المقال ادناه يعبر عن وجهة نظر تدافع عن كفاءة الرأسمالية في مواجهة الطروحات الاجتماعية التي تدين النظام الرأسمالي للبابا فرنسبس
قال البابا فرانسيس بمناسبة اليوم العالمي للغذاء أنه قد توصل أخيرا إلى أن الرأسمالية والفوائد المتحققة في عالم الأعمال هي السبب المباشر لوقوع المجاعات حول العالم. وكتب في رسالة موجهة إلى رئيس منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “المعركة ضد الجوع وسوء التغذية، لن تنتهي ما دام منطق السوق سائدا والسعي لتحقيق الربح بأي ثمن. ولعل المشكلة مع هذا البيان، هو أن الحقائق والأدلة تظهر عكس ذلك تماما.
وبإلقاء نظرة على التاريخ السحيق لأوروبا، سنجد أنه في 31 أكتوبر من العام 1517 قام الألماني مارتن لوثر بتقديم أطروحاته الـ 95 إلى كنيسة القلعة مشعلا بذلك فتيل مشروع الإصلاح البروتستانتي. والآن وبعد مرور نحو 502 عام يبدو أن هناك دعوة جديدة للاحتجاج وإصلاح تفكير البابا، فعلي ما يبدو أن تفكيره ومعتقداته حول الشرور المرتقبة للسوق الحرة، خاطئة.
في عام 1820 ، كان المعدل العالمي للفقر المدقع حوالي 90 في المائة ، ولكن بفضل بذور النمو الاقتصادي التي زرعت خلال الثورة الصناعية ، انخفضت تلك النسبة إلى 35 في المائة بحلول عام 1990 ، ثم إلى 10 في المائة بحلول عام 2015. فقد ساعدت الأسواق الحرة واستثمارات رأس المال من قبل الشركات الباحثة عن الأرباح على مدار نحو قرنين من الزمان، في انتشال المليارات من براثن الفقر وحرمان الجماهير من الجوع والبؤس.
بالطبع لا يمكن الجزم بأن المدة الزمنية المقدرة بـ 200 عام الماضية كانت خالية من الانتكاسات، فقد عانى نحو 6 ملايين شخص في الاتحاد السوفيتي السابق من المجاعة ما بين عامي 1932 وحتى عام 1933 وذلك على الرغم أنه لا يمكن الإلقاء باللوم هنا على الرأسمالية. وبالمثل فإن الأزمة الاقتصادية والفقر الذي عانت منه فنزويلا خلال الفترة الماضية لم يكن نتاجا لمبدأ السوق الحرة وأعمال الشركات المتطلعة إلى الربح.
ولكن من أين أتت فكرة أن الرأسمالية هي سبب حدوث المجاعات في العالم! يبدو أن البابا فرانسيس قد بنى استنتاجاته على منطق المقارنة بين الذين يعانون من السمنة حول العالم والبالغ عددهم نحو 700 ميون شخص، والآخرين الذين يعانون من الجوع والمقدر عددهم بنحو 820 مليون شخص. فهو يعتقد أن أعضاء الفريق الثاني يتضورون جوعا بسبب استهلاك الفريق الأول لحصص أكبر من المواد الغذائية في العالم.
وبالنظر إلى تلك المعادلة الصفرية للعالم، فمن المتوقع أن يتحدث البابا في خطابه القادم عن أولئك الذين يعانون من انخفاض الخدمة الصحية في العالم نظرا لوجود بعض الدول التي تتمتع بوجود عدد كبير من الأطباء في مقابل دول أخرى تعاني من عجز شديد في عدد الأطباء.
ويمكن القول بأن هذا النوع من الأخطاء في التقديرات الاقتصادية من قبل البابا، ليس بالأمر الجديد، ففي عام 2013 قال بابا الفاتيكان في خطابه- والذي بدا فيه وكأنه يقرأ نصا مكتوبا من نصوص حركة الاحتجاجات العالمية (احتلوا)- إنه في الوقت الذي يزداد فيه دخل أقلية ما باطراد، فإن دخل الأغلبية يصبح معرضا للانهيار، فأسواق المال وأيدولوجيات السوق الحرة هي المسئولية عن الافتقار إلى العدالة وسوء التوزيع في العالم.
وفي وقت سابق من هذا العام، وصف البابا الرأسمالية بأنها نموذج اقتصادي خاطئ تم اتباعه لفترة طويلة من الزمن، وقال البابا إن التركيز على رفع معدلات النمو الاقتصادي بدلا من التنمية المستدامة قد قاد النظام الاقتصادي العالمي نحو مسار خطير للغاية، والذي يتم تقييمه فقط من حيث الجانب المادي دون أخذ الجوانب الإنسانية في الاعتبار، وهذا ما يتم تطبيقه على البشر بوجه عام.
في نظر البابا، الأسواق الحرة طاغية، الاقتصاد قائم على الاستغلال غير الرشيد، الدولة تسعى لتحقيق الصالح العام من خلال السيطرة التامة. وعلى ذلك يبدو أنه في عالم الاقتصاد البديل لدى البابا، كل شئ معكوسا، فالرأسمالية لديه هي سبب الفقر، والسمنة هي سبب المجاعة.
ومثلما حدث في عصر مارتن لوثر فإنه يبدو أن تفكير البابا حاليا يحتاج إلى الإصلاح أيضا، ففي عام 1517 احتج لوثر على القرار البابوي ببيع صكوك الغفران لأنه رفض أن يتم بناء كنيسة القديس بطرس على حساب الفقراء، والآن في عام 2019 فإن أفكار البابا تستحق الاحتجاج أيضا.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا