إقتصادالاحدث

قرارات ترامب الجمركية تهدد بزلزال اقتصادي.. هل تشعل حربًا تجارية جديدة؟ | بقلم خليل جرجي الخوري

في خطوة اعتبرها مراقبون “استفزازًا اقتصاديًا غير مسبوق”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة50% على واردات السيارات الكهربائية الصينية، و20% على منتجات التكنولوجيا المتقدمة من الاتحاد الأوروبي، وسط تحذيرات من تداعيات قد تهز النظام التجاري العالمي، وتُعيد إشعال نيران حرب تجارية كانت قد خمدت نسبيًا خلال الأعوام الماضية.

القرار الذي استند إلى “قانون التوسع التجاري” (المادة 232)، يُعتبر تصعيدًا جديدًا في سياسة ترامب الحمائية، التي بدأها خلال ولايته الأولى (2017-2021)، وهدأت خلال ولاية الرئيس بايدن (2021-2025). لكن المشهد اليوم يبدو مختلفًا: فالعالم أكثر تقطعًا، والتحالفات التقليدية تهتز، والغضب الدولي يتصاعد بسرعة.

الصين ترد بحظر تصدير المعادن النادرة.. وأوروبا تهدد بضريبة الثأر

لم تنتظر الصين طويلًا للرد. فأعلنت وزارة التجارة الصينية حظرًا على تصدير مادة الغرافيت، وهي مادة تدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وتسيطر الصين على 70% من إنتاجها العالمي. كما علقت بكين عقود شراء الطائرات الأمريكية من طراز **بوينغ 737 ماكس**، في ضربة مباشرة لشركة بوينغ التي تعتمد على السوق الصينية في 25% من أرباحها.

من جهته ، هدد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم انتقامية بنسبة 35% على السيارات الفاخرة الأمريكية، مثل تسلا وفورد، وبتقييد استثمارات الصناديق الأمريكية في قطاع الطاقة النظيفة الأوروبي. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: “هذه الإجراءات غير مقبولة، وسندافع عن مصالحنا بكل الوسائل”.

انهيارات في البورصات.. وتضخم يلوح في الأفق

لم تكن الأسواق المالية في مأمن من الصدمة. فشهد مؤشر ناسداك انهيارًا بنسبة 7% في تعاملات حديثة، مسجلًا أسوأ أداء منذ أزمة سوق السندات عام 2022، بينما فقد مؤشر شنغهاي 5% من قيمته. وفي سوق السلع الأساسية، قفز سعر الليثيوم — المكون الرئيسي لبطاريات السيارات الكهربائية — بنسبة 25%، ليصل إلى 85 ألف دولار للطن، وفقًا لبيانات منصات متخصصة.

وحذرت كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، من أن “هذه الإجراءات قد تدفع التضخم العالمي إلى معدلات غير مسبوقة، وتخفض النمو بنسبة 1.5% بحلول نهاية 2025”. وأضافت: “العالم لا يستطيع تحمل حرب تجارية ثالثة في عقد واحد”.

ترامب والسباق الانتخابي: من المستفيد؟

رغم التحذيرات الدولية، يبدو أن القرار يحمل حسابات سياسية داخلية. فترامب، الذي أعلن مواربة إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة عام 2029، يستهدف استمالة ناخبي “الولايات الصناعية” مثل ميشيغان وأوهايو، حيث تتركز صناعات السيارات التقليدية. وقال في خطاب له: “سنمنع الصين من تدمير وظائف أبنائنا.. أمريكا أولًا ليست شعارًا، إنها واقع”.

لكن الواقع قد يكون أكثر تعقيدًا. فوفقًا لتقرير صادر عن معهد بروكنجز، فإن 40% من مكونات السيارات الكهربائية الصينية مصدرها شركات أمريكية أو مشتركات معها، ما يعني أن التعرفة الجديدة ستضر بشركات مثل تسلا وجنرال موتورز نفسها. وهو ما اعترف به إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، في تصريح له: “هذه السياسة ستقتل الابتكار.. الفائز الوحيد هو منافسونا في أوروبا”.

الشرق يتكتل.. والغرب ينقسم

في مؤشر على تحولات جيوسياسية أعمق، اجتمع قادة دول تحالف بريكس+ (الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) بشكل طارئ، وأعلنوا عن خطة لإنشاء “منصة دفع رقمية موحدة” لتجاوز هيمنة الدولار. كما أبرمت الصين والهند اتفاقية لإنشاء “ممر تجاري بديل” عبر آسيا الوسطى، في محاولة لتجنب الممرات البحرية الخاضعة للسيطرة الأمريكية.

وفي سياق متصل، بدأ الاتحاد الأوروبي مفاوضات مكثفة مع دول **آسيان** (رابطة دول جنوب شرق آسيا) لتوقيع اتفاقية تجارة حرة سريعة، وفقًا لمصادر في بروكسل. بينما سارعت المكسيك وكندا إلى تعليق مفاوضات تحديث اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (USMCA)، واصفتين قرار ترامب بـ”الطعنة في الظهر”.

مخاوف من تصعيد عسكري: تايوان في دائرة الخطر

لا تقتصر التبعات على الاقتصاد. ففي تايوان — التي تعدّها الصين جزءًا من أراضيها — أجرت القوات الصينية مناورات عسكرية قرب الجزيرة، بينما نشرت الولايات المتحدة مدمرة بحرية في مضيق تايوان. وقال الخبير الاستراتيجي مايكل أوهانلون من “معهد بروكنجز”: “الوضع أشبه ببرميل بارود.. خطأ واحد قد يُشعل مواجهة لا يريدها أحد”.

السيناريو الأسود: هل يعود “الكساد العظيم”؟

رغم أن معظم الخبراء يستبعدون تكرار سيناريو عام 1929، بسبب تعقيدات النظام المالي الحديث، إلا أن الاقتصادي الحائز على نوبل بول كروغمان حذر من أن “الركود التضخمي” — مزيج من البطالة والتضخم — هو التهديد الحقيقي. وأضاف: “التعريفات ليست سلاحًا، بل انتحارًا اقتصاديًا”.

هل تنجح الضغوط الدولية في إيقاف ترامب؟

تبدو الإجابة غير واضحة. فمن ناحية، أعلن الحزب الجمهوري دعمه الكامل لقرار ترامب، بينما هاجمه المرشح الديمقراطي غافن نيوسوم واصفًا إياه بـ”الجنون”. ومن ناحية أخرى، بدأت ضغوط من شركات أمريكية كبرى، مثل آبل وأمازون، لإلغاء القرار. لكن ترامب — المعروف بصلابة مواقفه — قد يدفع العالم إلى منحدر خطير، لا لشيء إلا لترسيخ شعار “أمريكا أولًا” في أذهان الناخبين.

السؤال الآن: هل سيدرك العالم الدرس قبل فوات الأوان؟ أم سنشهد فصولًا جديدة من حرب الكلّ يخسر؟

خليل جرجي الخوري، كاتب في الشؤون الاستراتيجية الدولية

خليل جرجي الخوري، كاتب وباحث متخصص بالشؤون الدولية. عمل على الملف الصيني الاميركي وموضوع نزعة السيطرة في السياسة الاميركية الدولية. له مجموعة واسعة من الدراسات والمقالات التي نشرت على مواقع لبنانية وعربية متخصصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى