إقتصادالاحدث

استراتيجية التنويع: كيف يعيد إدراج العملات المشفرة تشكيل هيمنة الدولار؟ | بقلم د. بيار الخوري

إن اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لمقاربة دمج العملات المشفرة ضمن الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي يُظهِر عملاً محسوباً يهدف إلى تعزيز سيطرة الدولار عالمياً وإدخال تعديلات مرنة في النظام النقدي الدولي على نحو يضعف العملات التي لا تتبع سياسات تنويع الاحتياطي.

يتماشى هذا الاختيار مع الأزمة المتفاقمة التي يواجهها الدولار مع استمرار ارتفاع الدين العام الأميركي دون القدرة على ضبطه باستخدام الطرق التقليدية.

إن البحث عن إجابات تضمن استقرار الدولار على المدى الطويل أصبح ضرورياً في ظل تراجع فعالية طباعة النقود وإصدار السندات كوسيلة لتعزيز الاقتصاد. لذلك يغدو إدراج الأصول المشفرة، مثل البيتكوين والإيثريوم عملات أخرى أقل اهمية، وسيلة فعالة لتنويع محفظة الاستثمار ويقدم نطاقاً أكبر للتحوط من المخاطر، وبالتالي تعزيز قوة بنك الاحتياطي الفيدرالي وقيمة الدولار في الأسواق المالية.

يقوم النهج الجديد على نظرية المحفظة الحديثة (MPT)، وفي هذه الحالة يتم تعزيز الاحتياطي بأصول غير مترابطة non-correlated، وبالتالي خفض مخاطر التضخم والعجز المالي. تشكيلة الذهب والسندات والعملات الأجنبية والعملات المشفرة، تحمي الدولار وتوفر له ميزة تنافسية لأنها تضعه في مركز الشبكة المالية المشفرة المتوسعة.

سوف تدفع هذه الاستراتيجية البنوك المركزية الأخرى على إعادة التفكير في سياساتها النقدية فضلاً عن منح الولايات المتحدة المزيد من القوة للتأثير على الأسواق المالية العالمية. قد تكتشف البلدان التي تتردد في تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية أن عملاتها تضعف مع تدفق رأس المال إلى الأسواق ذات محافظ الاستثمار الأكثر تنوعاً وثباتاً.

إن تجاهل هذا الاتجاه سيؤثر على العملات المنافسة بطريقتين مختلفتين: أولاً، سيظل الدولار وجهة الاستثمار الرئيسية بسبب قوته المدعومة باحتياطيات متنوعة؛ ثانياً، ستنتقل الأموال إلى العملات المشفرة كبديل جديد في الاقتصاد المشفر والرقمي. سيغادر المزيد من النقد إما إلى منطقة الدولار، أو الى سوق العملات المشفرة، وهما أكثر جاذبية، إما كأداة تحوط أو ادوات استثمار، مما يضعف العملات التي تظل مقتصرة على الاحتياطيات التقليدية.

في حين أن الاقتصادات التي ستبقى تعتمد على الاحتياطيات التقليدية، مثل الاتحاد الأوروبي والصين، قد تفقد جاذبية عملاتها، فإن البلدان التي ستتبنى استراتيجيات رقمية متقدمة، مثل سويسرا وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة، ستكون من بين المستفيدين من هذا التغيير.

سوف تجد الأنظمة المالية غير المرنة نفسها في وضع تنافسي غير مؤات، حيث ستزيد البنوك والمؤسسات المالية التي استثمرت في العملات المشفرة ط من مكانتها العالمية ومانة عملاتها.

تسعى استراتيجية ترامب إلى بناء نموذج مالي جديد حيث تكون الأصول المشفرة مكوناً ضرورياً للاقتصاد العالمي، وليس فقط حماية الدولار بحد ذاته. إن تجاهل هذا التغيير قد يتسبب في معاناة البلدان لأن الافتقار إلى التنوع سيجعل عملاتها أقل جاذبية للمستثمرين والأسواق المالية. ستجد البنوك المركزية الأخرى أنه من المستحيل البقاء على الهامش دون تغيير مع استمرار هذا الاتجاه؛ ستعاني اقتصاداتها من صعوبات قد تعرض قيمة عملاتها للخطر أمام النظام المالي العالمي المتطور سريعاً بشكل واضح.

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى