
مقدمة
شهدت أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا عمليات بيع حادة خلال الأيام الأخيرة، مما أدى إلى أكبر تراجع منذ الأزمة المالية الآسيوية عام 1997. وقد اجتاحت موجة من الذعر الأسواق العالمية بعد تصاعد دراماتيكي في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين. على وجه الخصوص، تسببت الرسوم الجمركية الواسعة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب، والرد السريع من الصين، في زعزعة ثقة المستثمرين وأدت إلى انخفاضات حادة. يُحلل هذا التقرير الانهيار الأخير في الأسواق، ويقارن بينه وبين أزمة عام 1997 التاريخية، ويفحص العوامل الرئيسية، وخاصة السياسات الجمركية الأمريكية، التي تقف وراء هذا الاضطراب. كما يعرض التقرير المؤشرات الرئيسية للأسواق، والمؤشرات الاقتصادية، وتغيرات السياسات لتوفير السياق للوضع الحالي.
الانخفاضات الأخيرة في الأسواق الآسيوية والأوروبية
كانت الأسواق الآسيوية في طليعة الانهيار، حيث سجلت أكبر انخفاضات يومية منذ عقود. فقد هبط مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 13.2٪ في جلسة واحدة – وهو أكبر انخفاض يومي منذ أكتوبر 1997 في ذروة الأزمة المالية الآسيوية. كذلك، تراجع مؤشر نيكاي 225 في اليابان بنحو 9٪ يوم الإثنين، وانخفض مؤشر TAIEX في تايوان بنسبة 9.7٪ (وهو أسوأ يوم منذ عام 1990). كما هبطت الأسواق في كوريا الجنوبية والصين وجنوب شرق آسيا؛ وتم تعليق التداول مؤقتاً في سيول بعد أن تجاوزت عمليات البيع الحدود القصوى المسموح بها.
وبنهاية اليوم، كانت معظم المؤشرات الآسيوية الرئيسية في المنطقة الحمراء بعمق، مما أعاد إلى الأذهان ذكريات الانهيارات السابقة. وقارن المستثمرون والمحللون ما حدث بـ “الانهيارات التاريخية” مثل أزمة 1997، والأزمة المالية العالمية عام 2008، وانهيار كوفيد-19 عام 2020.
تم جر الأسواق الأوروبية إلى الأسفل كذلك، حيث امتدت الصدمة غربًا. افتتحت المؤشرات الرئيسية بانخفاض حاد يوم الاثنين: فقد تراجع مؤشر FTSE 100 في لندن بنحو 6٪ في إحدى النقاط (ليصل إلى أدنى مستوى خلال عام)، وهبط مؤشر DAX الألماني بما يصل إلى 10٪ خلال اليوم قبل أن يقلص خسائره ويغلق عند -4٪ تقريباً. أما مؤشر STOXX 600 الأوروبي العام فقد خسر حوالي 5٪، متراجعاً إلى أدنى مستوى له خلال 16 شهراً. كانت الأسواق شديدة التقلب – حيث قلصت بعض المؤشرات خسائرها في منتصف اليوم على أمل ألا تنخفض الأسواق الأمريكية بالقدر نفسه.
ومع ذلك، ظل الوضع العام قاتماً. وبنهاية اليوم الثالث على التوالي من موجة البيع العالمية، قُدّر أن حوالي 9.5 تريليون دولار من القيمة السوقية قد تم محوها على مستوى العالم. وانعكست هذه الزيادة في التقلبات من خلال مؤشر VIX “مؤشر الخوف”، الذي قفز فوق مستوى 50 – وهو مستوى نادراً ما يُشاهد خارج الأزمات الكبرى.
تُوصف هذه التراجعات في آسيا وأوروبا بأنها الأشد في الأسواق الآسيوية منذ الأزمة المالية الآسيوية عام 1997. حتى أزمة 2008 أو انهيار جائحة كوفيد-19 عام 2020 لم تسجل مثل هذا الانخفاض الحاد في يوم واحد داخل الأسواق الآسيوية (رغم أن تلك الأزمات كانت عالمية). أما في أوروبا، فكان الانخفاض المفاجئ هو الأسوأ منذ انهيار جائحة 2020 للعديد من المؤشرات. وقد أطلقت بعض وسائل الإعلام على اليوم مصطلح “الإثنين الأسود”، في إشارة إلى مستوى الذعر الذي لم يُرَ مثله منذ انهيارات أواخر التسعينيات أو أزمة 2008.
أصداء أزمة 1997 – السياق التاريخي
توفر الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 معياراً تاريخياً مهماً لفهم الاضطرابات الحالية. بدأت تلك الأزمة بسلسلة من تخفيضات العملات وانهيارات في الأنظمة المالية في شرق آسيا، مما أدى إلى انهيارات في أسواق الأسهم ومعاناة اقتصادية كبيرة في المنطقة. بدأت الأزمة في يوليو 1997 في تايلاند عندما انهار البات التايلندي بعد أن نفدت احتياطات الدولة من العملات الأجنبية للدفاع عن سعر صرفه.
وسرعان ما انتقلت الأزمة إلى دول الجوار: ماليزيا، الفلبين، إندونيسيا، وكوريا الجنوبية، حيث شهدت جميعها انهيارات في عملاتها وأسواقها خلال أشهر قليلة. كانت اقتصادات هذه الدول تشهد نمواً سريعاً لكنها كانت مثقلة بالديون وفقاعات الأصول، والتي انفجرت مع تراجع ثقة المستثمرين.
مقارنة بين أزمتي 1997 و2025
تختلف أزمة 2025 الحالية من حيث الأسباب عن أزمة 1997، لكنها مشابهة لها في حجم رد فعل الأسواق. ففي عام 1997، كانت الأزمة نتيجة هشاشة بنيوية في الأنظمة المالية، كالشركات المثقلة بالديون، وسعر الصرف الثابت، والمقرضين الأجانب المذعورين. أما في 2025، فإن اقتصادات آسيا عموماً في حالة مالية أفضل، لكن الصدمة تأتي من أحداث سياسية خارجية – تحديداً الحرب التجارية التي أطلقتها أكبر اقتصاد في العالم.
التشابه الرئيسي هو تأثير العدوى: كما انتشرت الأزمة في 1997 بسرعة من تايلاند إلى بقية آسيا، بدأت موجة البيع في 2025 من قرارات سياسية أمريكية وانتقلت بسرعة إلى الأسواق الآسيوية ثم إلى أوروبا. وكما حدث سابقاً، تجد هونغ كونغ نفسها في مركز العاصفة – في 1997 بسبب المضاربين، والآن بسبب مخاوف التجارة، حيث سقط مؤشر هانغ سنغ بنسبة 13٪، وهو أسوأ تراجع له منذ تلك الفترة.
العوامل الرئيسية وراء الانهيار الحالي
الحرب التجارية والرسوم الجمركية – الشرارة المحفزة
العامل الأساسي وراء الانهيار الأخير في الأسواق هو تصاعد الحرب التجارية الناتجة عن السياسات الجمركية الأمريكية. ففي أواخر مارس 2025، كشف الرئيس دونالد ترامب عن حزمة واسعة من الرسوم الجديدة على الواردات، واصفاً هذه الخطوة بأنها “يوم التحرير” للاقتصاد الأمريكي.
شملت هذه الرسوم مجموعة واسعة من السلع من دول حليفة ومنافسة على حد سواء، ما تجاوز بكثير نطاق الإجراءات السابقة. فرضت الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 25٪ على واردات الصلب والألمنيوم، وأعادت تطبيق رسوم على السيارات المستوردة بنسبة 25٪، مما أثّر بشكل مباشر على المصدرين الكبار مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية. حتى الحلفاء المقربون لم يُستثنوا، مثل إسرائيل التي فُرضت على صادراتها رسوم بنسبة 17٪.
الرد الصيني
ردّت الصين بسرعة وبقوة. بعد أيام فقط من إعلان ترامب، فرضت بكين رسوماً بنسبة 34٪ على جميع الواردات الأمريكية – وهي نسبة غير مسبوقة في نطاقها، ما اعتُبر بمثابة “طلقة تحذيرية” من الصين بأنها لن تستسلم بسهولة. واستهدفت الرسوم الانتقامية الصادرات الأمريكية من الزراعة إلى السيارات، مما أدى إلى حالة من الذعر بين الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية التي تخوفت من فقدان السوق الصيني.
زاد ذلك من مخاوف المستثمرين من أن الحرب التجارية ستستمر دون رادع، خاصة مع تعنت واشنطن وإصرارها على “التحمل” رغم انهيار الأسواق، مما زاد القلق من أن يتم دفع الاقتصاد العالمي نحو الركود.
المؤشرات الاقتصادية والتداعيات
إن الانهيار الحالي في الأسواق ليس مجرد خسائر ورقية للمستثمرين، بل له تأثيرات اقتصادية حقيقية. أولاً، تأثير الثروة والثقة: فقد يؤدي اختفاء حوالي 9.5 تريليون دولار من القيمة السوقية خلال أيام قليلة إلى تقليص إنفاق الأسر وتردد الشركات في التوسع أو التوظيف.
ثانياً، تباطؤ النمو العالمي: سبق أن حذرت المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي من أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين قد تؤدي إلى تقليص النمو العالمي. وقدّر اقتصاديون أن الرسوم الجديدة قد تخفض الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 0.5–1% في السنة المقبلة.
ثالثاً، خطر الركود ورد الفعل السياسي: ازدادت احتمالات الركود، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة. وقد يلجأ البنك الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي إلى تخفيف السياسة النقدية (خفض أسعار الفائدة وضخ السيولة) للتخفيف من الصدمة.
الخاتمة والتوقعات
يمثل الانهيار الحالي في أسواق آسيا وأوروبا – الأسوأ منذ أزمة 1997 – تذكيراً صارخاً بمدى ترابط السياسة والاقتصاد في عصر العولمة. لقد أدى قرار سياسي في واشنطن إلى محو تريليونات الدولارات من الأسواق خلال أيام، مما يعكس مدى هشاشة الثقة العالمية.
لكن هناك بوادر أمل. فمع نهاية الأسبوع، بدأت الأصوات الداعية إلى التهدئة ترتفع، حتى من داخل المعسكر الداعم لترامب. دعا البعض إلى هدنة مدتها 90 يوماً لتجنب “حرب اقتصادية نووية”، وأعرب آخرون عن دعمهم لاتفاقيات تجارة حرة بدلاً من فرض الرسوم.
إذا تم التوصل إلى هدنة، فقد تشهد الأسواق انتعاشاً سريعاً. أما إذا استمرت المواجهة، فقد نشهد بداية ركود عالمي طويل الأمد. وكما كان الحال في 1997، فإن التعاون الدولي واتخاذ قرارات حاسمة هو الطريق الوحيد لتجنب كارثة اقتصادية أوسع.