المدراء التنفيذيون اكثر طمعاً من اصحاب الشركات
هل أخطأ ميلتون فريدمان في نظرياته الاقتصادية؟ يرى البعض أن الخبير الاقتصادي الشهير ميلتون فريدمان قد ارتكب خطأ فادحا حينما قام بوضع نظرية أصحاب الأسهم أو “shareholder theory” باعتبارها قد أعطت الضوء الأخضر للشركات الكبرى من أجل انتهاك حقوق المستهلكين. وخلال الاجتماع الذي عقد مؤخرا بحضور الرؤساء التنفيذين للشركات العالمية الكبرى، أجمع الحضور على أنه يجب تغيير الرؤية والأهداف العامة للشركات، والتي كانت تركز في الأساس على تحقيق المصلحة العليا لأصحاب الأسهم، فقد وجدوا جميعا أنه من الأحرى أن يكون هدف كل شركة هو خدمة المنتفعين وأصحاب المصلحة، كالموظفين والعملاء والمواطنين بوجه عام. وعلى الرغم من أن البيان الذي تمخض عنه الاجتماع يبدو إيجابيا إلى حد كبير، إلا أنه لن يدفع الشركات نحو تغيير آلية العمل الخاصة بهم، فجميع النظريات الزائفة التي تتحدث عن الصالح العام قد ثبت كونها مجرد افتراضات نظرية تبتعد كل البعد عن الواقع العملي والتطبيق، وحقيقة الأمر فإن السبيل الوحيد لإجبار الشركات الكبرى على العمل في خدمة الصالح العام هو إخضاعها للمساءلة القانونية. وبالعودة للحديث عن نظرية أصحاب الأسهم أو “shareholder theory” التي تنسب في الأساس إلى الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل، فإنه يمكن القول بأن المدير التنفيذي للشركة ما هو إلا موظف لخدمة أصحاب الأسهم وبالتالي فهو يعمل في الأساس على زيادة العائدات والأرباح الخاصة بهم، وفي حال رغبته مثلا في تقديم بعض التبرعات لأحد البرامج الخاصة بمحاربة الفقر، فإنه يحصل على الأموال اللازمة لذلك من خلال رفع الأسعار على المستهلكين وخفض أجور العاملين أو تقليل نسبة الربح لاصحاب الأسهم، أي أنه يقوم بفرض نوع من الضرائب غير المباشرة على الآخرين من أجل تحقيق أهدافه، ولعل الحل الأفضل هو إتاحة الفرصة للجميع كي يقرروا ما يفعلون، سواء التبرع لصالح الأعمال الخيرية أو غيرها وليس إجبار الناس على شئ لم يخططوا له من الأساس. وقد أصبحت نظرية فريدمان بمرور الوقت من أشهر النظريات الاقتصادية لأنها تعد بمثابة المنقذ بالنسبة لأصحاب الشركات من السقوط في هوة المسائل الأخلاقية كما يمكن اعتبارها بمثابة ضمان لعدم تعرضهم للنقد العام، ولكنها في الوقت نفسه قد أدت إلى فقدان الثقة في المدراء التنفيذين للشركات الكبرى حيث عمدت إلى التقليل من الدور الذي يقومون لصالح خدمة المجتمع والمسئوليات العامة، وقد شهدت بورصة وول ستريت أبرز الدلائل على ذلك حيث سيطر عليها مبدأ أحادية التفكير من أجل تحقيق الأرباح. ولكن فيما يبدو أن نصوص فريدمان قد شابها بعض التناقض إلى حد ما، فقد عارض ترحيب المدراء التنفيذين بمبدأ مراقبة الأسعار والأجور وهي السياسة التي كان الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في طريقه نحو تطبيقها، حيث قال فريدمان إن تلك السياسة قد تضر بالاقتصاد بوجه عام، وعليه فقد رأى بأنه رغم تمتع أصحاب الشركات بنظرة ثاقبة في الأمور المتعلقة بأعمالهم ومصالحم الخاصة، إلا أنهم يفتقرون تماما لتلك النظرة فيما يتعلق بالعمل العام وخدمة المجتمع. ومن الأمور التي كان يجب أن يضعها فريدمان في حسبانه أيضا هي إمكانية تحايل الشركات الكبرى على الحكومة من أجل سن بعض القوانين الجديدة التي تقوض تأسيس الشركات الناشئة وبالتالي فكلما أصبحت البيئة التنافسية أكثر محدودية كلما زادت فرصة الشركات الكبرى لجني المزيد من الأرباح، فإذا كان الغرض الأساسي من ممارسة الأنشطة التجارية هي التربح فقط، فإن الأمر قد يشمل إذن إمكانية استخدام النفوذ السياسي للقضاء على مبادئ السوق الحرة التي نادى بها فريدمان. ووفقا للأطروحات التي جاء بها فريدمان، فإن هناك العديد من السبل غير المشروعة التي قد تمكن الشركات من تحقيق أكبر قدر من الأرباح، والأمثلة كثيرة ولاحصر لها، فهناك مثلا شركة فيسبوك التي لجأت إلى انتهاك خصوصية عملائها طمعا في المزيد من الأرباح، وشركتي جوجل وتويتر التي حصلت على المزيد من الإعلانات من خلال تمرير الخطابات التي تبعث على الكراهية، وشركات التبغ والتقنيات الحديثة والتي تعمل على تقديم منتجات تدفع الأطفال نحو الإدمان، ويعتقد فريدمان أن المشكلة الأكبر تكمن هنا في قدرة هذه الشركات على استغلال نفوذها في الكونجرس من أجل منع سن القوانين التي قد تحظر قيامها بالأعمال غير المشروعة والتي تعد المصدر الأهم بالنسبة لهم لتحقيق أكبر عائدات ممكنة. وربما أخطأ فريدمان حين قال أن المدير التنفيذي هو مجرد موظف لدى أصحاب الأسهم، فهو حقيقة من يمتلك السيطرة الأكبر على الشركة وليس المساهمين بها، فحملة الأسهم هم أصحاب تعاقدات لدى الشركة نظير الحصول على حصة من الأرباح كما يمتلكون حق التصويت على بعض القرارات، ولكن المدير التنفيذي يمتلك من النفوذ ما قد يمكنه من الإطاحة بأحد أصحاب الأسهم في حال اقتراح الأخير قيام الشركة بتمويل بعض الأعمال الخيرية، وبالتالي فإنه قد يبدو ظاهريا أن المدير التنفيذي ما هو إلا موظف عادي لدى الشركة إلا أن حدود سلطته تفوق ذلك بكثير. ولعل النقطة الأهم التي جاءت بها نظرية فريدمان هي أن أصحاب الأعمال عادة ما يفتقرون إلى التوجه الصحيح حول كيفية استثمار الأموال في خدمة الصالح العام، وعليه فقد لا تكون تلك النظرية ضمانا كافيا لمنع الشركات من ممارسة الاحتكار والاستغلال، فالحل الأمثل إذن هو سن القوانين الرادعة.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا