انعقدت القمة الثامنة عشرة لمجموعة العشرين في نيودلهي في أيلول (سبتمبر) 2023، تحت شعار الرئاسة الهندية “أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد”. وفي الإعلان الختامي تعهد الزعماء بتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030؛ معالجة تحديات التنمية والمناخ؛ زيادة قدرة البلدان النامية على التعامل مع حالات الطوارئ الصحية؛ معالجة نقاط الضعف المتعلقة بديون البلدان النامية؛ تعزيز بنوك التنمية المتعددة الأطراف؛ تعزيز المساواة بين الجنسين؛ من بين أمور أخرى.
واليوم، عقدت قمة قادة مجموعة العشرين في 18 و19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، في ريو دي جانيرو في البرازيل، تحت شعار: “بناء عالم عادل وكوكب مستدام”. وحسب منظمي المؤتمر إنه أكثر من مجرد شعار، إذ يعبر عن الالتزام في تعزيز الاتفاقيات العادلة التي تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية العالمية. كما يسلط الضوء الحد من الجوع والفقر وعدم المساواة في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن التنمية الاجتماعية والبيئية التي تشمل انتقالاً بيئيًا عادلاً وشاملاً. والفكرة هي تمثيل الالتزام بنموذج حوكمة أكثر إنصافًا – حيث يمكن لاتفاقيات التجارة أن تعزز الرخاء الاقتصادي والإدماج الاجتماعي الكامل.
ومن الجدير التذكير بأن القمة السابقة في الهند كانت قد اختُتِمت بعد يوم عاصف من الجلسات والمقابلات، تمكن قادة مجموعة العشرين، من الاتفاق على بيان ختامي أشار إلى وجهات النظر المشتركة حول تغير المناخ والتنمية الاقتصادية، لكنه أظهر خلافًا داخل المجموعة بشأن الموقف من الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ورغم أن القمة قد استطاعت خلق مساحة مشتركة حول الحرب الروسية-الأوكرانية، إلا أنه وبعد عام من ذلك التاريخ، لم نرى سوى تصعيداً مستمراً ومدمراً. أضف الى ذلك ارتفاع وتيرة الحرب في قطاع غزة (كان حينها في بدايته) ومن ثم الاعتداء على لبنان والخسائر الذي تكبدها كل منهما.
فالحرب الروسية الأوكرانية تسببت في عرقلة التعافي الاقتصادي العالمي، وهو ما انعكس في زيادات ضخمة بأسعار مصادر الطاقة والمحاصيل الزراعية، خاصة بعد فرض عقوبات غير مسبوقة على مختلف قطاعات الاقتصاد الروسي، وبنكها المركزي واحتياطاتها النقدية في الخارج. وكذلك الحرب على قطاع غزة أدت الى تأثيرات كبيرة على أسعار النفط وطرق التجارة العالمية والتضخم العالمي فضلا عن ارتفاع أسعار الشحن منذ بداية الحرب.
قد تؤدي الحروب إلى تزايد المواقف السلبية من فكرة العولمة والتكامل الاقتصادي العالمي وحرية التجارة التي يستفيد منها الجميع، وستؤدي الحرب إلى تبني المزيد من السياسات الحمائية خاصة مع عودة أزمات سلاسل الإمداد.
وبالتالي، فإن أي قمة لدول مجموعة العشرين أو غيرها من القمم العالمية إذا لم تترافق قراراتها الاقتصادية والمناخية والتنمية المستدامة بقرارات جادة وتحركات سريعة باتجاه وقف الحروب وبؤر التوتر في العالم، فإن أي من تلك القرارات لن يكون ذو فعالية ولن تستطيع الكثير من دول العالم تطبيقه في ظل مخاطر التوترات الجيوسياسة في أكثر من مكان في العالم مما يعيق مسيرة التنمية لدى الدول ولا سيما النامية منها.
وهذا يحدونا الى طرح بعض الاسئلة: هل باستطاعة مجموعة دول العشرين قيادة العالم والاتفاق على محاربة الفقر والجوع وتحقيق التنمية المستدامة في ظل التكتلات المتزايدة والإقليمية الجديدة وحرب المحاور؟
هل يمكن لمجموعة دول العشرين – وهي تمثل مجتمعة حوالي 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية، وحوالي ثلثي سكان الكوكب- من جعل الاقتصاد والتنمية والمناخ في مقدمة الأهداف القابلة للتطبيق؟
هل يمكن لمجموعة تلك الدول من وقف الحروب العالمية وتحييد آثار النزاعات والتوترات عن نمو الاقتصاد العالمي؟