حرصت معظم الجامعات التي تهتم بتدريس الفنون المتحررة خلال السنوات الأخيرة على تبني نظاما جديدا في الأساليب الدراسية يعتمد في الأساس على مبدأ اكتشاف وإدارة المواهب الطلابية بما يتناسب مع المتطلبات الأساسية لسوق العمل، أي أن الأمر لم يعد قاصرا على تدريس منهج ثابت ومحدد فقط، بل مساعدة الطلاب على الابتكار وخلق المزيد من الأفكار.
ومن التطبيقات الناجحة للنظام الجديد هو النموذج الذي قدمته العميد المساعد لكلية العلوم والفنون بجامعة جنوب فلوريدا، أليسون كليفلاند روبرتس، والتي رأت أن الإدارة الناجحة لمواهب الطلاب تعتمد في الأساس على دراسة المناهج التعليمية التقليدية ولكن بطريقة تحليلية ابتكارية مما يساعد على فتح آفاق جديدة تجعل الطالب الجامعي مهيئا للانخراط في سوق العمل.
وقامت أليسون بتقسيم أنواع الفنون المتحررة التي سيقوم الطلاب بدراستها داخل الكلية إلى 22 قسم مع وضع قائمة تشتمل على أبرز المهارات والمتطلبات الوظيفية في مختلف المجالات، وعلى الرغم من أن خطط أليسون قوبلت بنوع من الرفض من قبل بعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعة لكنها أصرت على تطبيق النموذج الجديد وهي على يقين تام بأنهم سيعدلون عن آرائهم التقليدية يوما ما.
ويهدف النموذج التعليمي الجديد المستند إلى مبدأ اكتشاف وإدارة المهارات الطلابية إلى إيصال رسالة إلى أصحاب الأعمال مفاداها بأن الدرجة العلمية الجامعية سوف تصبح من الآن فصاعدا أكثر من مجرد شهادة يحصل عليها الطالب، بل هي حزمة من المهارات المتنوعة التي يكتسبها على مدار سنوات دراسته الجامعية ليصبح قادرا على شغل الوظيفة المناسبة.
ويرى كثير من الخبراء أن الاتجاهات السائدة حاليا في سوق العمل تركز على استهداف المهارات، الأمر الذي دفع معظم المؤسسات التعليمية نحو تبني أنظمة جديدة تركز على دراسة الطالب نفسه وتحليل قدراته ومساعدته على تحقيق ما يرمي إليه في المستقبل، إلى جانب منحه الفرصة ليكون مميزا من خلال تقديم إسهامات جديدة سواء على الصعيد النظري أو العملي.
وفي الوقت الذي لا تعمد فيه معظم جهات العمل عادة إلى تدريب موظيفها، فإن المسئولية تقع هنا على عاتق المؤسسات التعليمية في إكساب الطلاب المهارات اللازمة استعدادا لخوض غمار البحث عن وظيفة المستقبل.
وقد حرصت العديد من المدارس والجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا على تبني النظم التعليمية الجديدة التي تركز على فكرة المهارات أكثر من الدرجة العلمية في حد ذاتها، في خطة منها لجذب وتشجيع عدد أكبر من الطلاب على الالتحاق بصفوفها الدراسية.
لماذا أصبحت المهارات الوظيفية مطلبا أساسيا في سوق العمل؟
نظرا للتغيرات الجذرية التي حدثت في المتطلبات الوظيفية خلال السنوات الأخيرة، فإن أصحاب الأعمال باتوا أكثر دقة وتحديدا فيما يتعلق باختيار الموظفين الجدد، فالعمل بمبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب بات هو الاتجاه السائد في كل مراحل عملية التوظيف.
وتعمد معظم الشركات الكبرى حاليا إلى إدارة قطاع القوى العاملة بما يتناسب أهداف الشركة ويحافظ على كفاءة أدائها ومستوى إنتاجيتها، وذلك من خلال وضع إطار محدد لمصفوفة المهارات التي تحتاجها الشركة والعمل على ترشيح الأشخاص المناسبين من حيث مستوى الكفاءة لشغل مناصب محددة داخل الشركة.
وبالنسبة للطلاب، فإن نظام تتبع وإدارة المهارات يعد بمثابة حلقة الوصل بين الدرجة العلمية التي يحصلون عليها والمتطلبات الوظيفية التي يحتاجها سوق العمل، وفي الوقت الذي قامت فيه بعض الجامعات وبرامج التدريب عن بعد بتطبيق النظام الجديد، فإن بعض المدارس قطعت شوطا لا بأس به أيضا في ذات المضمار من أجل إعداد أجيال قادرة على مواجهة الحياة العملية.
هل يوجد سقف أو إطار عالمي محدد للمهارت والكفاءات المطلوبة؟
من المشكلات التي واجهتها المؤسسات التعليمية هي مسألة تحديد إطار للمهارات والمتطلبات التي يحتاجها سوق العمل وبخاصة أنه لا توجد منظومة أو اتفاق عالمي على تحديد معايير الكفاءات، الأمر الذي أوجد بعض الصعوبات فيما يتعلق بكيفية تطوير المناهج الدراسية التقليدية بما يتلاءم مع الاتجاه الجديد، إلى جانب صعوبة التركيز والتنقيب عن المهارت الأكثر أهمية والموجودة فعليا داخل المقررات الدراسية.
كما تبرز أهمية عنصر الوقت بالنسبة لتبني النظام الجديد في المؤسسات التعليمية مع ضرورة التركيز على العديد من المهارات الأولية التي يجب إكسابها للطلاب كالعمل الجماعي والتواصل الجيد وإدارة الأزمات، الأمر الذي يخلق نوع من المنافسة الإيجابية بين المؤسسات في محاولة لاستباق الخطى وصولا إلى التطبيق الفعلي لنموذج تتبع وإدارة المهارات.
نقطة الإنطلاق
يرى بعض الخبراء في مجال التعليم بأنه يمكن الاستعانة بالنموذج الذي قدمته أليسون كليفلاند في جامعة جنوب فلوريدا من أجل تعميم تجربة إدارة المهارت الطلابية داخل المؤسسات التعليمية، فقد اعتمدت أليسون على تصميم نموذج يساعد الأساتذة على تقييم المناهج الدراسية التي يقومون بشرحها للطلاب ودراسة رجع الصدى في ضوء الكفاءات والمهارات المطلوبة التي تفرضها ساحات الأعمال ، والتي يمكن الإطلاع عليها عبر إعلانات الوظائف المختلفة.
وبالتالي فإن التعرف إلى نقاط الضعف والقوة داخل القاعات الدراسية يعد بمثابة نقطة الإنطلاق نحو دخول النظام الجديد إلى حيز التشغيل وتطبيق الممارسات الفعلية الخاصة بتتبع واختبار المهارات الطلابية.
وقد نجحت بعض الأقسام داخل الجامعة بالفعل في تنفيذ بعض الاختبارات التي تقيس مستوى الأداء الطلابي ورصد الفروق الفردية بين الطلاب ومن ثم العمل على سد الفجوات في المناهج الدراسية من أجل إكساب الطلاب المزيد من المهارات الجديدة والتي تؤهلهم لشغل الوظائف المختلفة.
والجدير بالذكر أن نموذج إدارة المهارات الطلابية من شأنه أن يساعد على ترسيخ دعائم التفكير النقدي ومساعدة الطلاب على الإبداع في الكثير من المجالات، مما يكسب الشهادات الجامعية الخاصة بأقسام الفنون المتحررة المزيد من القيمة، ويجعل الطلاب أنفسهم على درجة عالية من الجاهزية للخروج إلى سوق العمل.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا