إقتصادالاحدث

هل تصبح دول القوقاز وآسيا الوسطى قبلة دول الخليج؟ | بقلم حسان خضر

في عصر بدأ العالم يشهد نشوء نظام متعدد الأقطاب، إن من خلال الدول المنضوية تحت المضلة الأمريكية والغربية، أو ضمن مشروع الحزام والطريق الصيني، أو الممر الاقتصادي الذي يبدأ في الهند مروراً بدول الخليج العربي وصولاً الى البحر المتوسط وأوروبا، فضلاً عن مجموعة دول “بريكس” الآخذة بالتوسع، تسعى بعض الدول والمناطق والتجمعات الاقتصادية إلى تنويع علاقاتها الخارجية القديمة، أو تقوم بنسج علاقات اقتصادية ومالية حديثة.
كما تتطلع مناطق بأكملها الآن، وإن كانت تبدو بعيدة عن بعضها البعض من الناحية الجغرافية، إلى بناء روابط أوثق لتطوير العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، والتي تُترجم في نهاية المطاف إلى مشاركة جيوسياسية نشطة. ومن هذه المناطق العلاقات الناشئة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول القوقاز ووسط آسيا. وعلى الرغم من شح البيانات والمعلومات حول موضوع توسيع التعاون بين الكتلتين، إلا أن العلاقات تبدو واعدة، وتُبذل جهود مخلصة نحو توسيعها في المجالات التجارية والاستثمارية من خلال النظر إلى السياق الجيوسياسي الأوسع.

وحتى وقت قريب فإن تدفقات التجارة بينهما كانت محدودة للغاية ومركزة في عدد قليل من الدول، إذ بلغت تجارة السلع بين المنطقتين حوالي 0.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما خلال الفترة 2018-2022. وكانت تجارة الخدمات أعلى إلى حد ما عند 0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما خلال نفس الفترة. أما التدفقات المالية بين المنطقتين فهي قليلة، وهيمنت عليها تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الغالب من عدد قليل من دول مجلس التعاون الخليجي إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وعلى الرغم من التحسن في الآونة الأخيرة، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول مجلس التعاون الخليجي إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى لم تمثل سوى 0.5 في المائة من محفظة الاستثمار الأجنبي المباشر لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة 2020-2023، وحوالي 0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى.

ولكن، في السنوات الأخيرة، اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي والقوقاز وآسيا الوسطى خطوات نحو تعميق علاقاتها في مجموعة واسعة من المجالات، حيث عُقدت قمة بين زعماء دول مجلس التعاون الخليجي وخمس دول في آسيا الوسطى في المملكة العربية السعودية في يوليو 2023، ومن المقرر عقد قمة أخرى في صيف عام 2025 في أوزبكستان. ويبدو أن الجهود المبذولة على الصعيد الاقتصادي والمالي تهدف إلى تنويع فرص الاستثمار والأسواق على جانب دول مجلس التعاون الخليجي، وبناء رأس المال المادي والبشري وتكنولوجيا المعلومات وتوسيع فرص التجارة والتوظيف على جانب القوقاز وآسيا الوسطى.

وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي والقوقاز وآسيا الوسطى بشكل كبير على التجارة على الرغم من أن لديهما احتياجات ادخار واستثمار تكميلية. إن الانفتاح التجاري في كلتا المنطقتين، كما يقاس بنسبة الصادرات بالإضافة إلى الواردات من السلع والخدمات إلى الناتج المحلي الإجمالي، أعلى من الانفتاح التجاري في الاقتصادات الناشئة والنامية والاقتصادات المتقدمة. ومن شأن المزيد من تنويع التجارة أن يفيد كل من منطقة القوقاز وآسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي. وتُظهِر دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى تركيزًا سوقيًا مرتفعًا نسبيًا للصادرات غير النفطية من السلع (وتنطبق نفس النتيجة على الواردات غير النفطية). وفي حين أن مصادر الواردات في دول مجلس التعاون الخليجي متنوعة جغرافيًا إلى حد ما، فإن اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على الواردات يشير إلى أنها قد تستفيد من المزيد من تنويع الشراكات التجارية.

وعلى الرغم من أن جميع دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى غير ساحلية في الغالب، إلا أنها تشكل مجتمعة طريقًا وسكك حديدية حاسمة للأسواق الأوروبية والصينية والروسية المربحة. وقد أدى هذا بالفعل إلى استثمارات كبيرة في البنية الأساسية للنقل، ولكن هناك الكثير مما يجب القيام به، ويمكن أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي من بين الدول التي تستفيد من هذه الفرصة الكبرى.

أما التدفقات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي فتبدوا أكثر تركيزًا، حيث تم على مدى العقدين الماضيين توجيه تدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي لصناديق الثروة السيادية من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أساسي نحو الدول المتقدمة، مع التركيز المتزايد على قطاعات النقل والاتصالات والتصنيع للاستفادة من التنوع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية الحيوية بالإضافة إلى ضمان عوائد مالية مستقرة. وعليه، فإن التنويع الاقتصادي في دول القوقاز وآسيا الوسطى والمشاريع المستقبلية لا سيما في البنية التحتية والطرق وسكك الحديد بين الشرق والقارة الأوروبية يتيح قناة هامة لدول مجلس التعاون للاستثمار في تلك المشاريع الحيوية.

وبجانب التركيز على تعزيز التعاون الثنائي والاستثمار في قطاعات مختلفة مثل الطاقة والبنية الأساسية والنقل والسياحة والزراعة، هناك لدى المستثمرين الخليجيين مجموعة واسعة من الفرص لاستكشافها، من الصناعات التقليدية، مثل البيع بالتجزئة والجملة، إلى القطاعات الناشئة مثل الطاقة الخضراء والتصنيع المتقدم والتكنولوجيا والابتكار.

ورغم أن الروابط التجارية والمالية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول القوقاز ووسط آسيا محدودة في الوقت الحاضر نظراً للحالة الراهنة لتنويع اقتصاداتها، فإن العمل السياسي المتعمد من شأنه أن يؤدي إلى تحسين التعاون وتوسيع فرص التجارة والاستثمار. وقد بدأت الجهود بالفعل لتحسين التعاون. وتشمل التدابير الشاملة لدعم المشاركة الاقتصادية تلك اللازمة لتحسين الأداء الاقتصادي عموماً، ودعم التنويع وخلق فرص تجارية واستثمارية جديدة. فدول مجلس التعاون أكثر ما تحتاجه حالياً هو تنويع اقتصاداتها بعيداً عن المورد الوحيد وهو النفط، ودول وسط آسيا تحتاج في هذه المرحلة الانفتاح وتطوير اقتصاداتها من خلال الروابط التجارية وتشجيع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر؛ ما يعني أن المصلحة المشتركة قائمة بينهما.

إن ما تحتاج إليه المجموعتين اليوم، في خضم المنافسة العالمية الشرسة وصراع المحاور والأقطاب العالمية، وفي ضوء التطور السريع في التكنولوجيا، هو خلق مجموعة من الروابط الاقتصادية والاستثمارية والتجارية ضمن شبكة أمان تنظيمية ومؤسسية قائمة على رؤية استراتيجية واضحة، وخاصة تلك التي تضمن تنمية اقتصاداتها، وتعمل على حمايتها من الأزمات العالمية، وتضمن الأمن للاستثمارات والتجارة في المستقبل.

 المصدر: النهار

حسّان خضر، باحث وكاتب لبناني

باحث في الشؤون الاقتصادية وله دراسات وتقارير مهنية معمقة تتصل باقتصادات مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات العربية بشكل عام. عمل في مؤسسات اقليمية مرموقة منها بنك الكويت الوطني والمعهد العربي للتخطيط، ويعمل حالياً خبيراً في ادارة البحوث في بنك الكويت المركزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى