انفجر الربيع الذي جاء خارج زمنه في ببروت!
الربيع المتأخر هو افضل ما يوصف به وضع بيروت اليوم. بيروت لم تصنع ثورة يوماً، تبنّت كل ثورات العالم. صنعت نجوم الثورات من يابانيي الجيش الاحمر الى ألمان بادر ماينهوف الى زعماء الثورة الفلسطينية الى كل ثائرٍ في العالم الاّ ثورتهم الحاصة.
بيروت منصّة الثورات وليست ارضٌ للثورة هذا ما يقوله التاريخ القديم والحديث.
ما يحصل اليوم في بيروت هو انفجار شعبي واسع كنت قد حذّرت منه منذ العام ٢٠١٧ في اكثر من مئة دراسة ومقالة ومقابلة اعلامية. اذكر فقط بما قلته عند بدء مناقشات ضرائب الموازنات المتلاحقة رابط مقالة تفاهات على بوابات جهنم
البلد لن يقلع. هل تعلمون لماذا؟ لأن الناس ستتحول إلى السلبية وإلى الاضطرابات وإلى التخريب المتعمد، ليس لأن الناس سيئة بل لأنهم لن يقبلوا استهبالكم لهم. الناس تعرف بالسليقة أين مشكلة البلد واين مشكلة الاقتصاد. الناس ترى انكم تهددون ارزاقها وانتم تحمون المصالح الكبرى في القطاعين العام والخاص. فأذا كان رب البيت بالطبل ضاربٌ فما على اهل البيت إلاّ… رقص الشوارع
لنا ان نحترم وجهة النظر التي تقول ان لبنان مستهدف، ولكن هذا لا يلغي الاسباب الداخلية للإنفجار الشعبي. لم يكن كلام الوزير الاميركي بومبيو على درج وزارة الخارجية وتهديد لبنان بالجوع اذا استمر في تغطية حزب الله كلاماً عبثياً يعبر عن تمنّي قدر ما عبر عن سياسة اميركية تستفيد من العطب الكبير الذي اوصل الفساد والاستهتار البلد له.
هناك استهداف اميركي معلن، وهناك سوء اداء سياسي واقتصادي ومالي يخدم هذا الاستهداف. كان واضحاً مع وصول الادارة الاميركية الجمهورية عام ٢٠١٦ ووضعها حزب الله على لائحة العقوبات المالية ان لبنان بات في دائرة الاستهداف الكبير. لكن شيئاً لم يتغيّر في اداء الطبقة السياسية.
بالمقابل هناك المشروع الاوروبي المتمثل بخطة مؤتمر سيدر، وهو صمم لأيجاد مخرج وسطي بين الضغط الاميركي الاقصى وبين تعقيد الوضع اللبناني الذي يمكن ان يؤدي به الى انهيار بناه الاقتصادية وسقوط البنية السياسية وانزلاق البلد نحو فوضى عارمة تكشف البحر الاوروبي على مزيدٍ من اللاجئين وتعطي فرصة مجانية لحزب الله لفرض سيطرة الامر الواقع على لبنان.
لكن المشروع الاوروبي حمل في طياته بزور القضاء على الهيكل السياسي الحاكم للبنان: اصلاحات ومشاريع مصممة لشق اوتوستراد للبنوك الدولية لشراء القطاع المالي وتمويل شراء الموارد الاستراتيجية للبلد. لم يكن احداً مستعد للتنازل من اجل مشروع يهدف الى “تزليط” الطوائف على المدى البعيد تحت جناح انقاذها على المدى القصير.
لم يكن هناك بالطبع استعداد للانصياع للامريكي ولا لتسهيل المشروع الاوروبي وذلك قد يكون مفهوماً. ما ليس مفهوماً هو كيف تصرفوا بكل هذه الخفة والنكايات السياسية والاستهتار المالي والشرعنة الثقافية للفساد “على عينك يا تاجر” في ظل عظيم المخاطر المحيطة.
تنقسم القوى الطائفية اللبنانية اليوم على مستويين:
1 مستوى الاندماج-العداء للمشروع الاميركي في المنطقة
2 مستوى الاندماج-الحذر من المشروع الاوروبي.
في ظل انفجار الشارع يراهن كل فريق على تحويل الانفجار الى مكاسب تبعاً للانقسامين اعلاه. الناس كالماء؟ نعم لا بدّ ان تجد نقطة تخترق منها الصخر وتنفجر، ولكن من سيحدّد مجاري الماء بعد انفجارها؟
في ظل كل هذا التعقيد تعمل القوى الداخلية والخارجية على حفر قنوات لمسارات الماء بعد الانفجار, ََََبعض هذه المسارات مصممة منذ مدة وتنتظر اللحظة الحرجة.
الناس تنتفض في لبنان غضباً ولكن….
هذه ليست ارض ثورات والارجح انها ارض اكثر صلاحية للمؤامرات والغرف المغلقة. وقد تكون الفوضى احد الخيارات الان لدى اطراف متناقضة فلا احد قادر على حل الازمة، لأن الفساد بنية وليست سياسة، بنية عجنت البلد ثلاثين عاماً ولم يستطع احد مواجهة هذا الغول. لا احد قادر على وقف زحف الفقر والانهيار الاقتصادي. الرقص على حبال جهنم مهنة يحترفها اللبنانيون.
للإشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا