شهدت العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته السابقة توتراً محموماً، حيث كان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قد انتهج سياسة نقدية لا تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي أو زيادة البطالة. ومنذ تولي باول ارتفع سعر الفائدة 3 مرات خلال عام 2018، وهو ما لم يرق للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وجّه انتقادات لرئيس الفيدرالي.
فالرئيس الأميركي الذي كان دائما ما يتغنى بالنمو الاقتصادي خلال فترة ولايته، وهو يريد تحقيق نمو أكبر، وهي سياسة لقيت معارضة من إدارة مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي خوفاً من ارتفاع التضخم. وكان ترامب حينها قد بدأ حملته الانتخابية لإعادة ترشحه لولاية ثانية، لذلك فإنه كان يطمح إلى إنهاء ولايته الأولى عبر تسجيل تقدم اقتصادي يرضي ناخبيه ومؤيديه. وقال الرئيس الأميركي تعليقاً على هذا القرار إن “جيروم باول خذلنا كالعادة”.
بين النمو الاقتصادي والتضخم
هذا ويعتبر استهداف معدل التضخم في الولايات المتحدة من أبرز سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في استقرار الأسعار عند مستوى 2%. إلا أن ما بدأ يتسرب هو أن مستشاري الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يناقشون نهجا جديدا وخطيرا في التعامل مع السياسة النقدية، وإذا ما طُبق هذا النهج خلال الولاية الثانية لترامب، فإنه سيؤدي إلى إلغاء عقود من الزمن والعمل الشاق، الذي مكن الاحتياطي الفيدرالي من خفض التضخم السنوي بنحو أربع نقاط مئوية منذ عام 2022، أي ما يقرب من 3%، دون إلحاق أي ضرر بالاقتصاد الحقيقي.
وفي خبر على مجلة “Project Syndicate” نشر بتاريخ 8 آذار (أغسطس) قيل إن مستشاري الرئيس ترامب يدرسون مشروع إدخال تعديلين سياسيين يكمل أحدهما الآخر، وإن أحد المقترحات يتضمن زيادة السيطرة الرئاسية المباشرة على قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة ووضع القواعد التنظيمية. وعليه، فإن احتمال أن يقوم ترامب في تسييس البنك يشغل أذهان الكثيرين من المحللين والمراقبين.
ولكن من المعهود أن رؤساء الدول عادةً، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية ومسؤولي إداراتهم لا يعلقون على السياسة النقدية حتى عندما يعتقدون أنها خاطئة. ولكن إن ما قام به ترامب سابقاً وما هو محتمل أن يقوم به مستقبلاً يعتبر خروجاً عن القاعدة. ورغم أن البنوك المركزية قد تضطر أحيانا أن تفعل أشياء غير محبوبة وتتخذ قرارات غير شعبوية، ولكن بطبيعة الحال لا يعني أن أيٌّ من البنوك المركزية مصيباً دائما أو يجب أن يكون محصَّنا من النقد. ولكن ما يدعم مسؤول الاحتياطي الفيدرالي في قراراته هو كم من المعلومات الداخلية حول الأسواق المالية التي تتيح له تحديد اتجاهات سياسته النقدية.
وكباقي الأعراف الأخرى التي تعدى ترامب عليها هو التهديد بإقالة رئيس الفيدرالي، فتاريخ الوكالات المستقلة مثل الاحتياطي الفيدرالي تشير إلى أن استقلاليتهم تعتمد على العادات والتقاليد بدلاً من القوانين الراسخة، رغم أن الدستور الأميركي واضح بشأن قدرة رئيس الجمهورية على تعيين المسؤولين.
استقلال البنك المركزي
وبطبيعة الحال، فإن قضية استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تمثل قضية رئيسية، علماً بأن ترامب أو حملته الانتخابية لم يتخذا موقفًا رسمياً بشأن الحد من استقلالية الاحتياطي الفيدرالي إذا أعيد انتخابه، ولكن طرح بعض مستشاري ترامب أفكارًا حول التغييرات المحتملة في المصرف الاحتياطي الفيدرالي، والتي من شأنها أن تمنح الرئيس المزيد من السلطة على الاحتياطي الفيدرالي. وتتمثل السلطة المباشرة للرئيس الأميركي على الفيدرالي في تسمية أشخاص معينين لملء المناصب الشاغرة في مجلس المحافظين وتعيينهم في مناصب رئيسية، بما في ذلك رئاسة تلك الهيئة.
وتفصيلا، يتولى المحافظون فترة ولاية مدتها 14 عامًا، بينما يخدم رؤساء بنك الاحتياطي الفيدرالي فترة مدتها أربع سنوات. وجميعهم أعضاء في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وهي مجموعة صنع السياسات التي تحدد أسعار الفائدة. وتنتهي فترة ولاية باول كرئيس في عام 2026 (بدأت عام 2018)، وفي حال أعيد تعيينه واستمر في منصبه لفترة جديدة مدتها أربع سنوات كرئيس، فستنتهي فترة ولايته كمحافظ في عام 2028. وبالتالي سيكون لدى الرئيس المنتخب ترامب فرصتين مقررتين لتسمية أعضاء في مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي، في عامي 2026 و2028.
ولا شك إن استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي عن النفوذ السياسي يعتبر على نطاق واسع حجر الزاوية لإطار عمل مستقر وموثوق للسياسة النقدية، ويسمح هذا الاستقلال لمصرف الاحتياطي الفيدرالي باتخاذ القرارات على أساس البيانات الاقتصادية والتفويض المزدوج للبنك المركزي – تعزيز التشغيل الأقصى واستقرار الأسعار – بدلاً من الضغوط السياسية. كما إن استقلال الاحتياطي الفيدرالي أمر ضروري للحفاظ على السيطرة على التضخم، ودعم الثقة العامة في العملة، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
وإذا كان لا يتمتع رئيس الولايات المتحدة بالسيطرة المباشرة على قرارات السياسة التي يتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي، فهناك طرق غير مباشرة يمكن للرئيس من خلالها ممارسة النفوذ. على سبيل المثال، يمكن لتصريحات الرئيس العامة أو انتقاداته أو حتى تهديداته فيما يتعلق بقرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي أن تخلق ضجيجًا في السوق وقد تؤثر على الرأي العام، وقد ينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي والأسواق لا سيما منها النامية أو تلك التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي، وهنا أيضاً مكمن الخطورة في الأمر.
رابط المقال الأصلي : اضغط هنا