يمرّ لبنان في ازمة اقتصادية ومالية ونقدية قد تنتهي الى تآكل الثروات الشخصية التي تكونت في خلال فترة اعادة الاعمار وما قبلها وما بعدها.
ان الثروات المالية المكدسة في القطاع المصرفي والمالي بلغت ما يقارب 240% من الناتج المحلي، وقد احتل لبنان بذلك المركز الثالث بعد اللوكسمبورغ 400% وهونغ كونغ 354% وقبل اليابان 221% الذي احتل المركز الرابع بحسب موقع the global economy لعام 2017.
يعتبر لبنان حاليا” من اكثر البلدان تركزا” للثروات مع فئة قليلة من كبار الاثرياء، مما يدل على التفاوت الطبقي وعدم اعتماد سياسات اجتماعية تسمح المحافظة على طبقة وسطى وازنة الى جانب السيطرة على معدلات الفقر. وفقا” لتقرير الثروة العالمية لعام 2018 الصادر عن Credit Suisse يمتلك 0,3% فقط من اللبنانيين ثروات تفوق المليون دولار وحوالي 77% ثروات تقل عن 10 الاف دولار امريكي وهذا يدل على حدة اللامساواة في توزيع الثروات.
تجدر الاشارة هنا بأنه لم يُطرح مخطط توجيهي وتحفيزي على مدار الحكومات المتعاقبة بعد الطائف يشجع على توظيف هذه الثروات في القطاعات الانتاجية واستدامتها، بل تُرك قسم كبير من المستثمرين لإنتقاء الاعمال الاقل شقاءً والاكثر ربحا،ً كإلتزام الاشغال العامة واعادة تلزيمها مع ما رافق ذلك من رشاوٍ من المحظيين الى النافذين.
يعود تكوين الثروات في لبنان وخصوصا” في خلال فترة ما بعد التسعينات الى عوامل عدة ابرزها:
1- طبيعة اللبناني المبادر والمتأقلم مع المتغيرات، وثقافته في ريادة الاعمال المنفتحة على الشرق والغرب.
2- التركيز على التجارة والمبادلات والمضاربات العقارية والتي بمعظمها لم تخضع للضرائب المتكافئة مع حجم تلك العمليات.
3- الهجمة الخليجية على لبنان بعد سنوات الحرب وما نتج عنها من نشاطات سياحية وعقارية ذات ربحية مرتفعة.
4- الفورات النفطية والاقتصادية خاصة في الخليج العربي وافريقيا والامريكيتين، ما افاد اللبنانيين العاملين في تلك الدول وساهم في نمو ثرواتهم.
5- الازمات المالية التي حوّلت الرساميل والاستثمارات باتجاه لبنان المتميز بعدم انفتاحه المتفلت على الاسواق المالية العالمية التي اصابتها تلك الازمات، واعتماد نظامه المصرفي قانون السرية المصرفية الجاذب للرساميل.
6- الفوائد الدائنة المرتفعة على الودائع وسندات الخزينة التي تفوق بأضعاف المعدلات العالمية.
7- مسارب التهرب في النظام الضريبي الموروث والذي يفتقر الى الحداثة والعدالة.
8- المحسوبيات وابواب الفساد المستشري مع الخلط بين السياسة والاعمال، ممّ ساهم في تكوين ثروات البعض من الطبقة السياسية على حساب الخزينة والتمتع بالسلطة على حساب القانون.
هناك استحالة لتكرار الظروف التي ادّت الى تكوين وتعاظم الثروات الشخصية، وذلك لاسباب عديدة، منها سياسية ومنها ادارية واصلاحية، ومنها اقتصادية ومالية بحتة.
مع التباطؤ الاقتصادي من جرّاء جائحة كورونا الذي اصاب معظم دول العالم حيث تتركز اعمالهم ، يفقد اللبنانيون قدرا” عالٍ من مداخيلهم المحقّقة في تلك الدول، وبالتالي قدرتهم الاستثمارية في لبنان، الامر الذي يفرض تآكل ثرواتهم المجمعة في خلال فترات الانتعاش الاقتصادي.
امّا الظروف السياسية الحالية، المرافقة لانهيار قيمة النقد الوطني والقدرة الشرائية وحجز الودائع في المصارف، فهي من العوامل الرئيسية التي تعيق الاستثمار والاعمال في لبنان وتساهم مباشرة في اضمحلال الثروات.
إنّ تزاوج الثقة والامل يعدّ العامل الاساسي لتشجيع الاستثمار وتطور الثروات، اما فقدانه فله نتائج كارثية على الاقتصاد، ومن لا يتعلم من التاريخ محكوم بتكراره.
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا