ريشة أنيقة لم تحرمها قدرتها على تصوير أوجاع الأمّة من أن تبقي شعلة الأمل معها مرفوعة..
ورسام مبدع لم تمنعه سخريته الموجعة من أن يضيء شموع التفاؤل بالنصر في كل مكان..
كان الصباح في بيروت في أواسط وأواخر سبعينيات القرن الماضي يعني لي جريدة “السفير”، وكانت جريدة “السفير” تعني لي افتتاحية “على الطريق” للكاتب الكبير طلال سلمان (أطال الله في عمره)، كما رسوم ناجي العلي (رحمه الله)، الكاريكاتورية التي تضحكنا وتبكينا في آن معاً، وكان “حنظلة” في كل منها يدير ظهره لواقعنا الأليم، أو يمدّ “لسانه الصغير في وجه العالم الكبير”، كما كتب مرّة الروائي مؤنس منيف الرزاز (رحمه الله) في أحدى رواياته..
كان ناجي العلي في نظرنا أكثر من رسام كاريكاتور مبدع، وأكثر من فنان يستمّد الوحي من الآم شعبه، كان دعوة مستمرة لرفض الاحتلال والخنوع والظلم والهوان من أي جهة جاؤوا، وأياً كان الواقف وراءهم.. بل كان حنظلة فكرة لا تموت في ضمير الأجيال، وفي حياة شعب يرفض الركوع..
كنّا نتعامل مع رسوم ناجي العلي، كعمليات فدائية من نوع خاص، وكنّا ندرك حجم الخسائر التي توقعها في معسكر العدو الذي لم يستمد قوته من السلاح والدعم الاستعماري فحسب، بل أيضاً من كيّ الوعي لدى جماهيرنا فيتسلل إلى أعماق عقولنا مروّجاً للاستسلام والخضوع لإملاءات الأعداء..
يوم الاغتيال الآثم لناجي العلي في لندن عام 1987، حيث جرت محاولة الاغتيال المزعومة لسفير الكيان الغاصب التي اتخذت مبرراً للحرب على لبنان عام 1982، شعرت أن غزواً جديداً قد جرى مع رحيل هذا المناضل الكبير، غزواً استهدف الإرادة العربية كلها، والرفض العربي للإذعان بكل جوانبه، لكني شعرت كذلك أن أمثال ناجي لا يرحلون، لأن رسومهم ستبقى محفورة في ضريح كل شهيد ارتقى آية لنصر قادم، وعلى سرير كل جريح أصيب في معركة صلاة إلى الله تشفي، وفي زنزانة كل أسير أمضى الكثير من عمره في السجون نافذة للحرية تشرق منها الشمس..
وما نشرة “حنظلة” اليوم.. بحلاوتها ومرارة ظروف إصدارها، إلاّ تأكيداً على صحة الشعار الذي أطلقه حكيم الثورة وضميرها الدكتور جورج حبش حين قال: “الثوريون لا يموتون”.. واليوم نقول “الحنظليون لا يموتون”..
أعدّت للنشر في نشرة “حنظلة”