هل تشتري السعودية النفط الايراني بطريق الخطأ؟
ما سر تعمد المملكة العربية السعودية إخفاء حقيقة إنتاجها من النفط.. هل تخطط للاضطلاع بدور جديدة في المنطقة! أم أن حجم الانتاج الحالي لا يليق بصورة المملكة أمام العالم!
لطالما اعتبرت التصريحات الرسمية حول حجم الإنتاج السعودي من المواد الهيدروكربونية معقولة نسبيا في نظر عدد من الخبراء، شأنها في ذلك شأن التصريحات الصينية حول معدل النمو الاقتصادي. ولكن بات ملحوظا في الآونة الأخيرة أن قدرة السعودية على اخفاء حجم الاحتياطي النفطي الخاص بها وسعتها الاحتياطية؛ آخذة في التنامي، حيث يعتقد الخبراء أن البيانات الصادرة عن السعودية قد لا تحوي قدر كبير من الأكاذيب إلا أنها لا تتمتع بالدقة الكافية.
ويمكن القول بأن الهجمات الأخيرة على بعض الأهداف النفطية السعودية قد أتاحت الفرصة أمام المملكة للخروج بالمزيد من التمويه حول حقيقة وضعها النفطي بعد استهداف كل من منشأة بقيق الضخمة وحقل خريص النفطي. فقد أدت الواقعة إلى تخفيض إجمالي الإنتاج اليومي من النفط بواقع 5.7 مليون برميل يوميا، ويعادل هذا الرقم نحو نصف إجمالي الطاقة الإنتاجية الفعلية للنفط الخام في المملكة العربية السعودية، مما أسفر عن أكبر ارتفاع شهدته أسعار النفط خلال يوم واحد فقط.
وبمجرد أن تمكنت كل من الشركات الصغرى التي تعمل في مجال تجارة النفط والصناديق الاستثمارية من الحصول على أرباحها، وفي الوقت الذي أصبح فيه العالم على يقين بأن الولايات المتحدة سوف تعمد إلى ضخ كميات من النفط الخاص بها في محاولة منها للحفاظ على استقرار أسعار النفط وذلك بالتزامن مع بدء الموسم الانتخابي في أمريكا، فقد عادت أسعار النفط إلى الانخفاض مرة أخرى بصورة واضحة.
ويعتقد بعض الخبراء بأن الهجمات الأخيرة قد أثبتت أن المسئوليين السعوديين يفتقرون إلى الفهم الكامل لحقيقة الأمور، وذلك رغم محاولتهم إظهار العكس تماما، فقد حدثت العديد من الأحداث المتضاربة مباشرة بعد استهداف المواقع النفطية، حيث شهدت أسعار النفط ارتفاعا مفاجئا ثم ما لبثت وأن عادوت الانخفاض مرة أخرى دون الخروج بتفسير واضح ودقيق من قبل المملكة، وهذا ما يعني في نظر بعض رجال الاقتصاد أن كبار المسئوليين السعوديين لا يملكون فهم حقيقي لأسواق النفط والصناعة النفطية السعودية من الأساس.
وقد حاول وزير النفط السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بث رسالة طمأنة إلى العالم مباشرة بعد الواقعة الأخيرة، أكد فيها على أن المملكة تخطط لاستعادة قدرتها الإنتاجية بواقع 11 مليون برميل يوميا بحلول نهاية سبتمبر الجاري، كما أنها تعتزم استعادة كامل طاقتها الإنتاجية بواقع 12 مليون برميل يوميا بعد مرور شهرين.
ولعل تلك التصريحات ما اعتبرها بعض الخبراء نوعا من المراوغة السعودية ومحاولة للالتفاف حول الأمور، فقد ركز الوزير السعودي على استخدام كل من مصلح القدرة والإنتاجية وذلك متعمدا عدم التطرق إلى الحديث عن حجم الاحتياطي النفطي الحقيقي داخل الآبار السعودية. وهذا ما يعني أن المملكة تحرص على استخدام بعض الاخفاء في رداء من الشفافية حفاظا على صورتها أمام العالم كأكبر مورد للنفط.
ومن الأمور التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار هنا؛ أنه منذ بداية حرب أسعار النفط التي عمدت المملكة العربية السعودية إلى إشعال فتيلها في مواجهة منتجي الصخور النفطية في أمريكا في محاولة منها لتدمير تلك الصناعة الأمريكية الناشئة قد تسبب في خفض أسعار النفط بعد إغراق السوق بكميات هائلة من النفط آنذاك. وبالتالي فإنه إن كان حجم الإنتاج السعودي الفعلي نحو 12 مليون برميل يوميا فإن الوقت قد حان الآن لضخ تلك الكميات إلى الأسواق. ولكن ما تمكنت السعودية من تصديره للأسواق فعليا كان أقل من 10 مليون برميل يوميا، مما يكشف عن نوع من المبالغة في التصريحات السعودية الرسمية.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه السعودية بأنها تحتاج قرابة الـ 90 يوم لنقل الحفارات والمعدات إلى مواقع جديدة من أجل حفر المزيد من الآبار كي تتمكن من إنتاج 12 مليون برميل يوميا، فإن عدد من المعنيين بالشئون النفطية في العالم باتوا يشككون في حجم القدرات النفطية الفائضة لدى المملكة، والتي يرون أنها لا تتجاوز 1 مليون برميل في اليوم.
وبصرف النظر عن إجمالي الطاقة الإنتاجية الفعلية لدى المملكة العربية السعودية، فإنه لا توجد أي طريقة دقيقة لتقييم الفترة الزمنية اللازمة للوصول إلى معدلات الإنتاج السابقة.
وقد قامت شركة أرامكو بتقديم بعض العروض البديلة إلى عملائها الأكثر تضررا من الهجمات الأخيرة وبخاصة العملاق الصيني الأكثر طلبا للنفط المكرر، حيث تم الاتفاق على حصولهم على كميات من الزيت الخام أو الزيت متوسط التكرير، حيث أعلنت شركة أرامكو بأنه قد يصعب توفير النفط النقي خلال الفترة الحالية لأن الأمر يرتبط في الأساس بالحالة العامة لمصافي التكرير وقد يستمر الوضع طوال شهر سبتمبر على الأقل.
وقد أقدمت السعودية مؤخرا على اتخاذ خطوة استثنائية – رغم محاولتها إنكار الأمر أو التستر عليه- حيث أفادت مصادر في وزارة النفط العراقية بأن السعودية تخطط حاليا للحصول على بعض درجات من النفط الخام العراقي كي تتمكن من الإيفاء بتعهداتها أمام عملائها وبخاصة في آسيا. ويعتقد بعض الخبراء أن المستويات المختلفة من النفط العراقي تتشابه إلى حد كبير مع الدرجات النفطية التي تقوم السعودية بتصديرها إلى الأسواق العالمية، ولعل الدافع الأساسي وراء قيام السعودية بالإجراء الأخير هو محاولة التصدي لعمليات بيع النفط الإيراني داخل آسيا.
ولعل المفارقة الكبرى هنا؛ أن الاستراتيجية التي تلجأ إيران إلى استخدامها بهدف التحايل على العقوبات الأمريكية تتمثل في قيامها بوضع العلامة التجارية الخاصة بالنفط العراقي على الصادرات النفطية الإيرانية، وقد يتثنى لها ذلك بكل سهولة عبر الحدود التي يسهل اختراقها بين البلدين أو من خلال أنابيب النفط وطرق الشحن المختلفة.
وهنا قد تجد المملكة العربية السعودية في موقف لا تحسد عليه، فهي من جهة تحرص على تجميد الأرصدة البنكية التابعة لبعض الجهات المسئولة عن الهجمات على المنشآت النفطية والمتمثلة في الأساس في قوات الحرس الثوري الإيراني الداعم الأكبر لجماعة الحوثي في اليمن، ولكنها من جهة أخرى قد تقدم على شراء النفط الإيراني الموسوم بالعلامة العراقية بطريق الخطأ.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا