شحّ الغذاء يهدد لبنان والعالم | جورج الياس عبيد
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تتزايد المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي العالمي مع خضوع اكثر من ثلث سكان العالم للعزل ولقيود على الحركة والتنقل مما يؤثر على مستويات الانتاج الغذائي. لقد دخلت الهند اكبر مُصَدِّر للأرز في العالم فترة حظر تجوّل، واتخذت قبلها فييتنام، ثالث اكبر مُصَدِّر للأرز، وقازاخستان تاسع اكبر مُصَدِّر للقمح في العالم خطوات لتقييد بيع هاتين السلعتين الأساسيتين وسط مخاوف بشأن مدى توافرهما محلياً، وبدأت روسيا اكبر مصدّر للقمح في العالم تطبيق نظام العزل الذاتي في العاصمة وعدم التنقل الا عند الضرورة، كما أوقفت مصر تصدير البقوليات حفاظاً على الإمدادات المحلية. وقد تعمد دول كثيرة منتجة ومصدرة للغذاء على تقييد تدفق المواد الغذائية لتضمن لشعوبها كفايتهم في وقت أربك كورونا سلاسل الامداد والتوريد.
مع بروز تحذير الامم المتحدة من احتمال نقص الغذاء في العالم بسبب النقص على مستوى العاملين الميدانيين نتيجة إجراءات الوقاية من كورونا، تأتي القيود التي اتخذتها الحكومات لحظر التصدير والحفاظ على المخزون الاستراتيجي لغرض الاستهلاك المحلي، لتظهر ان المشكلة سوف تتعاظم في الأسابيع القليلة المقبلة والاسعار ستتخذ منحى” تصاعديا”. لعل ابرز مثال على ذلك ما هو عالق في اذهاننا من ارتفاع في سعر الارز خلال ازمة ٢٠٠٨ عندما تجاوز الطن عتبة ١٢٠٠ دولار بسبب القيود على التصدير ونتيجة التهافت على الشراء بدافع القلق.
اما في ما خصّ لبنان، فهو امام أزمة متنامية تهدد امنه الغذائي واستقرار مجتمعه، وبالتالي تفاقم حالة الفقر الخطيرة التي يشهدها منذ اكثر من سنة.
على رغم المليارات التي صرفت وهدرت، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة بعد الحرب من بناء مناعة غذائية ترتكز على الاكتفاء الذاتي والانتاج المحلي، الذي بقي دون ال ١٠٪ من الاستهلاك ، وبالتالي فإن قدرة الدولة على مواجهة ازمات مماثلة هي ضعيفة جدا”. لقد بلغت قيمة الواردات الغذائية لعام ٢٠١٨ حوالي ٣،٥ مليار دولار بحسب ارقام مركز التجارة الدولي ITC، ما يشكل٩٠٪ من الاستهلاك المحلي.
في ما يلي عيّنة من المواد الغذائية المستوردة:
– ١٠٢ مليون دولار لحوم الأبقار الطازجة اوالمبردة.
– ١٠٤ مليون دولار حليب وقشدة.
– ١١٩ مليون دولار المحضّرات الغذائية من الدقيق والحبوب والنشاء.
– ١٢١ مليون دولار المعجنات والكعك والبسكويت.
– ١٣١ مليون دولار قمح.
– ١١٠ مليون دولار ذرة.
– ١٨١ مليون دولار الجبنة والخثارة.
– ٣٨٢ مليون دولار أبقار حية.
– ١١٩ مليون دولار اغذية محضّرة.
هذا عدا الدواجن والفواكه والخضار والزيوت وغيرها من المواد الغذائية الاساسية والمصنعة.
إن غياب الخطط التطويرية والتشجيعية للقطاع الزراعي كما البرامج التحفيزية للصناعات الغذائية، قد فاقمت واقع الحال، وافقدت المواطن مقوّمات الصمود امام اي ازمة شح في الغذاء. فلقد اقتصرت مثلا”
موازنة وزارة الزراعة للعام ٢٠١٩ على ما يقارب ٣ ٦ مليار ليرة لبنانية اي حوالي ٠,٣٪ فقط من اجمالي النفقات، وهي تذهب بمجملها للمصاريف التشغيلية والإدارية من دون مشاريع استثمارية جدية او مجدية.
اذا” نحن اليوم مهددون بشح المواد الغذائية مع تفاقم ازمة كورونا وغياب وسائل الدفاع عن امننا الغذائي. لقد شهدنا مؤخرا” انقطاع بعض السلع من الاسواق وسوف نشهد ارتفاعا”جنونيا” للبعض الآخر. انها النتيجة الحتمية للسياسات المالية والاقتصادية التي اعتمدت على الريع والخدمات ولم تؤسس لإقتصاد إنتاجي تكون فيه للقطاعين الأولي والثانوي المكانة التي تؤمن استدامة الأمن الغذائي. حالة الهلع عند اللبنانيين محقة، ومن خبر الازمات هو ادرى بنتائجها، فكيف اذا كنا امام ولادة نظام عالمي جديد لا يخلو مخاضه من الحروب ودخول عامل الامداد بالغذاء كشرط اساسي لفرض السلطة والقوة في العالم. اذا سُلِّمنا لقدرنا نسلِّم انفسنا لمن بيده القدرعلّنا نسلم هذه المرة…
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا