حين يقوم المزارعون بإحداث جروح في شجرة الهشاب، تنتج الشجرة عصارة كثيفة، شفافة، وشديدة اللزوجة لمعالجة الجروح أو الخدوش التي تصيبها، يتزايد حجم هذه العصارة وتتخذ شكلاً كروياً، ولا تنتهي مهمة عصارة شجرة الهشاب في مُعالجة ما أصاب الشجرة من جروح أو خدوش فقط، إنّما تقدم للبشرية منتجاً يدخل في صناعة الحياة. عرف الناس منذ 6 آلاف سنة فوائد جمة لهذه العصارة، وبدأوا باستخدامها كمكمّل غذائي، لكن سرعان ما اكتشفوا مجموعة من الفوائد الصحية الأخرى.
للصمغ العربي فوائد طبية كثيرة، فهو يدخل في أغلب الصناعات الدوائية، ويعدّ مكوّناً رئيساً في الصناعات الدوائية بكل أشكالها، كما يُعرف الصمغ العربي كعلاج لكثير من الأمراض، وقد ثبتت نجاعته في معالجة الفشل الكلوي، وفي علاج اللوكيميا وساركوما العظام والورم الليمفاوي وسرطان الجلد، وفي ضبط مستوى السكر في الدم، وفي ضبط الكوليسترول الضار (LDL)، ويستخدم في تقوية العظام لاحتوائه نسبة عالية من الكالسيوم تعادل 6 أضاف ما يوجد منه بالحليب.
أيضاً يفيد الصمغ في زيادة بكتيريا البروبيوتيك الضرورية لعمليات الهضم، ويوفر فؤائد طبية أخرى مثل: ترطيب البشرة، والتخلص من البقع والنمش والحبوب والرؤوس السوداء، وشد الجلد وتقليل التجاعيد، فضلاً عن تفتيح لون البشرة وحمايتها من أشعة الشمس، وتوحيد لون الجسم.
يعد الصمغ العربي مادة ضرورية في الصناعات الغذائية، فبدونه لا يمكن للشركات الكبرى العاملة في مجال صناعة المشروبات الغازية إنتاج مشروباتها التي سيطرت بها على الأسواق العالمية، واستحوذت على أمزجة سكان المعمورة، إذ يدخل الصمغ في صناعتها كمكوّن رئيس لا تقل أهميته عن أهمية الكولا.
الصمغ العربي مادة ضرورية في صناعة الحلويات، فبدونه تتوقف صناعة أفخم أنواع الشوكولاتة وغيرها من الحلويات، والصناعات الغذائية الأخرى وصناعة المواد الحافظة للمنتجات الغذائية.
للصمغ العربي دور في صناعة المعرفة، إذ يدخل في صناعة حبر الطباعة، والورق، والغراء، ويستخدم كذلك في الطباعة والمطبوعات والأدوات المكتبية، وبدون الصمغ العربي ستفقد الطباعة أحد أبرز أدواتها، وسيؤثر ذلك في وجود الكتاب الورقي في الأسواق وبين أيدي القراء، وستتأثر الحياة من جراء النقص في الأدوات المكتبية.
الصمغ العربي مكوّن أساسي في صناعة الجمال على وجه الأرض، فهو يستخدم في صناعة الطلاء، وتركيب الألوان، وصناعة النسيج، ومستحضرات التجميل.
الصمغ العربي مكوّن مهمّ في صناعة الأمن، كونه مادة رئيسة في صناعة الأسلحة والذخائر، وفي صناعة الصواريخ، وفي الصناعات المتعلقة بالفضاء والمركبات الفضائية، وهو بذلك ضروري للصناعات المدنية والصناعات العسكرية وضروري للتقدم العلمي والتكنولوجي.
القارئ العزيز، بعد استعراض فوائد الصمغ العربي ثمة 4 أشياء لا بد من التنويه بها أولها: أنّ الصمغ العربي تنتجه شجرة الهشاب (الأكاسيا)، ويُنتج في الشريط السوداني الممتد من الصومال في الشرق، وحتى السنغال في الغرب، وأنّ هذه الشجرة لا تنتج الصمغ العربي إلا في هذا الشريط، فقد تأكد فشل محاولات زراعتها في مناخ مشابه في الصين وفي بعض الدول الآسيوية الأخرى. وينتج السودان نحو 85% من إنتاج العالم من الصمغ العربي، بينما تنتج دول الشريط السوداني الأخرى نحو 15% منه.
ثانيها: أنّ الغرب ظلّ المحتكر الرئيس لتجارة الصمغ العربي في الأسواق العالمية، إذ تستورد أميركا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أغلب الكميات المنتجة منه وبأسعار زهيدة لا تتجاوز 1300 دولار للطن، لتخضعه هذه الدول لعمليات التجفيف والطحن والطحن الذري، كما تقوم بعمليات التجهيز المناسب لكل استخدام، وتعيد بيعه بعشرة أضعاف سعر الشراء.
ثالثها: أن أميركا حين فرضت عقوباتها على السودان، وفرضت حظراً شاملاً للتبادل التجاري بينهما قبل 3 عقود، استثنت الصمغ العربي من هذا الحظر دون غيره من المنتجات والسلع، ويؤكد هذا الاستثناء الأهمية الاستثنائية للصمغ العربي.
رابعها: أنّ الصمغ العربي مؤهل جداً ليلعب أدواراً اقتصادية استثنائية للدول المنتجة له، وللدول التي تدخل في شراكات في تطوير إنتاجه وتوجيه هذا الإنتاج واستخدامه كعنصر قوة في معادلات الصراع الدولي، فقوة الصمغ العربي تفوق قوة النفط الذي جربه العرب والعالم في حرب 1973، وهذا ما يجب أن يعيه العرب والمسلمون، وأن يوظفوه لمصلحتهم في عالم تُعاد رسم خرائط القوة والنفوذ فيه على نحو جديد.
يسهم الصمغ العربي في صناعة الحياة من خلال دوره في صناعة الغذاء والدواء، وفي صناعة المعرفة، وفي التقدم التكنولوجي، وفي صناعة الأمن، وفي صناعة الجمال، ولهذا لا بديل للصمغ العربي إلا الصمغ العربي، وقد أدرك الغرب الأهمية الاستثنائية لهذا المنتج ولم يدركها العرب.