“الاقتصاد العالمي في تباطؤ مستمر.. وقد أدرك الجميع الآن الفرق بين بناء الثروة واستخراجها”
استضاف برنامج “غلوبال كونفرزايشن” المذاع على تليفزيون يورونيوز، الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل ، جوزيف ستيغلتز، والذي تحدث عما يشهده العالم حاليا من تباطؤ ملحوظ في حجم الاقتصاد، مشيرًا إلى أن القادة والسياسيين في جميع أنحاء العالم قد أدركوا مؤخرًا الفرق بين بناء الثروة واستخراجها.
وبسؤاله عما إذا كانت الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت دول عدة مثل فرنسا ولبنان وتشيلي، خلال الأشهر القليلة الماضية اعتراضاً على السياسات الاقتصادية، هو دليل على فشل الرأسمالية في تحقيق أهدافها. أجاب ستيغلتز بأن الرأسمالية التي يشهدها العالم حاليا تحتلف كليا عما كانت عليه منذ 40 عام تقريبا. فقد تسببت الرأسمالية الحالية في تفشي حالة من عدم المساواة والتي باتت سائدة في شتى أنحاء العالم. وبالنسبة لدولة مثل شيلي، فعلى الرغم من أن أدائها الجزئي كان جيدا جدا إلا أنها كانت واحدة من أكثر الدول التي تعاني من اللامساواة الفجة، الأمر الذي ولد حالة من السخط الشعبي.
وأضاف ستيغلز بأن العالم بات الآن في حاجة ملحة إلى إبرام عقد اجتماعي جديد بين كل من السوق والدولة والمجتمع المدني، وبالطبع فإن الرأسمالية ستكون شاهدا على ذلك العقد، ولكن ليس ذاك النوع من الرأسمالية الأنانية المنفتحة التي تقوم على رفع قيمة المساهمين إلى الحد الأقصى دون الالتفات إلى ما قد يترتب على ذلك من عواقب اجتماعية. ولعل ذلك ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط من حيث اللامساواة ولكن الوجه القبيح من الرأسمالية قد تجلى في صور عدة أيضا، كأزمة نقص المواد الأفيونية “المخدرة”، والاستغلال الواضح من قبل شركات الأغذية والذي تسبب في المقام الأول في ارتفاع نسب الأطفال المصابين بالسكر. وهناك أيضا بعض الشركات التي تنكر أي وجود لأزمة المناخ مثل إيكسون، وشركات السجائرالتي تزعم بأن السجائر لا تضر الصحة. وما إلى غير ذلك من الأمثلة التي تدور جميعها في فلك الانعدام الأخلاقي.
وبالحديث عن مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماركون بإعادة صياغة قواعد الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، أشار ستيغلتز إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في الوظائف، فقد كان الآمال معلقة على إمكانية تحقيق معدل تضخم أقل من 2% بحيث يتراجع مستوى العجز إلى 3% ويصل حجم الدين إلى 60% من إجمالي الناتج المحلي، مما يحقق النمو الاقتصادي المنشود. ولكن ما حققته أوروبا حاليا هو الركود. وبالتالي فإن ماكرون عليه الاعتراف بأن هذه السياسة غير مجدية على الإطلاق.
كما لفت ستيغلتز إلى أن الأزمة الحقيقية التي يعيشها العالم حاليا، تتمثل في التباطؤ الملحوظ للاقتصاد العالمي. فهناك تباطؤ في اقتصاد الصين والتي طالما كانت المحرك الاقتصادي الأقوى في العالم. وما تشهده الولايات المتحدة من تباطؤ يخالف كل الوعود التي قدمها ترامب للشعب الأمريكي. إلى جانب التباطؤ أيضا في ألمانيا. ولعل حالة التخبط التي يعيشها العالم حاليا قد وجدت في الأساس بإيعاز من حروب ترامب التجارية التي شنها ضد الصين، مما أثر سلبا على الوضع العام للاقتصاد العالمي.
وأكد الخبير الاقتصادي على أن الجميع خاسرون في هذه المعارك الاقتصادية، فقد تهاوت مزاعم ترامب حينما ادعى بأنه واثق من الفوز. ولعل ذلك قد بات واضحا من حيث فشل واشنطن في التوصل إلى اتفاق نهائي مع بكين على مدار 3 سنوات. ولازالت المحادثات تدور فقط حول مسألة “اتفاقية المرحلة الأولى” إلا أن حالة الغموض التي تسيطر على مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين ومن ورائها مستقبل العالم أجمع، يراها البعض ناجمة في الأساس من عدم ثقة الرئيس الصيني في نظيره الأمريكي، فهو على يقين بأن الثاني قادر على خرق أي اتفاق .
أما عن أزمة المناخ، فقد أكد ستيغلتز الذي ترأس اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، على حتمية الانتقال نحو اقتصاد أكثر إخضراراً، وذلك تجنبا للهدر الناجم عن الكوارث الطبيعية، فالولايات المتحدة مثلا تفقد سنويا ما يقارب 2% من الناتج المحلي سنويا بسبب الفيضانات وحرائق الغابات. مشيرا إلى أنه تم التوصل خلال اجتماعات اللجنة إلى أن الارتفاع الذي تشهده درجات الحرارة لا يجاوز الدرجتين، وبالتالي فإن التكاليف ستكون متواضعة وهذا أمر جيد بالنسبة للاقتصاد الذي يشهد تباطؤ خلال المرحلة الحالية.
وبسؤاله – ختاماً- عن توقعاته بالنسبة للانتخابات الأمريكية القادمة، قال ستيغلتز بأن الرئيس القادم للولايات المتحدة سيكون على الأرجح واحد من المرشحين الديمقراطيين البارزين، وبخاصة أن معظم استطلاعات الرأي ليست في صالح ترامب.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا