الحريّة في الديمقراطية والرأسمالية والدين.. | بقلم د. أحمد عياش
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
الحريّة هي أن تعبّر عن رأيك بصراحة وأن تتحرك بلا قيود وأن تكون المسؤول الأول عن قراراتك والأهم أن تكون روحك المالكة الوحيدة لجسدك وأن تكون نفسك، المديرة الحقيقية لعملك والمستفيدة الأخيرة من تعبك ومن رزقك وأن تكون وباختصار مكتفٍ بما لديك لتعيش عند الحدّ الأدنى من الكرامة الإنسانية…
اخفظ ما أكتبه لك:
أول ملكية خاصة في التاريخ الإنساني ملكية الجسد للنفس وللروح فلا تتاجر ولا تغامر به…
لا حريّة مهما تكلمت ومهما شتمت الآخرين بصوت عال وأنت رهين رغيف خبزك ومشرّد تبحث عن سكن يأويك وجاهل تريد أن تتعلم فتطلب قلمًا وكتابًا فلا تجدهما وأنت موجوع عند قارعة الطريق ترفض المستشفى استقبالك لعدم توفر المال فتضطرّ ان تحني رأسك وتبيع صوتك لغيرك لتنقذ حياتك…
لست سلعة…
لا حريّة إن لم تكن مستقلًا اقتصاديًا و محترم اجتماعيًا و متوازن عند الحدّ الأدنى نفسيًّا…
ورغم ذلك ،لا يكفي أن تتوفر لديك كلّ الشروط أعلاه لتكون حرًّا، يجب ان يكون من يعيش معك في البلاد أحرارًا مثلك….
ناضل من أجلهم لتتقدس حريتك…
لا تكتمل حريّتك من دون أن تكتمل حريّة الآخرين من حولك فالحريّة ليست مسألة شخصية انما حركة تتكامل مع راحة الأفراد الآخرين الذين يشاركونك المواطنية والعيش في البلد…
لا علاقة للرأسمالية بالحريّة ولو أن الإعلام الرأسمالي ناجح في تزوير الوقائع وفي تجميل الكوارث كما لا علاقة للديمقراطية مهما بلغت من جعل الإنسان حرًّا ان كانت شروط الحياة لا تنتج غير العبيد…
الديمقراطية تستغلّ اعتقادك بحريّة قرارك في طرح خيارات سيئة امامك لتختار بين سيء واسوأ من دون ان تملك انت اي دور في التغيير نحو الافضل…
ماذا ينفع أن تكون في بريطانيا أنت تركض “من الفجر الى النجر” لتعمل لتأمين قوت عيشك وان تبقى يوم العطلة الأسبوعية نائما لعلك تعوّض ما فاتك من راحة وان تجد نفسك بلا اصحاب وبلا محبين وان تشعر ان الآخر لا يتصلّ بك الا عند حاجته لك وان تجنع المال كل السنة لتزور لبنان لاسبوعين…
كيف تكون حرًّا في لندن وأنت توصي أبناءك بحسرة ان يدفنوك في حاروف…
تعبّر في بريطانيا عن رأيك بارتياح وإن مرضت يداوونك وإن أردت التعلّم يعلمونك ورغم ذلك تشعر ان شيئا ينقصك دائما، لا تعرف ما هو، تخاف أن تكفر بالنعمة إن تذمرت…
مرتاح في لندن يا حسن إنما غير سعيد.
يفرح حسن في بيروت الا انه لا يرتاح في بلده…
لا يكفي ان تكون حرًّا إنما المطلوب أن تمارس حريتك فإن كنت تمارس قناعاتك وحرّ في أفعالك وما تنتجه يكفيك لتحمي حياتك ولو كنت سجينا في سجن ذات أسوار عالية فأنت حرّ وحرّ وسعيد…
اللذة القصوى في جعل محبيك أحرارًا لا ان تحتفظ بحريتك وتخبؤها كما تخبىء جواهر زوجتك فوق سطح الخزانة في غرفة النوم…
لا حريّة مع الألم فحتى لو كنت تعيش في كوبنهاغن أو أوسلو أو استوكهولم وتشعر بالوجع كالصداع او اي الم آخر تنتبه ان الالم قد خطف حريتك والزمك بشروطه وان المرض بهواجسه حدد لك خطوات سيرك …
حتى لو لم تكن متألمًا بل تعاني من أزمة أو من اضطراب أو من مرض نفسي فهل تبقى حرًّا؟
لا…
الكآبة تخطف حريتك مؤقتا وفصام الشخصية والإدمان يصادرانها الى الابد…
اتعبد ربك؟
ان عبدته عبادة العبيد وفق حكايا رجال الدين المتزمتين فأنت تقامر بحريّتك وتببعها طمعا بوهم اما ان عبدته عبادة الأحرار فإن الرب نفسه سيفتخر بك…
لا حريّة حقيقية مع كراهية لمؤمنين آخرين…
لا علاقة للحريّة بالرأسمالية ولا بالديمقراطية ولا بالاديان .
الحريّة سلعة في النظام الرأسمالي، يرتفع وينخفض سعرها وفق بورصة الديمقراطية كما هي وسيلة يُمجد حضورها ان رضي رجل الدين ورجل السياسة ورب العمل عنك ويسلبونها منك أن خالفت التعاليم وتذمرت…
عندما نهبت مصارف بيروت أموال المودعين تحوّل كل المواطنون لعبيد عند الرأسمال، بعد أن فشلت انتفاضتهم ولوحق مناضليهم بالهراوات وشوهت اسماءهم.
الرأسمال المجموع بمال حرام لا يناسبه إلا عبيدًا من حوله.
“يتبع”.