ما حقيقة الدور الذي تلعبه شركة شيفرون في حقول النفط بفنزويلا؟
يبدو أن شركة شيفرون الأمريكية المتخصصة في إنتاج الطاقة تسعى إلى بسط هيمنتها على الصناعة النفطية في فنزويلا، بزعم رغبتها في إنقاذ ذلك المورد الاقتصادي الهام والذي تأثر بالتوترات السياسية التي حدثت مؤخرا، فهل تتطلع شيفرون إلى تصدر المشهد بعد رحيل الرئيس الفنزويلي مادورو!
وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض بعض العقوبات الاقتصادية على فنزويلا في محاولة منه للضغط على أجهزة الدولة من أجل تغيير النظام الحاكم، تظهر شركة شيفرون لتتحالف مع فنزويلا في محاولة منها لإنقاذ اقتصاد الدولة من الانهيار.
وعلى الرغم من المساعي التي يبذلها ترامب من أجل تقويض المصادر المالية الخاصة بحكومة مادورو، إلا أن عملاق صناعات الطاقة الأمريكية قد أعلن دعمه لواحد من أهم أعمدة الاقتصاد الفنزويلي، صناعة النفط الخام.
وقال مصدر مطلع من داخل الشركة الأمريكية –رفض ذكر اسمه- بأن شيفرون تبحث حاليا خطط توسيع قاعدة الإنتاج وتزويد الصناعة النفطية في فنزويلا بأحدث التقنيات الحديثة، كما تسعى أيضا إلى تغطية كافة النفقات الخاصة بشركة النفط الرئيسية بالدولة Petróleos de Venezuela SA (PDVSA) وتوفير الرعاية الصحية للعاملين بها، ضمانا لاستمرار تدفق النفط الخام.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الشركات الأمريكية والأوروبية المنافسة التخلي عن فنزويلا، تتطلع شيفرون نحو تقلد الدور القيادي والأهم في لعبة إنقاذ الاقتصاد الفنزويلي من خلال السيطرة ضمنيا على الحصص الهائلة من النفط الخام الموجودة بالدولة والمقدرة بنحو 303 يليون برميل من النفط الخام، أي بزيادة تقدر بـ 7 بليون برميل بالمقارنة بالمملكة العربية السعودية.
وتتمثل الرؤية العامة لشركة شيفرون في أنه إذا تمكن الرئيس الفنزويلي مادورو من استعادة السلطة في البلاد فقد يتقلص دور الشركة نسبيا إلا أنه سيظل بمقدورها تحقيق المزيد من الأرباح، أما في حالة تغير النظام الحاكم وانتهاء العقوبات الأمريكية فسوف تصبح شيفرون هي صاحبة النصيب الأكبر من الثروات الجيولوجية الطبيعية في فنزويلا.
ويعتقد بعض الخبراء بأن شيفرون تحاول التشبث بالفرصة التي أتاحتها لنفسها حاليا مستغلة الاضطرابات الواقعة على أرض فنزويلا، حيث تخطط الشركة إلى إقامة سوق عالمية للنفط تتفوق على كل من المكسيك والبرازيل وفتح المزيد من الحقول النفطية أمام كبرى الشركات العالمية.
وبنظرة أكثر شمولية للأمر، فإن الجهود المبذولة من قبل شيفرون لإصلاح الاقتصاد في فنزويلا تجعلها تنضم إلى قائمة الهيئات الداعمة لنظام مادورو كروسيا والصين، وفي الوقت نفسه فإنها تجهر بالعداوة للولايات المتحدة رغم كونها الموطن الأصلي لها ودولة المنشأ.
ويبدو أن مخططات شيفرون تسير على أمل عدم تجديد فرض العقوبات الأمريكية والتي من المقرر إنهائها بحلول الـ 27 من يوليو الجاري، وذلك تجنبا لتعطيل إنتاج ما يزيد عن 200 ألف برميل من النفط يوميا، حتى وإن كانت النسبة الأكبر تذهب لصالح شركة النفط الوطنية في فنزويلا، كما أنه في حال استمرار مادورو في الحكم، فمن المحتمل أن يقوم بتسليم الحصص الخاصة بشيفرون في حقول النفط إلى بعض شركات التنقيب الأخرى.
ويرى بعض الخبراء بأنه في حال انسحاب شركات النفط الأجنبية من فنزويلا، فسوف تسيطر كل من الصين وروسيا على أكبر مصادر إنتاج النفط في العالم.
ولم تكن علاقة شيفرون بفنزويلا وليدة اللحظة، فقد بدأت الشركة الأمريكية بالتنقيب عن البترول في فنزويلا منذ قرابة الـ 100 عام حيث اكتشفت حقول النفط الخام بمنطقة ماراكيبو عام 1946 والتي تم تأميمها في سبعينات القرن الماضي ، ثم عادت لممارسة حقوقها في استكشاف النفط مرة أخرى عام 1990 كما تمتلك شيفرون مصفاة لتكرير البترول على نهر الميسيسيبي والمصممة خصيصا لمعالجة النفط الخام، إلى جانب إقامتها لبعض المشروعات في شرق فنزويلا.
وقد تمكن علي مشيري، المسئول عن عمليات التنقيب والإنتاج في كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية طوال فترة توليه لمنصبه وحتى تقاعده في عام 2017 من إقامة علاقات قوية مع الرئيس الفنزويلي السابق هوجو تشافيز خلال فترة رئاسته والتي استمرت ما بين عامي 1999 و2013
ومن المواقف التي لا تنسى في حياة كل من مشيري وتشافيز، عندما حضر الأول أحد المقابلات التليفزيونية الأسبوعية التي تستضيف الرئيس الفنزويلي، حيث لاحظ تشافيز أنه حينما جاء دور مشيري للحديث، لا مقعد متاح له في موقع التصوير، فعرض عليه فورا الجلوس مكانه من أجل إلقاء كلمته وذلك من أجل إنقاذه من هذا الموقف المحرج.
ورغم النجاح الكبير الذي حققته شيفرون خلال عهد تشافيز، إلا أن مهمتها في الحفاظ على مكانتها في ظل وجود مادورو لن تكون سهلة أبدا، حيث أن علاقة فنزويلا بالشركة خلال السنوات الأخيرة قد تأثرت كثيرا بتغير أسعار النفط والأزمات الاقتصادية والإنسانية الكثيرة التي تعرضت لها البلاد بعد وفاة تشافيز.
وفي العام الماضي تعرض اثنين من موظفي شيفرون للاعتقال من قبل السلطات في فنزويلا، واستمر احتجازهما لمدة 7 أسابيع كاملة وذلك لأسباب رفضت كل من الشركة والسلطات الرسمية الكشف عنها، ورغم ذلك حاولت شيفرون جاهدة الاستمرار في ممارسة أعمالها في فنزويلا والحفاظ على علاقاتها مع الحكومة الحالية.
وفي القوت الذي تمتلك فيه شيفرون العديد من الخطط والمشروعات النفطية الأخرى في دول لاتينية أخرى كالبرازيل والأرجنتين، إلا أن فنزويلا تبقى هدفها الأول ووجهتها الأساسية للحصول على النفط الخام.
ويعتبر مشروع بتروبيار الذي نفذته شركة شيفرون في منطقة أورينوكو بفنزويلا هو الأكثر كلفة بالنسبة للشركة الأمريكية، حيث يتضمن بعض المراحل الإنتاجية المعقدة والتي تتمثل في تحويل الزيت الخام إلى مادة تتمكن معامل التكرير الأجنبية من معالجتها بتكلفة تقدر بـ 3.8 بليون دولار.
ومن ناحية أخرى يعتبر بتروبيار بمثابة نجاحا حقيقيا في تاريخ الشركة بالمقارنة بالصفقات الأخرى التي عقدتها شيفرون مع الشركات النفطية الوطنية في كل من أنجولا وبيلاروس وكوبا والتي تعطلت المشروعات فيها بسبب أزمة استمرار انقطاع التيار الكهربائي في مارس الماضي، وعليه فإن مشروع بتروبيار يعتبر المصدر الأساسي الذي تستند إليه شيفرون وبخاصة في ظل وجود بعض الشركات الروسية والصينية المنتجة للنفط.
وعلى الرغم من زعم البعض بأن فنزويلا هي المصدر الأكبر للنفط على كوكب الأرض، إلا أن هذه الثروة الكبيرة تظل لا قيمة لها إذا ما بقيت مدفونة في باطن الأرض، وفي الوقت الذي تتضارب فيه المصالح مع البرازيل والحقول الصخرية الأمريكية فقد يبقى الذهب الأسود حبيس جوف الأرض دون السماح لأحد من الاقتراب والاستفادة منه.
وفي الوقت الذي تتعمد الشركات الأوروبية المصنعة للنفط تجنب أسواق فنزويلا نظرا للأوضاع غير المستقرة هناك وانخفاض جودة النفط الخام نسبيا، تبقى شيفرون مصرة على تحقيق هدفها الأكبر وهو إرساء قواعدها وترسيخ ملكيتها وحصصها النفطية في فنزويلا في جميع الظروف.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا