لقد أدى استمرار النمو السكاني في العالم، إلى ضرورة إتاحة الوصول إلى الخدمات المالية للجميع بصورة متساوية من أجل تقديم خدمات مالية عادلة، وبسعر معقول، وبشفافية. هناك الملايين الذين يستبعدون من المشاركة في المؤسسات المصرفية التقليدية، التي تشهد تسرب المليارات، التي يمكن استخدامها لتطوير اقتصاديات مزدهرة ومستدامة. وبما أننا الآن في وسط ثورة رقمية عالمية، فإن الشمول المالي لهذه القطاعات المهملة يجب أن يكون أولوية لبناء البنية التحتية والحكم الرشيد المطلوبين، لتمكين هذا القطاع الهام جدًا بالكامل. لقد علمنا “كوفيد” أننا بحاجة لأن نكون أفضل استعدادا ببنية تحتية قادرة على التعامل مع الأزمات، لضمان عدم تعطل قطاع حيوي مثل القطاع المالي، وأنه يمكنه الاستمرار دون انقطاع، خصوصًا في الدول النامية.
يجب الاستفادة من انتشار التقنية، مثل الهواتف الجوالة والإنترنت، في الشمول المالي الرقمي، لتوفير خدمات مالية آمنة وبأسعار معقولة، حتى يتمكن الجميع، بغض النظر عن موقعهم أو وضعهم الاجتماعي، من الوصول إلى الخدمات المالية. يدعم هذا سوق التقنيات المالية، خاصة في قارات مثل إفريقيا، التي تشهد زيادة هائلة في مزودي الخدمات المالية الرقمية، الذين يقدمون الحسابات والمدفوعات وخدمات الائتمان والتأمين عبر الإنترنت، عبر تطبيقات رقمية مبتكرة؛ للوصول إلى سوق كان مستبعدًا فيما مضى. يتيح ذلك لأفراد المجتمع المحرومين من الانخراط في تخطيط مالي أفضل عبر المدخرات والقروض وفرص الاستثمار، التي بدورها ستؤدي إلى ازدهار اقتصادي أكبر لأي دولة، مما يساعدهم في كسر حلقة الفقر المفرغة التي يجد الكثيرون منهم أنفسهم فيها.
تقدم الحلول الرقمية لأعضاء المجتمع أدوات سهلة الاستخدام، مما يتيح الوصول إلى خدمات مالية وشبكة أمان مالي لتجميع المدخرات، في مسعى لامتصاص مخاطر الصدمات المالية وحالات الطوارئ. فيمكن لأصحاب العمل والحكومات تحويل الأموال بسرعة وسهولة إلى من هم في أمس الحاجة إليها. سيلغي هذا الحاجة إلى الأوراق النقدية، التي يمكن أن تكون باهظة الحجم عند السداد بالملايين، وفي نفس الوقت يقلل من حالات الاحتيال والسرقة، وكذلك يزيد من الشفافية. كما ستنخفض تكلفة تقديم هذه الخدمات، ويزيد انتشارها بشكل كبير، مما يسمح بزيادة الوصول إلى الخدمات المالية المتطورة في المستقبل؛ خاصة للشريحة التي من الممكن أن تُحرم من الخدمات المالية التي تقدمها البنوك التقليدية.
لقد أصبح إطعام عدد متزايد من السكان تحديًا كبيرًا. فالقطاع الزراعي يعد قطاعًا عالميًا كبيرًا معرضًا بصفة خاصة للتقلبات، مما يعني أن المزارعين يواجهون صعوبة في السيطرة على المخاطر الزراعية. هنا يمكن أن يساعد الوصول إلى مخططات الائتمان، التي تساعد في تأمين السلع الزراعية الأساسية، مثل الأسمدة والبذور، وكذلك التمويل الصغير والتأمين الصغير، في تحسين أرباح المزارعين، وتحسين المحاصيل، وتحقيق مكاسب إنتاجية. كما يؤدي قبول المدفوعات الرقمية، والوصول إلى المجتمعات الزراعية، والوصول المباشر إلى الموزعين، وتحويل الأموال، والوصول إلى خطط الادخار المخصصة عبر الإنترنت، إلى خلق بيئة أكثر عدلًا وشمولية لهم للعمل فيها.
يعد الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية تحديًا بالنسبة للكثيرين، وذلك لأنها ببساطة باهظة الثمن. بينما يتيح الشمول المالي الرقمي للأسر الادخار لحالات الطوارئ المتعلقة بالرعاية الصحية، عبر أنظمة الرعاية الصحية الصغيرة، كما يوفر لمقدمي الرعاية الصحية دخلًا أكثر ضماناً، لا سيما في المناطق الريفية، حيث يصعب إرسال الأموال النقدية. يدعم هذا توفير نظام إيكولوجي محسن للرعاية الصحية لشريحة من المجتمع كانت تلقى التجاهل في العادة، وسيكوّن له آثار إيجابية على رفاهية المجتمع بشكل عام.
يعد التعليم مشكلة تواجه ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم. فغالبًا ما تكون تكلفة إلحاق الأطفال بالمدرسة عائقًا أمام الأسر ذات الدخل المنخفض، وفي كثير من الأحيان، يُحرم الأطفال من الحق في التعليم نتيجة لذلك. يتيح التمويل الرقمي للأسر التخطيط بشكل أفضل لنفقات التعليم، ويساعد المدارس في تحسين إدارتها المالية، ويوفر الموارد للتركيز على تحسين نتائج التعليم، ويسمح للمعلمين بالحصول على رواتبهم بصورة آمنة ومضمونة وموثوقة. كما يفتح الوصول العادل إلى التعليم ومهارات التعلم مدى الحياة، مجموعة من الفرص، كما أنه ضروري لعالم أكثر ازدهارًا.
تشير التقديرات إلى أن 35٪ من النساء في جميع أنحاء العالم مستبعدات من النظام المالي، وليس لديهن وسيلة للادخار، أو الوصول إلى المنتجات المالية الرسمية. لذا، يعد توفير الوصول إلى التمويل الرقمي لهن أمرًا ضروريًا، لمنحهن سيطرة أكبر على مواردهن المالية، ومساعدتهن في الحصول على قروض لتنمية أعمالهن، وتمكينهن بالوسائل اللازمة لاتخاذ القرارات المالية. إنها خطوة رئيسية في تعزيز المساواة بين الجنسين، ولها أهمية خاصة حين تكون المرأة هي رب الأسرة وتحتاج إلى خيارات مالية مرنة. فاحتمال الحصول على أموال بطريقة آمنة ورقمية يتيح لهن تحديد أولويات الإنفاق، مع علمهن أنهن يتحكمن بشكل كامل في أموالهن، ما يساعدهن على بناء الملاءة الائتمانية.
يعد الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي حق أساسي لكل فرد على هذا الكوكب. ففي العديد من الدول، يواجه مزودو خدمات المياه مصاعب متزايدة في توفير الخدمات للعملاء في المناطق الريفية. إنها مشكلة متعددة الأوجه، وتنطوي على تكاليف عالية مرتبطة بالفواتير، وقياس الاستهلاك، والتحديات اللوجستية المرتبطة بتحصيل المدفوعات. لذلك، ستتيح المحافظ الرقمية للأسر الاقتصاد في خدمات المياه ودفع تكاليفها بسهولة، وتقليل المدفوعات المتأخرة. كما تعد الاستفادة من القنوات الرقمية أمرًا حيويًا لتوفير المياه والصرف الصحي للملايين، مما يسمح لمزودي خدمات المياه بخفض نفقات التشغيل، وتقديم خدمات وأكثر استدامة أكثر مما هو متاح حاليًا.
تعد الطاقة النظيفة والوصول إلى الكهرباء في المناطق الريفية تحديًا مستمرًا يمكن مواجهته على أفضل وجه عبر استخدام مصادر الطاقة الخضراء والمتجددة. هذا يتطلب استثمارات كبيرة من شركات الطاقة، التي ترغب في نهاية المطاف في ضمان حصولها على عائد لاستثماراتها. يمكن لهذه الشركات، عبر الخدمات الرقمية، خفض تكلفة تقديم الخدمات، وتقديم خطط الدفع حسب الاستخدام، مما يضمن حصول الشركات على الإيرادات بسرعة. إنه أمر حتمي لخدمة الملايين من الأسر ذات الدخل المنخفض، والتي قد تُحرم من الوصول إلى هذه الخدمات بسبب وضعها المالي.
يعد التوسع في الصناعات الصغيرة في البلدان الفقيرة أمرًا ضروريًا لتمكينها من النمو والوصول إلى أسواق جديدة، مما سيجلب المزيد من الأموال إلى اقتصادها، ويزيد وتيرة التوظيف إجمالًا. لذلك، فالحصول على تصنيف ائتماني، وسجلات مدفوعات، وطرق آمنة وسهلة لإرسال الأموال إلى الموظفين والموردين وتسلمها منهم، يساهم في تطوير قدر أكبر من الشمول المالي الرقمي. كما يمكن أن يساعد هذا في الحد من الاحتيال، ويسمح للمؤسسات الصغيرة بالوصول إلى التمويل الذي تشتد الحاجة إليه، حيث يمكن التحقق بسهولة من درجة الملاءة، وبالتالي تتمكن هذه المؤسسات من تسلم الأموال بسهولة.
وفقًا للإحصاءات، سيعيش 60٪ من سكان العالم في المدن بحلول عام 2030، مما يمثل تحديًا كبيرًا أمام تقديم خدمات عادلة ومستدامة في وقت ينصب فيه التركيز بشكل كبير على تقديم الخدمات الصديقة للبيئة، في محاولة للحد من انبعاثات الكربون في ضوء تحديات التغير المناخي. فمن الممكن أن يمثل تقديم خدمات مثل النقل والإسكان تحديًا، وبصفة خاصة للمواطنين الذين ليس لديهم سجل ائتماني ولا يمكنهم استخدام طرق التمويل التقليدية. لذلك، يمكن للمدفوعات الرقمية أن تتيح للعديد من المدن معالجة هذه الفجوات، عبر توفير قروض عقارية رقمية صغيرة، لمساعدة أولئك الذين يتطلعون إلى الحصول على سكن، مما يسهل على الناس الاستثمار في الإسكان. كما يمكن معالجة الازدحام المتفاقم في المدن عبر تحصيل رسوم المرور إلكترونيًا لتقليل حركة المرور، وأتمتة تحصيل المدفوعات، والمساعدة في تقليل الازدحام على الطرق. كما يمكن تجهيز وسائل النقل العام بسهولة بأنظمة رقمية لدفع الأجرة؛ لتحسين تقديم الخدمات. كل ما سبق سيجعل المدن أكثر أمانًا واستدامة وشمولية.
يمكن أن يساعد إدخال بدائل الدفع الرقمية في جذب الجمهور لاختيار البدائل الأكثر كفاءة في استخدام الكربون، وهو أمر ضروري إذا كنا ننوي مكافحة التغير المناخي. كما يمكن أن يساعد الوصول إلى الائتمان والادخار والتأمين الرقمي الفقراء في التخفيف بشكل أفضل من مخاطر الكوارث المناخية، والسماح للناس بالاستثمار في استثمارات صديقة للبيئة، قد تتجاوز إمكاناتهم المالية.
توفر التكنولوجيا الرقمية أيضًا المزيد من الشفافية في استخدام الأموال العامة، وهو أمر ضروري لمساءلة الحكومات، والمساعدة في إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصادات. سيوفر هذا قيود معاملات قابلة للتدقيق، وهي ضرورية في مكافحة الفساد الذي ابتليت به البلدان الفقيرة لعقود.
سيسمح التمويل الرقمي بمزيد من الشمول على جميع مستويات المجتمع، وذلك ضروري لتوفير الخدمات لعدد متزايد من سكان المناطق الحضرية، كما أنه ركيزة أساسية للوصول إلى هدف تحقيق مدن أكثر استدامة. أعتقد أن الشمول المالي ركيزة أساسية ستساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.