إقتصاددولي

كيف يُمكن لبايدن تعزيز الإقتصاد العالمي كتب غابريال طبراني

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

في 6 كانون الثاني (يناير)، عندما اخترق حشدٌ من أنصار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، مبنى الكونغرس بسهولة مُرَوِّعة، تراجعت توقّعات العالم، المُنخَفِضة أصلاً، بالنسبة إلى دور الولايات المتحدة. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالإقتصاد العالمي، هناك خطوات فورية يُمكن أن يتّخذها الرئيس جو بايدن لتعزيز آفاق العالم، وخصوصاً الإقتصادات النامية.

الواقع أن حدود القيادة العالمية لأميركا كبيرة ومؤثّرة جداً. بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، صار حتى أقرب حلفاء واشنطن يُشكِّكون بشكل جدّي بموثوقيتها وقِيَمها، وبفعالية إدارتها. لقد عزّزت استجابة إدارة ترامب الفاشلة لكوفيد-19، بما فيها الطرح العشوائي غير الكفؤ للقاح، الإضطراب الوطني الذي تعيشه البلاد وأثارت قلق الأصدقاء والحلفاء. كما أن تمرّد مبنى الكابيتول، الذي حرّض عليه ترامب، بهدف تعطيل تصديق مجلسَي النواب والشيوخ على فوز بايدن الإنتخابي، زاد الطين بلّة.

حتى على الجبهة الإقتصادية، فإن الولايات المتحدة ليست قريبة من الهيمَنة التي كانت عليها قبل عقد من الزمن. أضف إلى ذلك أن الغالبية الديموقراطية ضئيلة للغاية في مجلس الشيوخ الأميركي، الأمر الذي يجعل قدرة إدارة بايدن على تنفيذ السياسات الاقتصادية، التي يتردّد صداها بشكل إيجابي في جميع أنحاء العالم، محدودة.

ولكن ليس الوضع تماماً كما يبدو ظاهرياً بشكل عام. لا يحتاج بايدن إلى موافقة الكونغرس لتنفيذ إجراءات عدة من شأنها أن تعود بفوائد بعيدة المدى على الأميركيين وبقية العالم.

الأول هو إسقاط جميع الإعتراضات على اقتراح منظمة التجارة العالمية بالتنازل مؤقتاً عن بعض التزامات الملكية الفكرية استجابةً لفيروس كوفيد -19. إن الإقتراح، الذي قدّمته الهند وجنوب إفريقيا، وشاركت في رعايته دول نامية أخرى، يهدف إلى إزالة الحواجز التي تحول دون الوصول في الوقت المناسب إلى المنتجات الطبية ذات التكلفة المعقولة المتعلقة بـ “الوقاية أو الاحتواء أو العلاج” لكوفيد-19.

وهذا يتماشى مع قواعد منظمة التجارة العالمية: تسمح الإتفاقية حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية (أو إتفاقية تريبس) بالترخيص الإجباري. علاوة على ذلك، تُحدّد منظمة التجارة العالمية حالات الطوارئ الصحية العامة كسببٍ مُناسب بموجب اتفاقية “تريبس” لإصدار تراخيص إجبارية تسمح لمزيد من الشركات إنتاج الأدوية الأساسية. من الصعب تخيّل وضعٍ أكثر مُلاءمة لتطبيق هذا البند.

إن اللقاحات والأدوية لمواجهة ومعالجة كوفيد-19 بأسعارٍ مُنخفضة ستُفيد الجميع، بما فيها الإقتصادات المُتقدّمة، التي تتعرّض موازناتها العامة لضغوط كبيرة. ومع ذلك، قادت الولايات المتحدة الاقتصادات المتقدمة في عرقلة الإقتراح، لأنه يُفيد مجموعة واحدة فقط: شركات الأدوية متعددة الجنسيات.

هذه ليست مسألة لضمان استرداد الشركات الخاصة لتكاليفها. لقد تمّ تطوير لقاحات كوفيد-19 على خلفية الأبحاث العامة، وتمّ تمويلها بالكامل تقريباً من الموازنات العامة. حتى مع التعليق المؤقت لحقوق الملكية الفكرية، فإن الشركات التي طوّرتها ستربح بشكل كبير.

إن السماح لهذه الشركات بالإحتفاظ باحتكارات براءات الاختراع على لقاحات كوفيد-19 من شأنه أن يطيل فترة الوباء بالنسبة إلى الجميع، ويؤثّر سلباً في الصحة العامة والإقتصاد، من أجل السماح لعدد قليل من الشركات الضخمة تعبئة جيوبها. ومع ذلك، إذا قادت إدارة بايدن الاقتصادات المتقدمة في دعم التعليق المؤقت، فسيتم إنقاذ عدد لا يحصى من الأرواح، وسوف يتسارع تعافي الإقتصاد العالمي.

وبالمثل، لا تحتاج إدارة بايدن إلى موافقة الكونغرس للسماح لصندوق النقد الدولي توفير مُخَصّصات جديدة لحقوق السحب الخاصة لجميع الدول الأعضاء. لقد منعت إدارة ترامب السابقة طلب صندوق النقد الدولي لمثل هذا التخصيص، بقيمة 500 مليار دولار، في نيسان (إبريل) الفائت. كما منعت الهند الطلب، ولكن إذا سحبت الولايات المتحدة اعتراضها، فمن غير المرجح أن تُقاوم الهند. على أي حال، فإن الهند لديها قوة تصويت ضئيلة.

ولكن، يقول معظم خبراء الإقتصاد أن تخصيص 500 مليار دولار في هذه المرحلة لم يعد كافياً؛ إن تخصيص تريليوني (2) دولار سيكون أكثر فعالية في دعم الاقتصاد العالمي المُتعثّر. ومع ذلك، فإن حتى 500 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة المبدئية ستوفر تخفيفاً قصير الأجل لمجموعة واسعة من الاقتصادات النامية، لا سيما تلك التي تتحمّل أعباء ديون ثقيلة.

ويؤكّد هؤلاء الخبراء بأن الأولوية الثالثة لإدارة بايدن يجب أن تكون التعاون مع الدول الأخرى لإنشاء نظام ٍعالمي فعّال لفرض ضرائب على أرباح الشركات متعددة الجنسيات. وكما أظهرت اللجنة المستقلة لإصلاح الضرائب الدولية على الشركات، لن يكون من الصعب القيام بذلك. ستكون الخطوة الأولى هي وضع حد أدنى لمعدل الضريبة الفعّال على الشركات بنسبة 25 في المئة في جميع أنحاء العالم.

ويشرح هؤلاء بأنه سيتم تحديد حصة أرباح الشركة الخاضعة للضريبة في بلد معين وفقاً لصيغة تشمل المبيعات والتوظيف والمستخدمين (للشركات الرقمية) ورأس المال. بهذه الطريقة، لم يعد بإمكان الشركات متعددة الجنسيات تجنّب الضرائب من طريق التحويل المُصطَنع للأرباح المُبلَّغ عنها إلى الولايات القضائية ذات الضرائب المنخفضة.

عارضت إدارة ترامب بشدة اتخاذ إجراءٍ لفرض ضرائب عادلة على الشركات متعددة الجنسيات. على سبيل المثال، عندما قررت فرنسا فرض ضرائب على إيرادات الشركات الرقمية العملاقة الأميركية مثل “فايسبوك” و”أبل” و”غوغل”، ردّت واشنطن بفرض رسومٍ إنتقامية، مُدَّعيةً أن الضريبة تُميِّز ضد الشركات الأميركية. يجب أن تتخذ إدارة بايدن النهج المعاكس، والعمل مع الدول الأخرى لضمان نجاح الحكومات والشعوب بشكل عادل في جميع أنحاء العالم.

من ناحية أخرى، تعهّد بايدن بالفعل، في أول يوم له في منصبه، أن تتخذ إدارته الخطوة الأخيرة التي يمكن أن تعزز الاقتصاد العالمي على الفور: إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ. من خلال القيام بذلك، ستلتزم الولايات المتحدة ليس فقط بالوفاء بأهدافٍ مُحَدَّدة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولكن أيضاً بتقديم المساعدة المالية للبلدان النامية المُعَرَّضة للخطر.

في حين أن اتفاقية باريس لها حدودها، إلّا أنها تُمثّل حالياً أفضل أملٍ لنا في إزالة الكربون من الإقتصاد العالمي. وتأثير أميركا ضروري لإنجاحها. في الواقع، بعد أن أعلن ترامب في العام 2017 أنه سيسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية، مُدَّعياً أنها وضعت “عبئاً اقتصادياً غير عادل” على العمال والشركات ودافعي الضرائب الأميركيين، خفّضت دول عدة أخرى التزاماتها.

ولكن في الآونة الأخيرة، قدّمت الاقتصادات الكبرى، من الصين إلى الاتحاد الأوروبي، تعهّدات جديدة طموحة. حتى الشركات الأميركية بدأت تُدرك أن الإستثمار في التحوّل الأخضر هو في مصلحتها الخاصة.

من خلال إعادة الإلتزام باتفاقية باريس، سيعمل بايدن على تسريع التقدّم العالمي بشأن تغيّر المناخ وتقديم دعمٍ إضافي للتعافي الاقتصادي بعد الوباء. يُمكننا أن نأمل في أن تقوم إدارته بسرعة بقطف ثمارٍ أُخرى مُتدَلِّية أيضاً.

رابط المقال: اضغط هنا

غابريال طبراني، كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

غبريال طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى