ألابرزإقتصادازمة لبنانالاحدثالاكثر قراءة

رياض سلامة يُحَضِّر للمفاوضات الشاقّة على مُستقبَل قَنَواتِ المال في بيروت

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

بفارق سنة تقريباً، كرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة توقّعه أن المشكلة تنتهي في شهر حزيران/يونيو 2021. قالها قبل سنة وكرّرها قبل أقل من شهر. فما سرّ هذا التكرار وذلك التوقيت؟

مرّ العام الماضي ثقيلاً جداً على لبنان، فعدا جريمة تفجير مرفأ بيروت، خسر اللبنانيون ٧٠% من قيمة مداخيلهم وثرواتهم النقدية، ودفعوا ثمن ذلك بتضخّمٍ قارب في بعض الاشهر نسبة ٥٠% .

مرّ شهر حزيران/يونيو من العام الفائت كاستمرارٍ للوضع الذي بدأ في آب/أغسطس ٢٠١٩. وحده الحاكم ربما كان يرى ضوءاً بل أضواء بدت مُتناقضة في اتجاهها ولكن ثابتة في الوعد الغامض بتجاوز الأزمة.

لقد راهن الحاكم دائماً على إمساك عصا التوازن بين المصارف والطبقة السياسية من الوسط. كان ذلك الرهان ضرورياً لاستكمالِ دوره ضمن النظام، وضرورياً لعدم إنهاء مسيرته الاحترافية بطريقة دراماتيكية.

السعي إلى تفادي النهاية الدراماتيكية يتشاركه الحاكم مع القطاع المصرفي والأطراف المختلفة للطبقة السياسية: الثلاثة يسعون، كلٌّ من موقعه، إلى تفادي تلك النهاية.

يُريد الحاكم تنازلاتٍ مُتبادَلة من الطرفين تسمح بإخراجٍ قوي لعملية إعادة توزيع الدخل والثروة على حساب الأضعف، وتُعطي وعداً ما للمستقبل يُطلقُ أضواءً مُبهِرة على ذلك الإخراج. ويسعى كلٌّ من المصارف والقوى السياسية إلى تحميل بعضهما البعض باقي كلفة التركة الثقيلة.

تُريد المصارف بَيعَ مصالح القطاع العام وتزليط منابع قوة الطبقة السياسية وتحييد ثروات أصحاب المصارف عن المساهمة في تحمّل أعباء الإخراج.

لا تُمانع قوى الطبقة السياسية في ذلك، ولكن على قاعدة الشراكة في السرّاء والضرّاء مع قوى المال. هذا صراعٌ تقليديٌّ ضمن توازنات المال والسلطة ولكن…

حجم الأزمة لم يعد مُمكناً استيعابه بالتوازنات السابقة عينها كيفما وُزِّعَت الخسائر. الجميع في مأزق الائتمان على المستقبل. لا أموال لقنواتِ المال مع الشخصيات نفسها وضمن نظامِ الحَوكمة والسلطة ذاته. لذا بات الجميع يعترف أن الحاجة إلى شركاءٍ استراتيجيين يُسيطرون على النظام المالي ويُعيدون هيكلته قد بات على جدول الأعمال.

تأتي المُقاربة الجديدة القديمة للحاكم سلامة حول تقسيط الودائع الصغيرة كاستكمالٍ لإقفال الودائع الصغيرة جداُ في نيسان/إبريل ٢٠٢٠، ودفع الودائع بالعملات الأجنبية على سعرٍ تمييزي بالليرة اللبنانية وبالقطارة.

في حزيران/يونيو الماضي، لم ننتبه، كان الحاكم أتمَّ إخراجَ عددٍ كبيرٍ من صغار المودعين، وها هو في حزيران/يونيو المقبل يُحضّر لإخراج الجزء المُتبقّي من الصغار.

نحن نتحدّث عن ٩٠% من المُودعين سيخرجون من القطاع، ومع كل خروجٍ يبدو الحاكم مُستَعِدّاً لخدمة جناحَي المال والسلطة عبر الطبع السخي للنقد وجعل مستوى الدخل يدفع ثمن إنقاذ هذين الجناحين.

تَكلّفنا حتى الآن انخفاضاً بنسبة ٨٥% في قيمة النقد بسبب ضخ ٢٢ تريليون ليرة. الآن ستُكلِّف هذه العملية ٢٧ تريليون ليرة إضافية … شغًلوا آلاتكم الحاسبة.

يُريدُ الحاكم تنفيذ مُقاربة تفرض واقعاً جديداً يُفرَضُ على المؤسسات الدولية:

يستكمل الكابيتال كونترول الانتقائي لأن ذلك هو الطريق الوحيد المُمكن لتثبيت إعادة توزيع الدخل والثروة في مصلحة الأقوى.
لا يُريد تحرير سعر الصرف كما تصرّ المؤسسات الدولية، لأن ذلك سيُفقِده ميزة تعيين وتحديد أسعار الصرف الاصطناعية التي يتحكّم عبرها بنظامِ إعادة توزيع القَيَم النقدية.
وأخيراً، هو يُريد الإمساك بمسارِ إعادة هيكلة القطاع المصرفي من خلال الشراكة الاستراتيجية مع البنوك الخارجية بما يضمن حصص مراكز القوى الطائفية في المصارف والسياسة.

يتخلّص النظام الآن من غالبية المُودِعين العظمى، ويُهيئ لطاولة تضمّه إلى أرباب المال والمصارف والدولة والشركاء الاستراتيجيين الاجانب الجدد. كل ذلك ينتظر حلاً سياسياً أكبر من الحاكم، لكنه يُهيئ دفتر الشروط لذلك اليوم المُنتظَر.

ليس من قبيل المصادفات فتح ملفات سلامة في أوروبا من دون سائر المسؤولين عن أكبر عملية نهب مُنَظَّم في التاريخ، لكن سلامة هو عقل كل هؤلاء وماسك دفاترهم. لنتحضّر للمفاوضات الشاقة على مستقبل قنواتِ المال في بيروت.

ينشر ايضاً في مجلة اسواق العرب اللندنية

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى