لقد رافقت التكنولوجيا الانسان منذ ظهوره، من اكتشاف الأدوات واستغلال النار وصناعة الأسلحة الى صناعة الالة الذكية. لكن الطفرة “التكنولوجية التي تواجهها الإنسانية اليوم، لا مثيل لها من حيث الفرادة والجودة والتعقد والمنافع ولكن كذلك من حيث تهديد المصير الإنساني.
عصر النهضة
فمنذ عصر النهضة، حيث تم استثمار العلم العربي- الإسلامي وترجمته وتطوير معطياته، والانسان يكتشف قدرة التكنولوجيا على تعويض الجهد البشري في انجاز المهام اليومية العادية وكذلك المهام الجسيمة والخطيرة. وهكذا يتعرف الانسان المعاصر ،على دور الالة الذكية في مساعدته على انجاز مشاريع اعمال كانت فيما مضى ضربا من الخيال ومندرجة في المستحيل.
“الالة الذكية”
ولا ينازع أحد في كون “الالة الذكية” تقدم للبشرية خدمات عظيمة وكبيرة، بحيث هي بديل عن الانسان في القيام بأعمال شاقة وخطيرة. ولذا فإن الالة الذكية، هي توفير للجهد البشري ووقاية الانسان من آفات ومخاطر العمل. وذلك في مجالات مدنية وعسكرية، مثل مساهمة (Drones) في مراقبة ملايين الهكتارات من الأراضي، وحراسة وتأمين المنشآت ورصد التحولات الجيولوجية والمناخية في مناطق نائية وصعبة الوصول وكذلك اسهام الالة الذكية في مجالات التصنيع والتعدين واستخراج الموارد الطبيعية، بل القيام بمهام في الفضاء وسبر أغواره.
كما أن الالة الذكية والتي تتطور بشكل كبير بفضل أبحاث الذكاء الاصطناعي، تفيد في مجال الطب وتمكن الأطباء من إجراء عمليات دقيقة. لكن الاستخدام المكثف للآلة الذكية في مجال الصناعات التي توظف عمالة كبيرة، تحمل أرباب المصانع على الاستغناء عن الانسان وبالتالي الاكتفاءبـ “الاتمتةAutomatisation” وهذا يشكل خطرا على العمال وضياع فرص عمل كثيرة؛ وبالتالي تدني القدرة الشرائية.
مستقبل الوظائف
ولذلك نبه تقرير “مستقبل الوظائف” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي2020، الى خطورة اكتساح الالة الذكية لكافة مجالات وميادين العمل، والتهديد بضياع 85 مليون وظيفة؛ سواء بالنسبة للشركات المتوسطة او الكبرى.
و توقع تقرير2018، اختفاء وظائف معينة في 2020، ومنها، مدخل بيانات ومدير حسابات وسكرتير اداري، وعامل تجميع في المصانع وموظف خدمات العملاء ومدقق مالي ومدير مخزن ومدير عمليات وموظف خدمات البريد وصراف البنك. والملاحظ ان هذه المهن لازالت موجودة في اغلب البلدان وخصوصا الدول النامية. كما توقع التقرير ارتفاع الطلب على مجموعة من المهن ابتداء سنة 2020، ومن ذلك محلل بيانات ومتخصص في ذكاء اصطناعي وخبير تسويق ومبيعات ومتخصص في التحول الرقمي ومتخصص خدمات تقنية المعلومات ومحلل انترنيت الأشياء.
لكن مقابل اختفاء مجموعة من الوظائف فإن التقرير يتوقع كذلك ظهور 97 مليون وظيفة، وهي وظائف تتواءم مع السياق الجديد للعمل الموزع بين الانسان والالة الذكية.وتبرز الحاجة الى ابتكار أساليب جديدة في العمل وتأهيل العمال وتمكينهم للحصول على مهارات تتوافق مع متطلبات المستقبل ولذا سعى بعض الدول الى اعتماد سياسات التأهيل للمستقبل.
العمل البشري
ويبدو أنه لن يتم الاستغناء عن العمل البشري، خصوصا الابداع والتفكير النقدي والابتكار والوظائف التي تفترض التوفر على الذكاء العاطفي وحل المشاكل المعقدة غير الرياضية والحسابية.
وهناك اتجاهات فكرية تحذر من التطور المفرط والفائق للآلة الذكية وتحذر من نشوب حرب قادمة بين البشر والالة الذكية . وهناك اتجاه الفكر المابعد الإنساني الذي يدعو الى الاحتفاء بعصر الآلات الهجينة التي ستمكن الانسان من تجاوز ضعفه بل تحقق له الخلود.
كارزويل
و يتوقع كارزويل، صاحب كتاب “الآلات الروحية”، بأنه “قبل نهاية القرن المقبل لن تظل الكائنات البشرية هي أكثر الكائنات ذكاءا ومقدرة على كوكب الأرض”، فهو يتنبأ بـ تفوق الآلات الذكية على الانسان وبالتالي بروز وتشكل حضارة ما بعد الانسان. وتتجه الأبحاث في الذكاء الاصطناعي الى التحضير الى ذلك والاعتقاد بأن الالة الذكية ستتمتع مستقبلا بما يفوق الخصائص الإنسانية، فهي لن تحاكي الذكاء الإنساني بل ستجاوزه.
ميشيل كاكو
يذهب ميشيل كاكو في كتابه “فيزياء المستحيل” الى كون الذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجيا والهندسة الوراثية والمعلوماتية، ستقود العالم الى تخطي حدود المستحيل؛ ومن ذلك قدرة الذكاء الاصطناعي على تجاوز حدود قوانين الفيزياء المعروفة وسبر اغوار الكون المجهول وتمكين الانسان من التحكم “المطلق” في الطبيعة. لكن تذهب فئة عريضة من المفكرين الى القول بأن الطبيعة البشرية غير قابلة للتجاوز، لأن الانسان يمتلك خصائص تميزه على باقي الكائنات كما أن الالة الذكية مهما بلغت من تطوير ذاتها فإنها لن تضاهي ما خلق الله.
والبشرية مطالبة بالتفكير في خلق توازن بين مجال الالة الذكية والميدان المحفوظ للإنسان، من أجل مصير بشري واعد.
اقرأ أيضًا:
الروبوتات ومَصير الوظائف البشريّة في المُستقبل
الاتمتة تهدد ثلثي الوظائف في الدول النامية
التكنولوجيا تعود بالعالم الى التعليم المهني