إقتصادالاحدث

ضريبة على أرباح الشركات العالمية في الإمارات: مطلب دولي لمنع التهرب الضريبي | بقلم حسان خضر

أعلنت وزارة المالية في الإمارات في وقت سابق من الشهر الجاري كانون الأول (ديسمبر) 2024، إنها تعتزم اعتبارا من الأول من كانون الثاني(يناير) المقبل 2025 فرض حدا أدنى لمعدل الضريبة الفعال بنسبة 15% على الشركات متعددة الجنسيات التي تحقق إيرادات عالمية موحدة تبلغ 750 مليون يورو (793.50 مليون دولار) أو أكثر في سنتين على الأقل من أصل أربع سنوات مالية تسبق السنة المالية التي يطبق فيها النظام.

ويأتي هذا القرار في وقت تسعى فيه حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، من جانب، إلى زيادة إيراداتها غير النفطية، ومن جانب آخر ليعكس التزام دولة الإمارات بتطبيق مشروع “حل الركيزتين” الذي أقرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والذي وقعت عليه 142 دولة، منها الإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، لضمان دفع الشركات الكبرى ما لا يقل عن 15% من أرباحها، ولجعل التهرب الضريبي أكثر صعوبة.

وكما هو معلوم، فإن الشركات والمنشآت الدولية النشاط تتسم بامتلاكها أصول في أكثر من دولة، بغرض إنتاج السلع وتقديم الخدمات إلى عملائها في دول العالم، ولدى هذه المنشآت القدرة على استغلال انتشارها العالمي في تخفيض تكاليف نشاطها والاستفادة من المزايا الضريبية والجمركية التي تقدمها الدول لجذب الاستثمار إليها، لذلك تعمل هذه المنشآت على كسر سلاسل التوريد الخاصة بها وتوزيعها عبر الدول.

وكان قد برز خلال الأعوام الأخيرة اهتمام واضح حول ممارسات الشركات دولية النشاط بما يؤثر سلباً على قيمة ما تدفعه من ضرائب لا يتناسب مع حجم إيراداتها أو أرباحها الحقيقية، حيث استطاعت تلك الشركات استغلال النظم الضريبية بين الدول المختلفة في أداء ضريبة أقل أو عدم دفع ضرائب على الاطلاق. وقد ترجم هذا الاهتمام بتكليف دول مجموعة العشرين ومجموعة الثماني منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بدراسة هذه المشكلة، التي أصبحت تعرف بمشكلة تآكل الوعاء وتحويل الأرباح (Base Erosion and Profit Shifting – BEPS).

 واليوم، وبعد أقل من 100 عام من تطبيقات “النظرية الكينزية” (يجب على الدول أن ترفع من إنفاقها العام وتُخفض من نسبة الضرائب على أرباح الشركات)، يبدو أن الحكومات قد سئمت من فكرة تخفيض الضريبة على حساب الخزانة العامة، ويبدو أيضًا أننا أمام نظرية ضريبية جديدة واتجاه عالمي بدأ في البزوغ لصالح الدولة على حساب الشركات وخصوصا العابرة للقارات.

فقد اكتشف العالم أن الشركات متعددة الجنسيات في نهاية المطاف هي التي استفادت من التطبيقات الكينزية ولم تستفد الشعوب ولا الحكومات شئياً، الشركات تكسب مزيداً من الأموال وتقوم بتحويلها لدول أخرى تفرض ضرائب أقل من الضرائب المفروضة بالدول التي حققت بها هذه الأموال، وبالتالي كل سنة تدفع الشركات ضرائب أقل من السنة التي سبقتها ولم تحدث أي زيادات تُذكر تكافئ النمو في حجم أعمال هذه الشركات. إذ تقدر العوائد المقدرة والضائعة بحوالي 150 مليار دولار سنوياً. ومن أشهر الملاذات الضريبية في العالم جزر كايمان، جزير فيرجن البريطانية، جزر برمودا، جزيرة غوام، تايوان، جيرسي، وجبل طارق.

ومن الجدير ذكره بأن أوروبا والولايات المتحدة قامت بالشراكة مع المؤسسات الدولية بعمل دراسة لهذه القضية لسنوات طويلة قبل اتفاقية اليوم، وقد وجدت أنها قد خفضت سعر الضريبة بمقدار يصل إلى النصف في آخر 30 عاماً، ومع ذلك توسعت الشركات العالمية وتضخم حجم أعمالها، لكن في هذه الأثناء بدأت ثورة التكنولوجيا ونشأة شركات التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي، فتضخمت أكثر وأكثر واستمرت التخفيضات والمزايا الضريبية، ورغم ذلك لم تدفع الشركات الضريبة العادلة.

كما برز داخل أوروبا مجموعة من البنوك التي استفادت من الملاذات الضريبية الآمنة مثل دويتشه بنك، إتش إس بي سي، ستاندرد تشارترد، إنتيسا ساو باولو، باركليز، وغيرها من شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة وقد زاد الأمر عن حده مؤخراً وبالتحديد في الأعوام العشرة الأخيرة، وهو الأمر الذي زاد من استفزاز الحكومات ووحدات الضرائب في الاقتصادات الكبرى وهو ما كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر الشركات وانفجرت بوجهها اتفاقية اليوم. أما الشركات المستهدفة بوجه خاص فهي الشركات متعددة الجنسيات، وشركات التكنولوجيا العملاقة – 99% منها أمريكية المنشأ – مثل أمازون وفيسبوك وألفا بيت ونت فليكس ومايكروسوفت وغيرها.

ولمواجهة تلك التحديات الضريبية الظاهرة في اقتصاد عالمي ورقمي بشكل متزايد، فقد جاءت تلك الاتفاقية لتقدم حلولاً لضمان أن الشركات متعددة الجنسيات تسدد الحد الأدنى من الضرائب على مداخيلها في الدول التي تعمل بها. واتخذت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين إجراءات مشتركة لمعالجة نقاط الضعف في النظام الضريبي الدولي التي تؤدي إلى خلق فرص ومن خلال العمل مع دول أخرى، قاموا بتطوير حزمة شاملة من التدابير لمعالجة تآكل الضريبة ونقل الأرباح، حيث أطلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مشروع تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح والذي يتكون من ركيزتين أساسيتين. الركيزة الأولى تطبق على الشركات المتعددة الجنسيات التي تبلغ إيراداتها العالمية 20 مليار يورو أو تزيد. والركيزة الثانية تفرض حد أدنى من الضريبة بنسبة 15% على إيرادات الشركات المتعددة الجنسيات في الدول التي تعمل بها، والتي تبلغ إيراداتها 750 مليون يورو أو تزيد.

وتأسيساً على ما تقدم ينبغي على الدول العربية ولا سيما الدول الخليجية التي تتنافس حالياً لاستقطاب الشركات المتعددة الجنسيات كالإمارات العربية والمملكة العربية السعودية أهمية الإسراع في وضع التشريعات والقوانين والآليات اللازمة نحو تفعيل الاتفاقية المذكورة ووضعها موضع التنفيذ، إذ ان المباشرة في وضع التشريعات وتسريع الرقمنة في الاقتصاد من شأنه العودة بالفائدة المالية على الموازنة العامة نظراً لعدد الشركات والمؤسسات التي سوف يشملها قانون التهرب الضريبي وتحويل الأرباح.

إن الانضمام الى هذه الاتفاقية يعد بمثابة نقلة نوعية، حيث سيساهم في تحديد معاملة الدول مع ملف الضرائب الدولية. كما سوف ينعكس على تحسين بيئة الاستثمار داخلها، ويُعد رسالة طمأنة للمستثمرين من خلال وضع آلية لحل النزاع من خلال التحكيم الالزامي الملزم Mandatory Binding Arbitration. هذا إضافة الى حصول تلك الدول على نصيبها العادل من الاقتصاد الرقمي ومن الضرائب الدولية الناتجة عن التعاملات والأنشطة الاقتصادية العابرة للحدود.  كما يعمل في الحفاظ على أموال الخزينة العامة، حيث تمثل أي فروق ضريبية ناتجة عن تطبيق اتفاقيات منع الازدواج الضريبي بمثابة دخل قومي يساهم في تنويع مصادر الدخل التي تحتاجه هذه الدول.

حسّان خضر، باحث وكاتب لبناني

باحث في الشؤون الاقتصادية وله دراسات وتقارير مهنية معمقة تتصل باقتصادات مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات العربية بشكل عام. عمل في مؤسسات اقليمية مرموقة منها بنك الكويت الوطني والمعهد العربي للتخطيط، ويعمل حالياً خبيراً في ادارة البحوث في بنك الكويت المركزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى