أطل علينا الكاظمي في مؤتمر صحافي مطول بعض الشيء الثلاثاء الماضي المصادف 7/6/2022 بتفاصيل متعددة ومتشعبة، ويمكن أن يتوقف المراقب عند كل فقرة ، ويناقشها، ليكتشف المفارقات بين ما تحدث وبين الواقع الحقيقي ،ولكن ما استوقفني دون غيرها هذا المقطع من كلامه “احتياطنا في البنك المركزي كان قريب الـ 50 مليار دولار وبعد سنتين من عمر هذه الحكومة اصبح الاحتياطي 76 مليار دولار وهو اسرع نمو في تاريخ العراق “.
ولا أعتقد أنَّ المصلحة العليا للبلد تستوجب كشف الاحتياطي النقدي للبلد بهذه الصورة ،وكأننا في مهرجان انتخابي تنافسي، وقد اعتبر الامر على أنه نمو اقتصادي و زاد في الوصف ليؤكد أنه أسرع نمو في تاريخ العراق !.
وهي مغالطة تاريخية ومغالطة اقتصادية في الوقت ذاته ..
في المغالطة التاريخية نعود الى بداية السبعينيات من القرن الماضي حيث بلغ الفائض الاحتياطي من جراء زيادة اسعار النفط واستقرار الانتاج العراقي ولنمو بعض الصادرات الاخرى أنذاك ارتفاع احتياطي البنك المركزي يفوق الرقم الذي ذكره السيد الكاظمي في مؤتمره الصحافي، وهنا لا أُريد (مدح ) سياسة النظام السابق لأنه فرط بكل المدخرات بعد ذلك على المستوى الآني، وعلى المستوى البعيد أيضا.
أما المغالطة الاقتصادية فإنها جاءت بحصر التنمية بزيادة احتياط الدولار في البنك المركزي والذي جاء لأسباب معروفة يستطيع رصدها المتتبع البسيط لمجريات الامور، كما أنها لا تمر هذا المرور السريع على ذهنية الخبراء الاقتصاديين فيما يتعلق بمعنى النمو الاقتصادي للبلد، وهذا التفسير للنمو الاقتصادي ينم عن أُمية بالاقتصاد، وأُمية بالسياسية ومصالح البلد الستراتيجية حينما يتم التصريح بهذه الطريقة …
ولعلي أُشبه هذه الزيادة في الاحتياطي لدى الحكومة بحال رب الأُسرة الذي قرر تقليل المصروف اليومي(الخرجية) لاولاده الى ربع القيمة وبعد سنة جمع أولاده ليبشرهم أنه استطاع أن يغتني هذا العام بامتلاكه مبلغًا كبيرًا من المال وتناسى أنَّ أولادَهُ قد حُرموا من كل شيء، لأنَّ مصروفهم كان يكفيهم بالكاد لشراء بعض احتياجاتهم ،فكيف والحال وقد قللَّه الى الربع!؟ ، كما إنَّه لم يلتفت الى معاناة الابناء ولا الى ما قاموا به لسد احتياجاتهم جراء قراره الظالم بحقهم .
ما فعلته الحكومة يشبه قرار هذا الأب مع أن ما تدفعه للموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة هو حق الخدمة التي يقدمونها يوميًا خلال ساعات العمل، وببساطة فإنَّ ما فعلته الحكومة هو تقليل القيمة الحقيقية لرواتبهم من خلال تقليل سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار ،وبهذه العملية كسبت الحكومة الدولارات، حيثُ تبيعُ النفطَ الخام بالدولار، وتعطي الموظفَ أو تنفق بالدينار العراقي فاستطاعت أن توفر من جراء ذلك ،حيث أنَّ نفقات الحكومة انخفضت كثيرا بعملية حسابية واحدة، ثم جاء ارتفاع اسعار النفط عما هو مثبت في الموازنة ليعطي الحكومة فرصة أُخرى لزيادة الاحتياط، كما أنَّ الديون الخارجية قد أُطفئت ومنها الديون التي كان من (الواجب تسديدها) لدولة الكويت ،فلم تكن العملية نموًا حقيقيا وإنما جاءت نتيجة اجراءات تضرر منها المراطن البسيط لتقل لديه القدرة الشرائية أولا، ويقل لديه الدخل السنوي ثانيا، وهو ما يعتبر خللًا في النمو الاقتصادي لأي بلد ،والنمو لا يقاس بهذه الطريقة إطلاقًا.
إنَّ النمو الاقتصادي يظهر من خلال ارتفاع الدخل السنوي للمواطن، ويظهر من خلال توفر فرص العمل أو خلق فرص عمل جديدة ، ولا يقاسُ النمو بهذه الطريقة الانية، بل تكون وفق دراسة تعدها المؤسسات التي تكلفها الحكومة، أو لنقل وفق الخطة التي يعدها المستشارون الاقتصاديون والماليون ومن ثم (يتوقعون ) من خلالها أنَّ يكون هناك نموًا اقتصاديًا بالظروف الطبيعية .
لقد تمسك الكاظمي بمفردة واحدة ليسجل بأنه أسرع نمو في تاريخ العراق! والحقيقة أن النمو الاقتصادي لأي بلد لا يمكن قياسه بهذه الطريقة إطلاقًا ويعتبر ذلك تدليسًا للحقائق كما إنَّ الواقع لا يقنع المواطن البسيط الذي وجد أن ديناره لم يعد قادرا على استحصال نفس العدد من أرغفة الخبز قبل تولي الكاظمي رئاسة الحكومة، وإنَّ ديناره لم يعد ذلك الدينار الذي يقوى به على تدبر معيشته كما كانت من قبل .
ولنعد الى مفردة ( أسرع نمو في تاريخ العراق) ولنرى ماهذا النمو الذي سجله المراقبون فهو لم يكن نموا بقدر ما هو تأخر وتباطئ وانحدار في الاقتصاد العراقي حيث ارتفع معدل البطالة وارتفع معدل التضخم وارتفعت نسبة الفقر بحسب بيانات الوازارات العراقية المختصة وأعني بذلك وزارتي التخطيط ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
ولم يبين لنا الكاظمي في مؤتمره الصحافي معنى (أسرع نموًا في تاريخ العراق) ولا أعلم من زوده بهذه المعلومة هل هي وزارة المالية أم البنك المركزي، وينبغي أنْ تكون هذه المعلومة من أسرار الدولة هذا إن صحت، أو نعتبرها زلة لسان أُخرى أعتدنا عليها في المؤتمرات الصحفية للمسؤولين العراقيين.