كيف تعمل الدول بشكل متزامن استعدادا للثورة الصناعية الرابعة؟
يعتقد البعض بأن تعدد الأطراف في مسألة ما قد يفسدها تماما، بينما يؤمن البعض الآخر بأن العبرة ليست بكثرة العدد ولكن بنجاح هذا العدد الكبير في العمل سويا بكفاءة، بحيث يسير الجمع وفق نسق محدد ويعمل كل منهم بالتزامن مع الآخر، وبالحديث عن دولة جنوب أفريقيا، فهل يمكن أن تنجح في المضي قدما تحت مظلة الثورة الصناعية الرابعة!
في شهر مارس من العام 2018 أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا عن نيته لإنشاء لجنة مختصة بمناقشة آليات الاستعانة بالتقنيات الرقمية في الصناعات المختلفة، وذلك من أجل أن تصبح بلاده على أهبة الاستعداد لمواجهة التطورات التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة في العالم.
كما ركز رامافوزا في خطابه الرسمي أيضا في يونيو 2019 على ضروة تعبئة جميع قطاعات الدولة كي تعمل معا بصورة متزامنة بهدف التماشي والتكيف مع الثورة الصناعية الرابعة، ومن هذا المنطلق بدأت العديد من الكيانات المستقلة في الظهور والاستعداد للمستقبل كمنظمة الثورة الصناعية الرابعة في جنوب أفريقيا 4IRSA، والشراكة بين كل من شركة تليكوم جنوب أفريقيا وجامعة ويتووترسراند.
هذا إلى جانب بعض الجامعات الأخرى كجامعة جوهانسبرج وجامعة فورت هير، كما نجحت منظمة الثورة الصناعية في عقد شراكة مع بعض مؤسسات القطاع الخاص من أجل إجراء بعض المباحثات حول آليات مواجهة التحديات المستقبلية في ظل الثورة الصناعية القادمة.
ومن الكيانات التي انبثقت عن الحكومة أيضا في ذات السياق، المنتدى الاقتصادي الدولي والذي تم تأسيسه تحت إشراف الهيئة المختصة بالأبحاث الاقتصادية والعلمية ووزارة التعليم العالي.
ومن ناحية أخرى فقد قامت مؤسسة ماكينزي وشركاه المتخصصة في مجال الاستشارات الإدارية بعمل دراسة تفصيلية عن تأثير الثورة الصناعية على دولة جنوب أفريقيا، كما تم طرح العديد من المبادرات المعنية بهذا الشأن أيضا.
ويتمثل الدور الذي تمارسه اللجنة الرئاسية المعنية بالثورة الصناعية الرابعة PC4IR في تحديد ودراسة الآثار والنتائج المتوقعة وتحقيق الاستفادة القصوى من التطورات التقنية التي تفرضها المرحلة الجديدة، وسوف يتم طرح الرؤية النهائية للجنة بحلول عام 2020
وتحذو جنوب أفريقيا حذو الدول الأخرى في وضع استرتيجية خاصة بها استعدادا للثورة الصناعية القادمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، ففي عام 2017 قامت كل من كندا وسنغافورة بطرح التصورات والخطط الاستراتيجية الخاصة بهما عن كيفية الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المستقبل، وفي عام 2018 طرحت كل من الهند وألمانيا ايضا الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي.
وتم تقسيم العمل في اللجنة الرئاسية بين ست قطاعات مختلفة يتولى كل منها مهمة بعينها، وتتمثل مهمة القطاع الأول في إعداد البنية التحتية الرقمية وتوفير المصادر من أجل خلق المزيد من الفرص الاقتصادية والاستثمارية تحت مظلة الثورة الصناعية، ويركز القطاع الثاني على المهام البحثية والابتكار وكيفية تطوير المؤسسات البحثية في الدولة تماشيا مع المستقبل.
كما تهتم بعض القطاعات الأخرى بدراسة الأبعاد الاقتصادية المحتملة للثورة الصناعية على المجالات المختلفة بالدولة كالتعدين والسياحة والدفاع والقطاع المالي أيضا وتقديم بعض التصورات المستقبلية عن كيفية النهوض بتلك المجالات وإمكانية خلق مجالات جديدة أيضا.
ولم تغفل اللجنة الرئاسية عن تخصيص قطاع مكلف بتنمية الموارد البشرية والاهتمام بتطوير التعليم، حيث يجب أن تكون الأيدي العاملة على درجة كافية من الكفاءة استعدادا للمستقبل.
ومن ناحية أخرى فهناك قطاع هام يركز على إمكانية إجراء بعض التعديلات على النصوص القانونية والإطار العام لسياسة الدولة تماشيا مع التحديات الجديدة التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة.
وكي تتمكن الدولة من إقرار الاستراتيجية الوطنية الخاصة بها والمعنية بالثورة الصناعية الرابعة، لابد أن تعمل جميع القطاعات بصورة متزامنة ومتكاملة، فمن الخطأ مثلا أن يقوم كل من القطاع الحكومي والصناعي باستباق الأمور والإعلان عن استراتيجية خاصة دون انتظار الرؤية الشاملة للجنة الرئاسية المختصة.
وعليه فلابد من وضع صيغة للعمل المشترك والتنسيق بين القطاعات المختلفة بالدولة كي تتمكن اللجنة الرئاسية من أداء مهمتها بنجاح، الأمر الذي سوف ينعكس بالإيجاب على كافة الأصعدة في المستقبل كالمجالات التعليمية والاقتصادية وغيرها، مما يساعد على خلق المزيد من فرص العمل والنهوض بالدولة.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا