بعد لعبه الذي إمتد لأكثر من ساعتين متواصلتين، أصابت أحمد . ح. (10سنوات ) حالةٌ من التشنج ثم سقط مغشياً عليه، ولِحُسن حظه نقل الى المستشفى فوراً، قبل دخوله في غيبوبة قد تنتهي بوفاته، فكان التشخيص الأولي للطبيب :” شحناتٌ كهربائية عالية في الدماغ بسبب الأجهزة اللوحية ” .
يعد أحمد أحد ضحايا جهاز الهاتف الذكي، بعد أن اصبح مدمناً على ممارسة الألعاب ( games ( عليه، والذي لا تنفي والدته ريم ف. ( 42 عاما، مهندسة ) أنّه بات يفضل أن يبقى وحيداً ومعزولاً عن أخوته في المنزل، ويتجنب مخالطة العالم الخارجي، مكتفياً بالصداقة مع هاتفه الذكي، ما يجعلئه كئيباً بين إخوته.
وتوجه الأبحاث الحديثة أصابع الاتهام الى الهواتف الذكية والاجهزة اللوحية في أمراضٍ خطيرة كالسرطان والأورام الدماغية والصداع والإجهاد العصبي ومرض الرعاش وضعف البصر والعمود الفقري وآلام الرقبة والكلى، وغيرها من الامراض .
وإلحاقاً بهذه المخاطر، تُعتبر الموجات المغناطيسية المنتشرة في البيئة المحيطة بنا وحولنا، أحد أسباب التوتر والانفعال لدى الاطفال والمراهقين .
لقد أصبح إستخدام الهواتف الذكية للأطفال أمراً بديهياً ويومياً أيضاً، لكن الكثير منهم يقضون أوقاتاً طويلة على هذه الهواتف ما سيسبب إدمانهم عليها . وفي هذا السياق حذّرت دراسةٌ ألمانية حديثة، من خطر الأجهزة الذكية واللوحية والمحمول بشكلٍ عام على نمو الأطفال، وأعربت رابطة الأطباء الألمان في برلين برئاسة “توماس فيشباخ”، عن قلقها من السماح للأطفال في سنٍ مُبكرة من إستخدام الهواتف مُعتبرةً أن أولياء الأمور يتهاونون في الأمر.
ووفق الدراسة الصادرة في 4 تشرين الثاني الماضي فإنّ 50 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و7 سنوات يستخدمون الهواتف الذكية بنسبة 54% من أوقاتهم، وأنّ 75 % بعد عمر العاشرة يملكون هواتف لا يستخدمونها لأغراض الإتصال.
مسؤولية الأهل بمنع أولادهم في سن مبكرة
ويفيد “جلال شربا” المتخصص في الأمراض النفسية، بأن “إستخدام الأجهزة اللوحية من قبل الأطفال تحت عمر 12 سنة له تأثيرٌ كبير، إذ يؤثر على القدرات الذكائية للأطفال وعلى قدرة الطفل على التواصل مع المجتمع، بالإضافة إلى تأثيره على كسب المهارات الإجتماعية لأنه يجعل الطفل منعزل وضمن عالم خاص”، مشيراً إلى مسؤولية الأسرة عن الطفل بالشرح له عن آثار المحمول و”التابلت” وذلك بمنعه من سن مبكرة، وليس عند وصوله الى عمر 12 سنة.
ليس جديد أن الهواتف الذكية أصبحت تهيمن على حياة الكثير من التلاميذ في مدارس لبنان لدرجةٍ أنه من المستحيل الإستغناء عنه لتلاميذ الصفوف الابتدائية وصولاً صفوف المرحلة المتوسطة والثانوية، لكن هل سمعنا بإطلاق احدى الثانويات ( أكانت رسمية أو خاصة ) مبادرة شبيهة بتلك التي أطلقتها ثانوية “غيرتسهايمر بيتسلدرف” في إحدى ضواحي إلمانيا والتي تقوم على مبدأ ” من يستخدم هاتفه في الصف الخامس أقل من الآخرين يكافأ”؟ ، فعلى الرغم من أن وضع الهاتف الذكي جانباً صعبٌ على معظم التلاميذ، لكنهم باتوا يُدركون بعد أسابيع من المسابقة المدرسية أنّ إستخدامه يُشكل خطرا أيضاً .
ففي هاتف أحد الطلاب تطبيق لوالده يسمح له باستخدام الهاتف على الأكثر ساعة ونصف الساعة يومياً، فيما عبارة ” يكفي الآن، ضعه جانباً ” كفيلة بتوقف زميله عن إستعمال الهاتف الذكي بعد أن يكشف التطبيق ذاته على هاتف والدة الأخير أن الوقت المحدد يومياً إنتهى.
وهنا السؤال: هل يرى أطفال لبنان ومراهقيه في الهاتف الذكي مجرد آلة لا تستطيع تعويض الصداقات الحقيقية أم أن يكتفون بالصداقة مع الهاتف الذكي و”التابلت” ؟
المخاطر الجسدية والنفسية والعقلية تنتظر أولادنا
أيادٍ صغيرة، وعيونٌ يأسرها وميض الشاشات المحمولة، ساعاتٌ وساعات يمضيها أطفال لبنان ومراهقيه متسمرين في أماكنهم، غائرين في عالمٍ مثير تحتويه الأجهزة الذكية، لكن هل تساءلنا يوماً عن تأثير هذه الساعات الطويلة على أطفالنا ؟
تُجيب الإخصائية في علم النفس العيادي “سيسيليا ضومط ” :” المخاطر متشعبة، فمن الصداع الى مشاكل السمع، إلى وخز الجلد وفقدان الذاكرة والتركيز، وصولاً الى طنين الأذن والإضطرابات العصبية وحتى سرطان المخ، لائحةٌ لا تنتهي من التأثيرات السلبية والأمراض المحتملة الناجمة عن الإستخدام المفرط للهاتف المحمول، تتنافس مواقع الصحة العالمية في نشرها”، لافتةً إلى أنه ومع ذلك لا يبدو أنّ هناك وعياً كافياً من قبل مستخدميه من الأطفال والمراهقين في لبنان، بضرورة ترشيد إستعماله، تفادياً لما يمكن أن يلحقه بالصحة الجسدية والنفسية والعقلية من أضرارٍ جسيمة بهاتين الفئتين بعد مرور سنوات من إستخدامه “.
وتُذكر ضومط بالتحذير الذي أطلقته الكثير من الدراسات الحديثة التي تعمل في مجال تقييم المخاطر لألعاب الاطفال الالكترونية، من تأثير الاشعاعات الكهرومغناطيسية التي تنبعث من هذه الاجهزة على المدى الطويل، ولا سيما تأثيرها على حالاتهم النفسية والعقلية والسلوكية، والتي بإمكانها التسبب بمصاعب في قدراتهم على التعلم من خلال إنخفاض مستوى التركيز، وإضطرابات النوم والقلق والتوتر وصولاً الى الصرع، وضعف الذاكرة ونقص القدرة على الاستيعاب والفهم، بالإضافة الى نشوء بعض السلوكيات العدوانية غير المُبررة .
العالم الافتراضي : جرائم وإنتحار
وتسأل : ألم نشهد العديد من حالات الإنتحار وإرتكاب الجرائم في لبنان؟ فالإنعزال وصعوبة التواصل الحقيقي مع الآخر، وبعد الدخول في حالة الإدمان يدفعان الى الإنتحار خصوصاً عند أولئك الذين خطفتهم الألعاب الى العالم الافتراضي، حيث شهدنا أكثر من جريمة إستوحاها المراهقين من الالعاب، مثلما رأينا كيف جعلت “لعبة مريم ” المراهقين في حالة إحباط وإكتئاب تدريجي من التهديد والإستغلال وصولاً الى درجة الإنتحار، أو إلحاق الاذى بالغير، مستندةً إلى ما توصلت اليه الدراسات الحديثة في الولايات المتحدة الامريكية من ” أن بعض المراهقين ممن إرتكبوا جرائم في المدارس كانت طريقتهم تقليد لبعض الالعاب التي أدمنوا عليها عبر الهواتف الذكية” .
وبعدما تفاقمت ظاهرة حمل الأطفال الصغار والمراهقين للهواتف الذكية في لبنان، حيث تتنوع حجج الاهالي من رغبة الوالدين في إحساس اطفالهم بالرفاهية، أو للأطمئنان عليهم كما تقول ريم، أو حتى لأن رفاقهم يحملون هواتف فيجب “تقليدهم” وهي الحجة الأكثر ترجيحا وراء سماح الاهالي لأبنائهم وبناتهم المراهقين بحمل هذه الهواتف في المدرسة، كما توضح ضومط، خرج مؤسس شركة “مايكروسوفت” بيل غيتس، برأي حاسم” لم أسمح لأولادي بأن يكون لديهم هاتفاً شخصياً، إلا مع بلوغهم سن 14 عاماً، مشيراً إلى أنه يمكن أن يسمح للطفل باستخدام الهاتف الذكي فقط مع دخوله للمرحلة الثانوية، وفقاً لصحيفة “الميرور” البريطانية، في عددها الصادر في 5 ايار 2017.
الأهل ” أهلية الطفل ”
ويبدو أن موقف غيتس يأتي منسجماً مع ما توصلت اليه بعض الدراسات الحديثة من “أن إعطاء هاتف لأطفال يقل عمرهم عن 10 سنوات “أمر خاطئ” بالنسبة لتربيته وصحته وتعليمه، مشيرةً إلى “عدة أسئلة” يُمكن من خلالها التعرف على “أهلية الطفل” للحصول على هاتف ذكي أو “كمبيوتر لوحي” .
ومن هنا تأتي نصيحة ضومط بعدم سماح الأهل للأطفال والمراهقين بأن ان لا يسمحوا لهم باستعمال الهواتف الذكية أكثر من ساعة ونصف يومياً، لكن عن طريق التفاهم وعن طريق إيجاد بديل عن الهاتف الذكي، كالرياضة والإعتياد على العلاقات الاجتماعية، لأن المسبب الرئيسي لإدمان هؤلاء الاطفال على الهاتف الذكي والالعاب التي يلعبونها عليه، هو غياب الأهل أو عدم قدرتهم على إعطائهم الوقت اللازم ( quality time ) لوجودهم مع اولادهم، إضافة الى الإهمال وهو ما يؤدي الى هذه النتائج السلبية على صحتهم العقلية والنفسية .
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا