نيويورك تايمز: وحدها غريزة البقاء ستشفع للاقتصاد العالمي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
البقاء على قيد الحياة.. هو الأمل الأخير للاقتصاد العالمي في ظل الكورونا
لقد أصبحت حقيقة مؤكدة لاخلاف عليها سواء تحول فيروس كورونا إلى وباء عالمي أم لا، فالاقتصاد العالمي والأسواق المالية قد تأثرت فعليا بانتشار العدوى الفيروسية المميتة، فالتكاليف الاقتصادية التي تتكبدها المجتمعات في تزايد مستمر مع تواصل الجهود التي تبذلها الدول في محاولة السيطرة على انتشار الوباء الجديد.
ورغم تنبؤ بعض الخبراء بحدوث انتعاش اقتصادي في عام 2020 إلا أن كورونا قد عصف بجميع الروايات المفعمة بالأمل حيث خيم الركود على الأسواق الأوروبية واليابانية في أواخر عام 2019 كما هو الحال تماما بالنسبة لكل من الهند والصين، مما جعل ذلك العام بمثابة مدخل لاصطدام العالم بكتلة صخرية على الصعيد الاقتصادي.
والآن فقد وضع الكورونا الاقتصاد العالمي في وضع البقاء على قيد الحياة والتشبث بأمل النجاة، فقد تضررت حركة التجارة والسفر ومنظومة عمل سلاسل الإمداد العالمية. وانخفض مؤشر البلطيق الجاف -والذي يرصد الحركة التجارية العالمية يوميا- بمقدار النصف، إلى جانب ما تعانيه أسعار النفط حاليا من هبوط ملحوظ. كما شهدت الأسواق الأمريكية مؤخرا إقبالا شديدا على بيع الأسهم بعد تفشي الوباء في مناطق كثيرة حول العالم.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا كانت أسواق الأسهم أكثر تفاؤلا عند بداية تفشي المرضن ولماذا ينتابها الذعر الآن؟ وحقيقة الأمر أن الأسواق المالية تتأثر بصورة أو بأخرى بالجوانب المعنوية والتي قد لا تتوافق في كثير من الأحيان مع العوامل الاقتصادية. ولعل حالة الذعر المالي والاقتصادي المنتشرة الآن ترجع في الأساس إلى خيبة الأمل التي سادت العالم بعد فشل الصين في السيطرة على نفسها لينتقل الوباء إلى دول أخرى بالفعل، مما دفع أسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة ودول أخرى إلى محاولة وضع تصور مبدأي ورؤية مستقبلية عن الأحوال الاقتصادية العالمية في ضوء الوباء الجديد.
ولعل التسليم بأن هذا الوباء هو حالة مؤقتة سرعان ما تزول لا يعد أمرا منطقيا خلال المرحلة الراهنة، وبخاصة أن الشركات ومجال المال والاعمال بوجه عام يتضرر على نحو كبير عند الحديث عن استثمارات محفوفة بالمخاطر في المستقبل سواء كانت الإشارة إلى ظروف استثنائية قصيرة الأجل أو ظروف عصبية على المدى الطويل.
وتعكس مؤشرات الأسواق المالية الاحتمالات المتوقعة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وقد ساهمت التحذيرات من انخفاض إيرادات الشركات العملاقة مثل أبل ومايكروسوفت في انخفاض مؤشرات الأسهم الرئيسية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تتضرر بصورة ملحوظة حتى الآن من الوباء، إلا أن الانخفاض في أسواق الأسهم الأسبوع الماضي يعكس أثر الاضطرابات التي تشهدها سلاسل التوريد العالمية على طبيعة عمل الشركات الأمريكية، وكذلك نقاط الضعف في الأسواق الخارجية التي تمثل جزءًا كبيرًا من إيرادات الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة.
في الواقع، فإن الاضطرابات التي تمر بها سلاسل الإمداد العالمية وبخاصة تلك التي تمر عبر قارة آسيا قد ألحقت الضرر بالكثير من الأعمال التجارية حول العالم. وبالنسبة لبعض البلدان كالصين وكوريا الجنوبية والتي تقوم بتصنيع كافة أنواع السلع الحياتية من الألعاب البلاستيكية للهواتف الذكية فإنها تواجه صعوبات جمة حاليا في توريد منتجاتها كما أنها تفتقر إلى ما يكفي من الأيدى العاملة. وحقيقة، فإن محاولة إعادة إنعاش عمل سلاسل الإمداد مرة أخرى قد يستغرق شهورا طويلة إن لم يكن سنوات، وإذا ما واصل هذا الفيروس القاتل انتشاره ليلحق الضرر بالاقتصادات الكبرى الأخرى حول العالم، فسوف يؤدي ذلك إلى شلل تام في عمل سلاسل الإمداد.
ومع ذلك لازال هناك بصيص من الأمل بالنسبة للشركات الكبرى والتي قد تتمكن من الحصول على تمويل بنكي للتغلب على عثراتها، إلا ان المشكلة الرئيسية تكمن في عمل الشركات الصغيرة والتي تعد في بلدان عدة بيئة خصبة للتوظيف وتشغيل الأيدي العاملة، إلا أنها كثيرا ما تواجه صعوبات تتعلق برأس المال، فالبنوك تمتنع عادة عن تمويل تلك الشركات حتى في أفضل الظروف. وبالتالي فإن الاضطرابات الاقتصادية الواقعة حاليا قد تدفع موظفي تلك الشركات إلى الرحيل عنها نظرا لعدم الثقة في إمكانية حصولهم على رواتبهم في ظل الأوضاع المالية المتأزمة لتلك الشركات.
ومن المآزق الأخرى التي تواجهها الحكومات ، خاصة في الصين وغيرها من البلدان الأكثر تضرراً من فيروس كورونا ، كيفية تحقيق التوازن بين احتواء انتشار الوباء والإبقاء على اقتصاداتها في حالة مستقرة. ففي كل يوم يمر دون فتح المصانع والمطاعم وغيرها من الأنشطة التجارية، يتضرر اقتصاد الدولة. ومن ناحية أخرى، فإن الانشطة الاقتصادية القائمة في الأساس على التواصل بين البشر قد تؤدي إلى مزيد من احتمالات تفشي الوباء ومن ثم عدم القدرة على السيطرة عليه.
وفيما يبدو أن العالم بات بلا مخرج الآن، فإذا قامت البنوك الكبرى بخفض أسعار الفائدة مثلا لتشجيع الناس على الاقتراض، فإن ذلك لا يبدو حل مثالي، لأن حالة عدم اليقين تجعل الأفراد والشركات أقل ميلا إلى الإنفاق والاستثمار حتى لو توفرت لهم قروض ميسرة. ولعل كل ما بوسع حكومات العالم حاليا فعله، هو ضمان التدفق الحر للمعلومات والأخبار بكل دقة وشفافية حتى وإن كانت المعلومات سلبية وقاتمة، إلى جانب استعراض كافة الجهود الرسمية المبذولة لمحاولة احتواء الأزمة، على أمل أن يخفف ذلك من حالة عدم اليقين والثقة في المستقبل.
رابط المقال بالإنكليزية اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا