إقتصادالاحدث

كلماتٌ بأفعالٍ مَعكوسة، كَيفَ تُهدي السياسةُ اللبنانية “تهاني الفقر” للعُمّالِ في عيدهم؟ | بقلم البروفسور بيار الخوري

في ظلِّ الأزمةِ الاقتصاديةِ التي تَعصِفُ بلبنان منذُ خمس سنوات والتي دَمّرَت معظم مُنجزات الطبقة العاملة، تظلُّ مُعايدات السياسيين والأحزاب للعمال في عيدهم موضوعًا يستَحِقُّ النظرَ والتحليل. مع استمرار الأزمة، وَجَدَ حوالي 60% من العُمّال أنفسهم ينتقلون إلى القطاعِ غير الرسمي، حيث يعملون في ظروفٍ أقلّ استقرارًا، وبأجورٍ أدنى، بدونِ أيِّ تعويضاتٍ أو ضماناتٍ اجتماعيةٍ تُذكَر.

ما يزيدُ الطين بلّة هو التآكل المُستَمِر لمستوى التعويضات والأجور في كلا القطاعَين، الخاص والعام. هذا التدهورُ في ظلِّ قتالِ السياسيين على كلِّ شيءٍ إلّا حقوق العمل والعُمّال، يضعُ الطبقةَ العاملة في موقفٍ ضعيفٍ جدًا. السياسيون يُرسلونَ تهانيهم ومُعايداتهم في يومِ العمّال، ولكن هذه التصريحات تبدو سطحيةً وتفتقرُ إلى الإجراءات العملية التي تدعمها.

ما يُظهِرهُ هذا السلوك هو الفجوة العميقة بينَ الخطابِ السياسي والواقعِ المعيشي للعمّال. في بلدٍ تشتدُّ فيه الحاجة إلى إصلاحاتٍ جذريةٍ وحلولٍ مُستدامة، تبقى المُعايدات من دونِ دَعمٍ بأفعالٍ وتشريعاتٍ تحمي حقوقَ العُمّالِ وتُحَسِّنُ من ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، مُجَرَّد كلماتٍ لا تُسمِن ولا تُغني من جوع.

هذا الوضعُ يدعو الأحزاب السياسية والحكومة إلى إعادة تقييم أولوياتهما بشكلٍ جذري. يجب عليهما تحويل التركيز نحو استعادة الثقة في المؤسّسات من خلالِ اتِّخاذِ خطواتٍ ملموسةٍ تضمنُ العدالة الاجتماعية والاقتصادية. إنَّ العمّالَ في لبنان بحاجةٍ إلى أكثرِ من مجرّدِ تحيةٍ في عيدهم؛ هم بحاجةٍ إلى إصلاحاتٍ تحمي حقوقهم وتُوَفّرُ لهم الأمنَ الوظيفي والاجتماعي في بيئةٍ تزدادُ تعقيدًا وصعوبة.

لقد زادت الأزمةُ الاقتصاديةُ المُستَمِرّة منذ خمس سنوات في لبنان من مُعاناةِ الطبقةِ العاملة بشكلٍ كبير. بينما يستمرُّ الانكماشُ الاقتصادي، يظلُّ الانتقالُ الكبير للعمال إلى القطاعِ غير الرسمي مؤشرًا واضحًا إلى تدهورِ الأوضاع المعيشية، حيثُ يَجِدُ العمّالُ أنفسهم محرومين من الكرامةِ الوظيفيّة والحمايةِ الاجتماعيّة. هذا التحوُّلُ يعكسُ تفكّكَ النسيجِ الاقتصادي والتخلّي عن الالتزامات الميثاقية للدولة تجاه مواطنيها، مما يَحولُ دونَ تحقيقِ أيِّ تقدُّمٍ ملموسٍ نحو الاستقرارِ الاقتصادي أو الاجتماعي.

تُقدّمُ الأحزاب السياسية والشخصيات البارزة والرسمية تهانيها للعمال في عيدهم، ولكن هذه المُعايدات فارغة من أيِّ مضمونٍ إلّا لأصحابِ الإيمان بالنوايا الحسنة في ظلِّ غيابِ الإجراءات الحقيقية لتحسينِ ظروفِ وشروطِ العمل. يبرزُ هذا التناقضُ بشكلٍ جَلِيٍّ عندَ النظرِ إلى كيفيةِ إدارةِ الأزمات السياسية والاقتصادية في البلاد، حيثُ تتركّزُ المُنافساتُ السياسية على السلطة والموارد بدلًا من معالجة القضايا الأساسية التي تؤثّرُ في حياةِ المواطنين اليومية.

يتطلّبُ الأمرُ استراتيجياتٍ مَدروسةً تُعالِجُ جذورَ المشكلاتِ الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك إعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية، تعزيز الشفافية والمُساءَلة، وضمان حماية الحقوق العمّالية. فقط من خلال هذه الإجراءات يُمكِنُ للسياسيين أن يُظهِروا التزامهم الحقيقي بمستقبلِ الطبقةِ العاملة في لبنان، وليس فقط من خلال الكلماتِ التي تُقال وتُرَدَّد في المناسبات.

إنَّهُ البلدُ الوحيد والتجربةُ الفريدة عبر العالم حيث نجدُ أربابَ العمل أكثر حرصًا على حمايةِ “شغّيلتهم” (رُغم َمحدودية ذلك) مُقارنةً مع “الساهرين” على العدالةِ الاجتماعية.

ينشر المقال بالتزامن مع “أسواق العرب”

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى