تمكنت موسكو خلال الآونة الأخيرة من تحقيق تقارب ملحوظ مع شركة هاواوي الصينية المتخصصة في صناعة التكنولوجيا، وذلك بعد أن تم إدراج الأخيرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوروبية على القائمة السوداء في إطار الحرب الاقتصادية التي قامت واشنطن بشنها ضد بكين. تلك الخطوة التي يمكن قراءتها في ضوء المساعي الروسية نحو الاستفادة من الخبرات والمهارت الصينية بهدف جني المزيد من الاستثمارات.
وقال فلاديمير روبانوف المدير التنفيذي لشركة روسبلاتفورما الروسية لتكنولوجيا المعلومات “هواوي هي أكبر شركة تكنولوجية في الصين. الصين صديقة لروسيا ، لذلك من المنطقي أن تلعب هواوي الآن دورًا رائدًا في هذه الصداقة”.
وخلال العام الماضي، استطاعت هاواوي تحقيق العديد من الإنجازات في روسيا، والتي شملت تطوير شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس إلى رفع مبيعات الهواتف الذكية. كما تحرص هاواوي على المضي قدما في النهوض بمستوى البحث العلمي والعمليات التنموية في روسيا، إلى جانب عقد شراكات مع عدد من الجامعات الروسية.
وفي الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات الصينية الغربية، فقد نجح العملاق الصيني في تزويد الاقتصاد الروسي بقاعدة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية كما أتاح ذلك للمختصين في مجال التكنولوجيا من الروس اكتساب المزيد من المهارات الصينية الجديدة.
وأثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لمدينة سانت بيترسبورغ في يونيو الماضي، وقعت شركة Huawei اتفاقًا مع شركة الاتصالات الرائدة MTS الروسية لتطوير شبكة 5G في البلاد. ونجحت الشركتان بالفعل في إطلاق أول منطقة اختبار لشبكات الجيل الخامس في موسكو خلال الشهر الماضي فقط.
وفي الثامن من أكتوبر الماضي، أعلن نائب رئيس مجلس إدارة شركة هاواوي، كين هو، أن الشركة تسعى إلى تعزيز عمليات التطوير الخاصة بشبكات الجيل الخامس في روسيا وذلك من خلال رصد ميزانية تصل إلى 500 مليون روبل فيما يعادل 7.8 مليون دولار من أجل تدريب نحو 10 آلاف من المتخصصين على مدار السنوات القادمة.
وقد نجحت هاواوي في تنصيب نفسها كلاعب أساسي في سوق مبيعات الهواتف في روسيا، حيث أفادت الدراسة التي أعدتها المجموعة البحثية M.Video-Eldorado, بأن هاواوي والعلامة التجارية الفرعية التابعة لها Honor قد تمكنا من التفوق على مبيعات شركة سامسونج خلال الربع الأخير من العام 2018 . وقد وجدت دراسة قام بإعدادها نفس الفريق البحثي أن Huawei و Honorيستحوذان فعلياعلى نسبة 37% من السوق.
كما أفادت بعض التقارير بأن نجاح هواوي في أسواق الهواتف الذكية في روسيا يعزو في الأساس إلى استثماراتها الضخمة في العلامة التجارية Honor والتي تمكنت من استقطاب المستهلكين الروس من خلال تقديم هواتف عالية الجودة وبأسعار لا تقبل المنافسة، والتي عجز منافسو هواوي بالفعل عن الوصول إليها.
ورغم تعرض هواوي لكثير من العقبات في الأسواق الأمريكية، وذلك بعد مزاعم إدارة ترامب بأن الشركة الصينية تمارس بعض عمليات التجسس، فعلى النقيض من ذلك نجد أن تلك الاتهامات لم تلق اهتماما من قبل الحكومة الروسية على الإطلاق، بل إن هاواوي ينظر إليها في روسيا أيضا باعتبارها شركة تحترم القانون، ولا دليل على صحة الاتهامات الموجهة إليها أبدا.
وقد أشار عدد من الخبراء في روسيا إلى أن خصوصية البيانات الشخصية بطبيعتها ضعيفة ومعرض للاختراق في أي وقت، وبالتالي فلا داع للاعتقاد بأن مستخدمي أجهزة هواوي تحديدا في خطر.
وقد أعرب الكرملين عن مستوى محدود من القلق بشأن مخططات وآفاق دولة الصين، وهي الحليف الاستراتيجي الأقوى لروسيا، فإذا كان الأمر يتعلق بتجسس الصين على المستخددمين الروس فقد يكون لأمريكا إذن السبق في هذا المجال. وهناك مزحة شهيرة في روسيا تقول: إذا كنت من مستخدمي أجهزة أبل فسوف تتجسس أمريكا عليك، وإن كنت من مستخدمي هواوي فسوف تتجسس الصين عليك، فأيهما تختار إذن!
ويعتقد بعض الخبراء بأن التوتر المتزايد بين واشنطن وبكين قد دفع هواوي نحو استخدام روسيا كقاعدة للابتكار. وقد أعلنت هواوي في أغسطس الماضي بأنه سوف تضاعف حجم موظفيها في مجالي البحث والتطوير في روسيا خلال السنوات الست القادمة، كما ستقوم بافتتاح ثلاثة مراكز للأبحاث وعمليات التطوير بنهاية عام 2019 مما سيجعل روسيا بمثابة الموطن الثالث لعمليات البحث والتطوير الكبرى التي تتم خارج حدود الأراضي الصينية.
وبحسب ما أوردته صحيفة إيزفستيا الروسية، فإن هواوي تعمل على تعزيز تعاونها مع عدد من الجامعات التقنية وغيرها من المؤسسات البحثية في روسيا، وذلك من خلال دعوتها للمشاركة في المشروعات المشتركة والقيام بتمويل الأبحاث العلمية التي يتم إجرائها في المجالات المعنية من قبل الشركة الصينية.
قال ديمتري كوميساروف ، الرئيس التنفيذي لشركة نيو كلاود تكنولوجيز ، إن الأيدى العاملة الماهرة في روسيا كان الحافز الأقوى لمساعدة هواوي على الحفاظ على ريادتها في الأسواق العالمية، ودعمها في كفاحها ضد الضغوط المتزايدة من الغرب.
وقد نجحت هاواوي في اجتذاب الكفاءات الروسية بفضل مواردها المالية الضخمة، فقد عمدت في هذا السياق إلى توظيف عدد كبير من المختصين في مجال تكنولوجيا المعلومات ومضاعفة رواتبهم.
ويمكن تلخيص جوهر ما تخطط له هاواوي في روسيا في قيام الشركة برصد ميزانية ضخمة لتدريب المواطنين الروس على كيفية استخدام التقنيات المتقدمة ومنحهم فرصة للمشاركة في تطوير المنتجات على نطاق عالمي. وبالتالي سيتمكن أولئك المتدربين في يوم ما من الاستفادة من مهاراتهم عند قيامهم بإنشاء مشروعاتهم الخاصة، مما يعمل على استمرار مسيرة دعم التكنولوجيا في روسيا على المدى الطويل.
ويتوقع الخبراء أن استمرار هواوي في إحراز نجاحات في روسيا سيأتي على حساب الشركات الأمريكية المنافسة، وذلك انطلاقا من استراتيجية هواوي التي عمدت إلى الاستغناء عن السوق الأمريكية من خلال إيجاد العديد من البدائل الأخرى وتأتي روسيا في المقدمة بالطبع.
ولعل ذلك ما سيدفع الشركة الصينية نحو تعزيز حجم استثماراتها في الأسواق الروسية بهدف تدمير البنية التحتية للشركات الأمريكية في روسيا، وهو نوع من الضغوط الاقتصادية أكثر منه من الناحية السياسية على الجانب الأمريكي من أجل محاولة تعديل المناخ الاقتصادي العالمي.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا