيث راحت الطوابير الطويلة أمام البنوك تُذكّر بطوابير البنزين التي انتهت بارتفاع سعر التنكة الذي بات يُشكّل نصف راتب الحد الأدنى للأجور، وأصبح بذلك كلّ الموظفين عاجزين عن الذهاب إلى مراكز عملهم بعد أن أصبحوا بلا دواء ولا كهرباء نتيجة رفع الدعم.

أمور أفلاطونيّة يدفع ثمنها هذا الشعب الذي أصبح 85% منه تحت خط الفقر. إلى أين المصير؟ لا أحد يعرف سوى المرتبطين بالسفارات بعد أن أصبحت أجندتهم تختصر على تركيع الشعب من خلال سياسة التجويع ليرضخ للمساواة على سيادته، وسرقة الثروة النفطيّة والغازيّة في البحر اللبنانيّ ونسيان الأراضي المحتلّة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبنانيّ من بلدة الغجر.

ومن الفرمانات الاقتصاديّة للحاكم صاحب الجوائز الكبيرة عن الوضع الاقتصاديّ في الماضي، أذكر الحاجة إلى ما بين 12 و15 مليار دولار أميركيّ للنهوض من هذا الفقر المدقع الذي تسبّب به سارقي أموال الشعب. وبحسب تنبؤآته المصرفيّة والاقتصاديّة وعلاقاته الدوليّة الكبيرة، توقّع حاكم المصرف المركزيّ أنّه في حال قدّم صندوق النقد الدولي للبنان من 3 إلى 4 أو 5 مليارات فقط، يستطيع الشعب اللبنانيّ إنقاذ نفسه من هذا الوضع التعيس الذي يعيشه. كما طالب أيضاً أن تأتي مساهمات من خارج الصندوق الدوليّ ولكن لم يحدّد من هم هؤلاء المساهمين، وهل يكفي باسترداد بعض ما سرقه أكثر السياسيّين؟ أو هل من جهات أخرى يجهلها هذا الشعب؟ أو هل من خلال إنتاج النفط والغاز خصوصاً في البلوكَيْن رقم 4 و9؟ و الله أعلم هذه حزازير لا يعرف بها سوى العاملين في التجارة السياسيّة.

كذلك صرّح سعادته أنّ الإحتياطي كان قبل عامين 32 مليار دولار، أما اليوم فأصبح يوازي ما بين 13 و14 مليار دولار فقط. ويُلاحظ من خلال ذلك أنّ الرقم الماليّ في لبنان هو وجهة نظر كما يقول الرئيس سليم الحص أطال الله بعمره، أي أنّ 18 أو 19 مليار دولار تم إنفاقهم تحت عناوين الحاجات الأساسيّة دون معرفة ما هي هذه الحاجات الأساسيّة، هل هي الدواء أم البنزين والمازوت؟ وفي الحقيقة تبيّن أنّ بدعة الدعم قد ذهبت عائداتها لبعض التجار محتكري الوكالات ولبعض الزبائنيّة من الزعماء لإرضائهم وزيادة ثرواتهم على حساب هذا الشعب الفقير الذي نهبت البنوك أمواله. وأصبح الشعب متساوٍ في الفقر وانتهت الطبقة الوسطى في المجتمع، وأصبح الجميع يبحث عن فرصة عمل من أجل تأمين لقمة العيش ومساعدة كبار السن. بِئس هؤلاء المتسلّطين على الزعامة وبِئس هكذا سياسة تجويع للشعب، والله سيحاسب الجميع.

لم يسأل أحد بعض التجار والزبائنيّين أين هو المال المنهوب ولم يُحاكم أي منهم، بل بالعكس هرّبوا أموالهم إلى الخارج، وخطة النهوض التي تحدّث عنها سعادة الحاكم الملهم بقيت حبراً على ورق. والبطاقة التمويليّة لن تُدفع حسب ما يتردّد إعلاميّاً إلّا قبل الإنتخابات النيابيّة بشهر أو شهرَيْن، وهذه تُعدّ رشوة مبطّنة للشعب وهي لا تُكلّف أكثر من مليار دولار، ولا داعٍ لتعبئة الإستمارات لأنّ للناس كرامتها وهم يتشدّدون بطلب تقديم ورقة فقر حال. فاللبنانيّ عاش بكرامته وسيموت بكرامته ولن يتخلّى لا عن سيادته ولا عن ثروته ولا عن أرضه مهما كانت الأسباب والذرائع.

أيّها الناهبون وبائعو الوطن، ماذا ستفعلون في هذه الثروات التي أصبحت في بنوك الخارج؟ أبشرّكم بأنّ بعض الدول ستصادرها تحت شعار أنّكم نهبتم الشعب. وهنا أطالب المحامين بالسعي عبر المنابر القانونيّة في العالم أجمع باستعادة حق الشعب المنهوب، خصوصاً أنّ هؤلاء الناهبين أصبحوا معروفين من قِبل كل أبناء الشعب اللبنانيّ ويجب محاسبتهم مهما حصل ومهما كانت الأمواج عالية.

والمُلفت للباحثين الاقتصاديّين أنّ الرقم ما بين 12 إلى 15 مليار دولار الذي تحدّث عنه حاكم المصرف المركزيّ كحاجة لتمويل النهوض الاقتصاديّ يُقارب تقريباً قيمة الذهب وقيمة أصول الدولة وفق تخمينات المصارف التي تضع عينها عليها للسطو على المال العام، وكأنّه لا يكفيهم ما سطو عليه خصوصاً أموال المودعين. وللقارئ أقول بأنّه إذا حصلت الإنتخابات النيابيّة فلن تحصل الإنتخابات الرئاسيّة والعكس صحيح. وسيكون لي كلام آخر عن هذا الموضوع في بحث أكثر دقة وأمانة، وهنا أخاف أن تكون الأمور متّجهة إقتصاديّاً نحو الأسوأ لا سيما أنّ العجز عن تأمين التمويل اللازم هو الباب الذي سيتم فتحه لبيع نصف إحتياطيّ الذهب ونصف الأملاك العامة، وعندها سيُقال للشعب أنّ صندوق النقد الدوليّ هو من اقترح ذلك من أجل إيقاف الجوع وإبعاد شبح الموت عن الرقاب.

وللأسف، أصبح دخل الفرد اللبنانيّ في نهاية السلم الاقتصاديّ وأصبح دخل العائلة بقيمة 40 دولار في الشهر. فهل باستطاعة أحد أن يعيش بهكذا دخل وسط هذا الغلاء الذي أكل الأخضر واليابس؟

تمّ التسليم من اللجنة التي تفاوض صندوق النقد الدوليّ، وسعادة الحاكم كان من بين أعضائها، بالرقم الذي وضعته حكومة الرئيس حسان دياب والمقدّر بـ69 مليار دولار (وهو حجم الخسائر الماليّة للقطاع الماليّ)، ولم نسمع إعتراض اللجنة الماليّة النيابيّة ولا جمعيّة المصارف ولا من يتربّع على عرش حكم لبنان الماليّ “سعادة الحاكم” الذين أخذوا يصرخون في ذلك الوقت وأقاموا الدنيا قبل سنة وربع تقريباً، وعطّلوا التفاوض مع صندوق النقد الدوليّ يومها بحجة أنّ الرقم مُبالغ به كثيراً لا بل فاحشاً ومشكوكاً بأمره، وأعلنوا أنّ الإفلاس بات قريباً ودبّ الرعب بين جميع أبناء الشعب.

فهل اليوم بات هذا الرقم مقبولاً لأنّ الشعب اللبنانيّ أكل الضرب المشؤوم بعد أن سُحبت ودائعه بربع سعرها الحقيقيّ، وبات الموظفون يقبضون رواتبهم بما يعادل 5% من قيمتها الحقيقيّة؟

أخيراً، أتمنى أن تتحسّن الأوضاع في العام القادم وتُستعاد الأموال المنهوبة والله دائماً مع الشعب المظلوم.

د. رنا هاني منصور

د. رنا هاني منصور دكتوراه في العلوم الاقتصادية- بنوك وتمويل أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية، كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال- الفرع الأول أمينة سر جمعية الخبراء الماليين عضو في اللجنة العلمية للجمعية اللبنانية لتقدم العلوم عضو في اللجنة الإستشارية لمجلة جويدي للإبتكار والتنمية والإستثمار لها أكثر من 150 مقال في العديد من المواضيع المالية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى