شهد العالم خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين العديد من الحروب وأهمها الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والثالثة في الشرق الأوسط منذ العام 1948 وما زالت مستمرة تحطم العالم بظلها الدفين ، والرابعة في جنوب شرق أسيا التي بدأت في الخمسينيات حتى اليوم والتي ترسو على تايوان الصين أمريكا والحرب الدائرة بين كل من روسيا وأوكرانيا. ولا تخلو الممرات البحرية من صقيع الحرب فهي تشكل قاعدة أساسية، إذ كُل من الدول يريد أن يضع لهذه الممرات قانونا خاصاً يسنده إلى دستوره وفي الواقع إنّ هذه الممرات تشكّل عبّارة الإقتصاد على صعيد الملاحة البحرية.
إنّ الهدف الرئيسي من تلك الحروب هو السيطرة على النفط ومنابعه، وإستخدامه كسِلاح في وجه المُنافسين ، إلى جانب أهداف أُخرى إستراتيجية ترتبط بإستحقاقات أعادت بناء النظام الدولي لفترة ما بعد الإتحاد السوفييتي وظهور ما يُعرف بظاهرة العولمة. فرأت الإدارة الأمريكية في نفط المنطقة مصدراً مُتاحاً لأنه الأقل كِلفة على المستوى العالمي، لذلك تخلت عن الذهب كإحتياطي لعُملتها وأصبح الذهب الأسود (النفط) أهم دعائم سعر صرف العملة الأمريكية. بإعتبار الدولار العملة المعتمدة في سوق النفط العالمي الذي يُتيح للخزينة الأمريكية طبع وطرح ما تشاء من أوراق نقدية دون غطاء، وعليه فإن الإقتصاد الأمريكي حاضر في كل صفقة نفطية تُعقد في العالم.
من هنا نرى أهمية ما تسعى إليه إسرائيل التي تُشكل قاعدة أساسية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، إذ توثق علاقتها مع الدول الخليجية ليكون لها يد مباشرة في النظام الإقليمي الخليجي، لتسرّب عملية التطبيع للجسم العربي وتجعل الحركة الصهيونية جزءاً منه، فتُحول بذلك السوق العربية وخاصة الخليجية إلى محطة عبور الترانزيت لبضائعها وصناعاتها. أما على صعيد الثروة النفطية؛ فالنفط الخليجي هو نفط قريب من إسرائيل ورخيص، فعندما تتم عملية التطبيع على كافة الصُعد يسهل الحصول على تلك الثروة بأسعار رخيصة.
ولم يكن إهتمام الحركة الصهيونية بالخليج العربي وشؤون الخليج وليد الحاضر بل كان منذ فترة الشاه بهلوي ما بين الخمسينات والستينات من القرن الماضي حيث كان يقدم لهم النفط مقابل الدعم السياسي لنظامه القمعي، بالإضافة لإستخدامهم الأراضي الإيرانية من كرمنشاه على الحدود العراقية الإيرانية لمد الحركة الكردية بالسلاح والدعم السياسي والإداري والتنظيمي، وبعد سقوط الشاه أصبحت خطوط الطاقة تعاني من مشاكل، لذلك وضع الصهاينة دول الخليج تحت المجهر بإعتبارها كانت تلعب دوراً كبيراً في مساندة المقاومة الفلسطينية التي كانت تُشكل خطراً كبيراً على إسرائيل.
حينها عمدت إسرائيل إلى تقديم مُقترح للكونغرس الأمريكي تحت عنوان أبار النفط كأهدافٍ إقتصادية وعسكرية في نوفمبر / تشرين الثاني من العام 1975 ، مؤلفة من 15 إلى 17 صفحة إستُعرِضت للنقاش؛ وهي خطة صهيونية لإحتلال شريط النفط من الكويت إلى مسقط عام 1975، ففي تلك الفترة كان هناك حظر نفطي من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على الولايات المتحدة الأمريكية، وطرح الصهاينة مقترحًا يقتضي بعدم ترك الطاقة بيد العرب لذلك كانوا مستعدون لإحتلال تلك الأراضي.
وكان القرار الذي إتخذه أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للنفط في تشرين الأول/ من العام 1973، الذي أدى إلى فرض حظر نفطي على الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة نُقطة تَحوّل تاريخية على الرغم من رفع الحظر المفروض على الولايات المتحدة في مارس / آذار من العام 1974. فبعد أن إزدادت أهمية النفط الإستراتيجية والسياسية والجيوسياسية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية بسبب الإستعمال الجديد لها في المجالات الصناعية والإقتصادية والتجارية والعسكرية، كان هدف الدول الصناعية الحصول على النصيب الأكبر من الإحتياطات النفطية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ما جعل هذه المادة مادة الذهب الأسود وذلك بعد سيطرة الدول الإستعمارية وبروز المشروع الصهيوني الذي كان يسعى وراء نفط الشرق الأوسط. ففي العام 1967 إحتلت إسرائيل وفي ستة أيام فقط صحراء سيناء والجولان السوري وقطاع غزة والضفة الغربية ومزارع شبعا اللبنانية، وعلى أثرها إنعقد مؤتمر الخرطوم في شهر أغسطس / آب من العام نفسه بين الدول العربية لتوحيد جهودهم ضد إسرائيل وكل من يدعم المشروع الصهيوني وعلى رأسهم الولايات المُتحدة الأمريكية ، وخرجت القمة بمقررات توحيد الجهود العربية، وعدم الصلح مع إسرائيل أو الإعتراف بها والتمسك بالقضية الفلسطينية وإستخدام سلاح النفط . وكان رواد هذه القمة حينها الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” والملك السعودي الراحل ” فيصل بن عبد العزيز آل سعود” اللّذين تصالحا بعد الخلاف على الأزمة اليمنيّة؛ -التي إندلعت في 26 سبتمبر / أيلول من العام 1962 على أرض اليمن ، عندما دعم جمال عبد الناصر الأحرار بالثورة من أجل إستلام الحكم بينما دعمت السعودية الملكيين للعودة الى الحكم- فنشبت حرب أكتوبر / تشرين من العام 1973 بين كل من مصر وسوريا ضد إسرائيل لإستعادة الأراضي المُحتلة، وبعد أن بدأ الحظر العربي للنفط ضد الدول التي ساندت حينها إسرائيل في الحرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، قامت منظمة دول أوبك برفع سعر برميل النفط بنسبة 70 % بالمئة، وخفضت الإنتاج بنسبة 5% بالمئة أي بإنتاج أقل ، وتم أيضاً تأميم الشركات الأجنبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإرتفع سعر النفط بنسبة 36% بين عامي 1973 و 1974.وسرعان ما زار وزير الخارجية الأمريكية “هنري كسنجر” الملك “فيصل” في العام 1974 وطالبه بوقف الحظر وربط النفط بالدولار على السعر المتزايد بدلاً من أي عملة أُخرى وأقنع دول منظمة “أوبك ” بإعتماد الدولار كعملة موحدة ، ليتم إستثمار العائدات النفطية في سندات الخزينة الأمريكية ؛ أي تسليم عائدات النفط لخزينة الولايات المتحدة الأمريكية مقابل تأمين الحماية لمنطقة الخليج العربي.
وشهدت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك نقصاً حاداً في مواد الطاقة نتيجة الحظر، لأنها كانت تعتمد بشكل كبير على النفط العربي، وإتجهت الى سياسة التقنين، وتم تسريح حوالي 250 ألف عامل، وتحديد السرعة للسيارات، فإرتفعت أسعار السلع وإزداد العجز في الميزان التجاري الأمريكي .
كما شهدت الدول الأوروبية في أواخر العام 1974 أزمة حادة في الطاقة حيث أدت إلى توقف المصانع، وشُلت حركة النقل، وفرضت كل من فرنسا وهولندا على مواطنيها إستخدام الدراجات والأحصنة في التنقلات وإرتفعت أسعار السلع في الدول الأوروبية، وإنخفضت قيمة عملاتها، فشهدت مرحلة من التضخم وإنتشار البطالة، مما جعلها تقف على الحياد فتراجع دورها في الشرق الأوسط .
كما قطعت اليابان علاقتها مع إسرائيل لأنها كانت تعتمد على نسبة 80 % بالمئة من النفط العربي والإيراني، وبعد أن شهدت تضخم وبطالة وتراجع في قيمة الأسهم اليابانية إلى النصف .
وإنتقلت الأزمة الى الدول النامية وأثقلت الديون إقتصاداتها بسبب تراجع الدول الصناعية عن طلب المواد الأولية، وإرتفاع أسعار النفط، فقطعت معظم الدول الأسيوية والإفريقية علاقاتها الودية مع إسرائيل، وأقامت علاقات سياسية وإقتصادية مع العرب.
وإذا قرأنا التاريخ جيداً نرى أن الأمر لم يكن متوقفاً على ديمومة الحظر العربي للنفط عن الدول الأوروبية والعالمية في تلك الفترة، بل علينا أن نلقي نظرة شاملة لنجد أن خطورة الأمر كانت موصولة بتلك الإكتشافات النفطية الهائلة التي طورها السوفييت في منطقة الفولغا والأورال خلال الفترة من العام 1955 الى العام 1960 فعندما أصبح الإتحاد السوفييتي ثاني أكبر مُنتج للنفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية، هنا بدأت المنافسة بين شركات النفط العالمية في ظل الفائض الإنتاجي الكبير حيث كانت الشركات النفطية السوفييتية تبيع نفطها بأسعار تصل إلى نصف سعر نفط الشرق الأوسط الرخيص أصلاً.
من هنا عملت الولايات المتحدة الأمريكية على عرقلة إمدادات النفط السوفييتية الى الدول الأخرى وخاصة الأوروبية منها، ومنعت حدوث أي إتفاق لشراء النفط السوفييتي حتى لو تطلّب الأمر إغتيال من يسعون لذلك أو لمثل تلك الإتفاقيات. وهذا ما فعلته مع رئيس شركة إينيا الإيطالية في العام 1962 والذي كان يعمل على مد خط أنابيب لضخ النفط الروسي إلى دول أوروبا الشرقية ومنها هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا.
وكان الإتحاد السوفييتي قد بدأ بالدخول الى الشرق الأوسط منذ منتصف الخمسينيات، وكثّف وجوده في منتصف الستينيات، ومنذ ذلك الوقت أصبح منغمساً في الصراع على النفط ، فبدأ يخوض معركته ضد الدول ولكن الولايات المتحدة كانت متطمئنة إلى إمتلاكها ورقة أخيرة وهي الردع النووي- يمكن بها ردع السوفييت عن التمادي في المنطقة للمحافظة على مصالح الأمريكية الإستراتيجية والعسكرية- إلاّ أنّ المتغيرات التي حدثت في السبعينيات والتحديات التي واجهها الغرب أضفت على الإستراتيجية الأمريكية بعض التعديلات الجوهرية، فقد هُزمت الولايات المتحدة الأمريكية أمام الفيتناميين، الأمر الذي جعل مركز الدول الغربية يُصاب بنوع من الإنتكاسات، فرأت شعوب المنطقة المقهورة في هذه الإنتصارات خطوة في إضعاف تلك الدول والولايات المتحدة، كما أن الأنظمة المحسوبة على الخط القومي والعلماني كالعراق ومصر وسوريا قد كثفت علاقاتها مع الإتحاد السوفييتي على المستوى السياسي ومستوى التسلح والتجارة ومن ثم جاءت الطفرة الكبرى في أسعار النفط إثر حرب العام 1973 وتحرير دول أوبك من هيمنة الشركات النفطية العالمية في تحديد أسعار المشتقات النفطية ، ودخول السوفييت إلى أفغانستان في العام 1979 ،إضافة إلى الثورة الإسلامية الإيرانية ، مما أدى إلى إدخال تغييرات جوهرية على الإستراتيجية الأمريكية النفطية في المنطقة حيث عملت على رفع مستوى التعاون والتنسيق مع أنظمة الدول النفطية وخاصة المملكة العربية السعودية والعراق بإتجاه إغراق السوق بالنفط وتجميد منظمة أوبك .
ولا بدّ من ذكر الدوافع التي دفعت العرب إلى رفع بطاقة الحظر النفطي حيث لم تكن الأسباب سياسية فحسب بل تدخلت في عجلة الإقتصاد، فكانت تلك الدول تُعتبر دولاً فقيرة تسيطر عليها شركات نفط بريطانية وأمريكية تسمى الأخوات السبع “Mobile oil, Standard, Esso,Gulf, Bp , Texaco” وهي مهتمة بإستخراج النفط وتصديره، وبالنسبة للأرباح التي تعطيها لدول الخليج لم تكن عادلة ولكن بعد الحظر تغير كل شيء، وتقلصت نفوذ تلك الشركات وإستطاعت الدول المصدرة للنفط من رفع أسعار النفط إلى 4 أضعاف، وفي تلك المرحلة صرفت المملكة العربية السعودية ما يقارب ملياري دولار لشراء أجهزة وأسلحةٍ حديثة لتطوير الجيش، ودفعت السعودية 2,3 مليار دولار للدول المواجهة لإسرائيل أي سوريا ومصر والأردن بالإضافة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكل ذلك أدى لأن يكون الملك “فيصل بن عبد العزيز آل سعود” الزعيم العربي الأبرز لدرجة أن “مجلة تايمز” البريطانية وضعت صورته على مغلفها وإختارته رجل العام 1974 ونشرت عنه مقالاً تحت عنوان الملك “فيصل والنفط يقودان بإتجاه نظام عالمي جديد “Faisal and oil driving toward a new world.
إن هذه الحروب قاعدتها الأساس إستمرارية الثورة الصناعية وتهافت الدول للحصول على المركز الأول بعد تسلمها عصا سحرية تشمل الموارد الطبيعية، ليدير صاحبها العالم بقوتها وأن تأثيرات التغير في طرق الصناعة ما زالت مستمرة حتى الآن ودليل ذلك هو البترول، حيث ذكر باحثون في دراسة نشرتها جامعة تورونتو للصحافة في العام 2018 أن إعتماد الإنسان في كل أموره تقريبًا منذ بداية الصناعة كان على الفحم، وعن طريق الفحم يستطيع أن يحرك كل شيء بدايةً من السكك الحديدية، ووسائل التدفئة في المنازل. إلى أن ظهر البترول في بداية الأربعينيات على الساحة، وبدأت مشتقاته تنتشر، وبدأ إستخدامه في تشغيل المحركات.
وكما ذكرت الدراسة أن التحول من الفحم إلى البترول ليس له سبب معين مفهوم؛ حيث أن كل دراسة كانت تضع أسبابًا مختلفة، ولكن الإجابة الأشمل ذُكرت في كتاب: «الفحم والبترول والغاز الطبيعي» للكاتب الفرنسي برنارد دورند فذكر أن البترول ومشتقاته لم توفر بديلاً للفحم فحسب، ولكنه في ذلك الوقت كان هو البديل الحي الذي أسهم في توفير عمال المناجم وعمليات الإستخراج الصعبة للفحم، وإستبدالها بشركات وتجارة إستغلها بعض رجال الأعمال الذين أقاموا شركات البترول الخاصة بهم.
وذكر برنارد أيضًا أن القلة القليلة التي عرفت أن البترول هو المستقبل أصبحوا أغنى أغنياء العالم في ذلك الوقت، مثل جون روكفلر الذي أسس شركة (إستاندرد أويل) الأمريكية في ولاية نيوجيرسي، وهو ما جعله أحد أغنى أغنياء العالم ، وكان هذا هو أول وقت يظهر فيه للجميع أن الثروات الطبيعية هي المستقبل، فبادرت الدول لإنشاء شركات البترول التي تشتريها أو تشارك فيها، وفي فترة الستينيات إتضح الأمر للجميع، وبدأت الدول تبحث عن البترول وتسعى لتكريره، وأصبح أهم من الذهب في دول كثيرة.
وأدى هذا الأمر إلى ظهور حروب وصراعات متعددة مثل الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا في أزمة الصواريخ الكوبية حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من خطوط نقل النفط في كوبا، وكذلك ظهرت حروب الخليج الأولى والثانية في الثمانينات والتسعينيات، وأيضًا الصراع الأمريكي الإيراني المستمر الذي بدأ بالبترول ووصل إلى المجال النووي.
ومؤخرًا تأثر سعر برميل النفط بسبب فيروس كورونا، حيث أثبتت الدراسات أنّ سعر البرميل إنخفض ما بين العام 2019 والعام 2020 بنسبة 85 %، وكذلك الأزمات الحادثة ما بين دول منظمة الأوبك بلس المصدرين للنفط الذي يقوم على خفض أو زيادة معدلات الإنتاج النفطية يوميًا وما تحدده المنظمة لكل دولة تؤدي إلى حدوث خلافات بين الدول.
وإذا نظرنا أيضاً إلى مادة الفوسفات نجد أنها مادة كيميائية لها إستخدامات كثيرة من أهمها إنتاج حمض الفوسفوريك حيث يدخل هذا الحمض في التعدين وعمليات التصنيع الحربي وصناعة الكبريت والنسيج، كما أن هذه المادة تُستخدم في صناعة الأسمدة الزراعية، وقد تستخدم في الكشف عن المواد المشعة، وجميع هذه الأمور ترفع من قيمة مادة الفوسفات مما يعزز إقتصاد أي دولة تمتلك مناجم الفوسفات.
وفي العام 2018 ظهرت أخبار الصراع بين روسيا وإيران على الفوسفات في الأراضي السورية، حيث وقّعت وزارة النفط السورية عقود تعاون مع شركة روسية تعدينية (ستروي ترانس) ، وتخوّل هذه العقود الشركة في التنقيب عن الفوسفات في مناجم مدينة تدمر السورية وإستخراجه لمدة خمسين سنة، لكن تبعه الرفض الإيراني حيث قامت الدولتان بإرسال قوات لحماية مناجم الفوسفات في تدمر، حيث أرسلت إيران قواتها في المنطقة، وأرسلت روسيا فرقة من الجيش تسمى “قوات النمر” التي حذرت إيران من إستخراج أي شيء من مناجم الفوسفات وإلا سيتم إستخدام القوة.
ولكن إيران رفضت الإنصياع وأخرجت حمولة من مناجم الفوسفات، مما أدى إلى تنفيذ القوات الروسية التهديد، وقامت بضرب الحمولة وإستولت على جميع المناجم وطردت الجيش الإيراني منها تمامًا، وبدأت في إستخراج الفوسفات بحسب العقود المبرمة، وهذا ما أكدته وكالات الإعلام الروسية (RBC) والإيرانية (فارس).
وفي دراسة للكاتبين السوريين “عزام العلاف” و”عزام سعيد” تم نشرها في معهد الجامعة الأوروبية في العام 2020 ذكرت الدراسة الإهتمام الروسي بالفوسفات السوري، ويرجع تاريخه للخمسينات حيث كشفت البعثات الروسية آنذاك عن وجود كميات كبيرة من الفوسفات في الأراضي السورية، ومنذ ذلك الوقت
إهتمت روسيا بتوقيع عقود شراكة عديدة مع سوريا في هذا المجال، وبعد الأحداث السورية صارت هذه العقود بسعر منخفض جدًا، فالعقد السابق بين روسيا وسوريا نَص على أن حق الإنتفاع الذي يمتد خمسين سنة يكون مقابل تسوية ديون سورية عند روسيا.
ومن ناحية أخرى حاولت إيران عام 2021 عقد صفقات مع سوريا مشابهة للصفقة الروسية أَملاً في تعويض خسائرها في الحرب على الإرهاب الذي ضرب سوريا وبالمقابل تعهدت طهران بزيادة الدعم العسكري لدمشق .
وقد يتساءل البعض: عن حدوث صراع على ثروات بلد شتته الحرب منذ سنوات مثل سوريا أمرٌ طبيعي، فالأمر ليس مختصًا بالفوسفات على سبيل التحديد، ولكن ذُكر في كتاب [الصحراء الغربية الحرب والقومية والصراع غير القابل للحل] للكاتب “ستيفن زينوس” والكاتب “جايكوب مندي” تاريخ أحد أقدم الصراعات في أفريقيا عندما إنسحبت القوات الإسبانية من الصحراء الغربية والمغرب في العام 1975 بعد سيطرة دامت 91 سنة.
وكان المغرب قد أعلن أحقيته في هذه المنطقة الصحراوية منذ العام 1957 م ، وظهرت فيها قوات في العام 1973م تسمى بقوات البوليساريو المُشكلة من السكان الأصليين للمنطقة، وطالبوا بأحقيتهم في الأرض مما أدى إلى أن أعلنت المحكمة الدولية بعد أن إنسحبت القوات الإسبانية بأحقية السكان الأصليين في تقرير المصير.
ولكنّ الملك “الحسن الثاني” ملك المغرب في ذلك الوقت، رفض قرار المحكمة وأعلن عن المسيرة الخضراء التي كانت تهدف إلى تحرك للآلاف من الأسر المغربية ناحية الصحراء المغربية للسكن والعيش فيها مما كان سيمهد لسيطرة المغرب على المنطقة، وأدى ذلك إلى قيام حرب بين البوليساريو والقوات المغربية إستمرت 16 ستة عشر عامًا حيث تمسكت قوات البوليساريو بقرار المحكمة الدولية وأعلنت عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في العام 1976، ثم قامت القوات المغربية بإنشاء الجدار الرملي وهو حاجز رملي على مساحة كبيرة يؤمّن المناطق المهمة المغربية في هذه المنطقة ويمنع من وصول أي شخص لها.
وهنا يظهر دور الموارد حيث إن هذه الأراضي المهمة بالنسبة للمغرب ما هي إلاّ مناطق غنية بالثروات الطبيعية ومن أهمها مناجم الفوسفات التي تحتل مساحات مهولة من الصحراء الغربية، بالإضافة إلى أن هناك عدة دراسات تقرر بوضوح وجود النفط تحت هذا الفوسفات إلا أنه لم يتم إكتشافه بعد، وهذا وفقًا لعدة دراسات مثل دراسة “توبي شيلي” من جامعة بوسطن في العام 2005، ودراسة جيفري سماث من جامعة ماكغيل في العام 2015.
إن الجمهورية الصحراوية تحظى بدعم وإعتراف عدة حكومات كما أنها إنضمت للإتحاد الأفريقي من العام 1984 م، ويستعد المغرب الآن للإعتراف بهذه الدولة بشرط أن تبقى تحت السيادة المغربية، ولكن الجمهورية الصحراوية تنادي بالإستقلال التام.
وهناك العديد من الموارد التي يقوم عليها الصراع، وفي دراسة تابعة للمعهد الألماني للأبحاث العالمية والإقليمية قام بها الباحثان الألمان “كارلو كوس” و”ماثياس بيسدو” لطرح سؤال مهم وهو هل أنّ وجود اليورانيوم في أراضي بعض الدول يؤدي إلى وجود صراعات أهلية؟ وإستشهد الباحثان ببعض الدول الأفريقية مثل الكونغو حيث جمعت قبائل منطقة الكاتانغا أنفسها وقررت الإستقلال عن الدولة منذ العام 1960م، ومنذ ذلك الحين هم في حالة حرب مع الكونغو، وسبب ذلك أن هذه المنطقة زاخرة باليورانيوم الخام.
وكذلك في المنطقة الحدودية بين ناميبيا وجنوب أفريقيا، نجد أن الصراع إستمر من العام 1966 م ، حتى العام 1990 م بسبب مطالبات قبائل ناميبيا بالإستقلال، ولم يكن هذا الصراع سوى حرب أهلية قبل إعلان ناميبيا دولة مستقلة، وكانت مناطق الصراع في مناطق اليورانيوم ومناطق المناجم الخاصة بالتنقيب عنه.
*إذن فهو أحد أسباب الصراع الناميبي للإستقلال عن جنوب أفريقيا بسبب الإحتلال البريطاني والعنصرية السائدة في تلك المنطقة، حتى تم إعلان إستقلال ناميبيا والإبتعاد عن جنوب أفريقيا.*
وبالنسبة للحروب العنصرية في الثمانينيات في جنوب أفريقيا، فنجد أن مناطق الصراع المحتدم والمسلح في ذلك الوقت سواء في الصراعات الأهلية أو الصراع مع بريطانيا كانت على مناطق محاطة باليورانيوم، والتي أصبحت الآن ملك حكومة جنوب أفريقيا.
ونرى ثورات قبائل الطوارق في المنطقة الصحراوية بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، وتحديدًا أراضي النيجر الزاخرة باليورانيوم مما جعلها مستميتة في محاربة الطوارق وإعادة إحياء الحرب مرة في التسعينيات ومرة بعد العام ألفين، والمشكلة ليست في الصراع على الموارد حيث أصبح أمرًا عاديًا، ولكن الفكرة هي في إستغلال المنتصر لهذه الموارد.
فعلى سبيل المثال لو ظهرت جزيرة في البحر ثم تنافست قبيلتان ( أ _ ب) على هذه الجزيرة، وإستطاعت القبيلة (أ) السيطرة على تلك الجزيرة الغنية بعنصر اليورانيوم، فإن (أ) ما زالت مجرد قبيلة لا تملك أي إقتصاد قوي أو أي أموال تتمكن به من إستخراج اليورانيوم التي تسيطر عليه، وفي الوقت نفسه فإن القبيلة (أ) تحتاج إلى بيع اليورانيوم حتى تحصل على المال، فهذه إذن حلقة مفرغة يصعب الخروج منها.
وفي هذه الحالة قد تقوم القبيلة (أ) بالإستعانة بدولة متقدمة تطلب منها إستخراج اليورانيوم مقابل المال، وقد يتم الإتفاق على هذه الصفقة فترة خمسين سنة، وبالطبع فإن الدولة المتقدمة سوف تستغل الوضع حتى تحقق العديد من المكاسب الأخرى، وقد تطلب هذه الدولة من القبيلة (أ) أن تعطي جزءًا من الأرض للقبيلة (ب)، وتضطر القبيلة (أ) إلى قبول هذا الشرط.
وخلاصة الأمر أن الأفراد يحاربون بعضهم بعضًا للإستحواذ على الموارد الطبيعية ثم بيعها لبلاد غريبة مقابل المال، واليورانيوم هو من أهم هذه الموارد *الذي إن وُجد في* دولة فإنها تمتلك سيادتها وقوتها في منطقتها مهما كانت السياسات أو الصراعات الدائرة.
إن الموارد غير المتجددة يبني الإنسان عليها قوته ونفوذه، ولذلك فإن وجود هذه الموارد يزيد من قوة صاحب الأرض الموجودة فيها، وعدم وجود هذه الموارد يؤدي إلى مزيد من البحث عنها لإيجادها وإستخدامها لمن يدفع المقابل لها، وفي كلتا الحالتين فإن أصحاب الأرض الفقراء هم الخاسرون؛ لأن الحرب على الموارد هي حرب أهلية كبيرة ليست حربًا بين القبائل في البلد الواحدة، ولكنها حرب الإنسان ضد نفسه على الطبيعة، فتكون النتيجة هي الخسارة للجميع.
وهكذا الحال اليوم في غزة النائمة على كنز طاقة متمثل بإحتياطي غاز ضخم مما جعلها فريسة تلتف حولها ضباع العالم وتجار الحروب. وغاز غزة الوجه الآخر في الحرب فهي حرب طاقة إذ رأى العالم بها وعلى رأسها القارة العجوز التي تفتقد للطاقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية بديلا لغاز روسيا، ومخرجاً من أزمات إقتصادية تعصف في القارة.
هي حرب نشبت على أنها حرب الدفاع عن النفس لتؤكد التقارير أن ما حصل ما هو إلا شماعة إستخدمتها إسرائيل لتقضم المزيد من الأراضي وتبتلعها إن إستطاعت. والقضية بدأت منذ العام 1999 م حين إكتشف أول حقل للغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية من خلال شركة بريتش غاز.
وقد وجد في هذه الفترة حقلان يحتويان على أكثر من ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي العالي الجودة والتي تقع على بعد 17 إلى 21 ميلاً بحرياَ من سواحل غزة؛ أي ضمن مياهها الإقليمية المعترف بها دوليا ضمن إتفاقية أوسلو، وبموجب الإتفاقية نفسها يعود للسلطة الفلسطينية وحدها التصرف بها، ولكن بموجب إتفاقية باريس من العام 1994 م والمُلاحقة لأوسلو فإن الفلسطينيون يحتاجون لموافقة إسرائيل على أي إتفاق إستثماري أو تجاري .
بالإضافة لسيطرة إسرائيل على خط أنابيب النفط والغاز الذي سينطلق من الأراضي الفلسطينية عبر البحر بطول 2000 كيلو متر وسيصل لأربع دول أوروبية منها البلقان ووسط أوروبا، وسيطرتها على باب المندب والذي يمر عبر مصر والسودان وأرتيريا وإثيوبيا والصومال ومن الجهة الثانية المملكة العربية السعودية واليمن بالإضافة للأردن أي السيطرة على شرايين الوصل بين تلك الدول. ونرى بذلك أن إسرائيل قد ربطت الشرق الأوسط بإفريقيا ، وسيطرت على ميناء عدن الذي يتمتع بأهمية إستراتيجية، وعلى جزيرتي صنافير وتيران .
وتَعمد إلى الرد على الحزام والطريق الصيني ، فتربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط ، حيث تخرج السفن التجارية من موانئ الهند نحو دول الخليج ثم عبر سكك حديدية طويلة تصل إلى الأردن فتكون نقطة العبور إلى ميناء حيفا ، ومن هناك تنطلق السفن نحو 3 موانئ أوروبية في اليونان وإيطاليا وفرنسا مما يؤدي إلى تخفيض كلفة النقل بين الهند وأوروبا وتصبح الحركة التجارية أسرع بنسبة 40% بالمئة.
أخيراً :
هل يحق للدول الكبيرة ما لا يحق للدول الفقيرة والمستضعفة ؟
ولماذا أُوجدت المحاكم العالمية ك محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية والمحاكم الإقليمية والمحلية إذ كان العدل غائباً والشعوب مُستغلةً والإحتلال مستمراً في كافة أوجهه؟!
وهل هي مُصادفة بأن نجد الحروب والصراعات والإقتتال وعدم الإستقرار حصراً في الدول الغنية بالثروات الطبيعية والباطنية ؟
ولماذا وافق العرب على دولرة النفط إبان الصراع العربي الإسرائيلي؟
ولماذا لم تُوقف كل من ليبيا والعراق لتصدير النفط إبان حرب تشرين والعدوان الثلاثي لا بل زادتا من إنتاج النفط لتعويض الأسواق؟
وهل يجب تحميل المسؤولية دائماً للغرب والولايات المتحدة الأمريكية وشركائهم ، بدلاً من أن نحمل المسؤولية لأنفسنا وأمتنا المتقاعسة والغائبة ؟
وهل الحرب على غزة هي حرب على الجغرافية أم لإستكمال المشروع الإقتصادي الكبير الذي يربط الهند بالشرق الأوسط بأوروبا عبر إسرائيل!؟
إن السنوات العشرين القادمة تحمل في طياتها الكثير من التطورات يبدو وأنها ستكون معظمها سلبية إن كان على الصعيد الاقتصادي أو التكنولوجي أو المالي ،أو الجغرافي، أو الأمني، أو الثقافي، بما يؤشر إلى صراعات دولية خطيرة حتى على مستوى الوجود الانساني وهنا يكمن السؤال:
هل سيكون هناك خلال ٢٠ سنة القادمة في منطقة الشرق الأوسط لتركيا وإيران دور يتخطى حدودهما الجغرافية والسياسية والاقتصادية ليطال أيضا التأثير الديني ومرجعيته على الشرق الأوسط وغيرها كدول وسط آسيا وأفريقيا ؟.
٢. هل سيتمكن اليهود في إسرائيل والعالم من تحقيق الحلم التوراتي بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى ليكتمل المثلث ؟!