كنت على وشك الاتصال به اليوم معايدًا بعيد القيامة بعد اتصالي بالرئيس إميل لحود، كما أفعل في كل مناسبة دينية أو وطنية حين جاءني خبر وفاته، الراحل الكبير النائب لسنوات طويلة، طبيب الفقراء وجسر التواصل بين اللبنانيين الدكتور بيار دكاش.
تعرّفت على الدكتور بيار دكاش بُعيد الحرب الملعونة التي ضربت لبنان على مدى 15 سنة، من خلال برنامج أطلقناه من “دار الندوة” عام 1991، لشباب لبنان الواحد لكي نجمعهم، بعد أن فرّقتهم الحرب، في مخيمات صيفية وندوات حوارية، ورحلات وطنية، ومعارض فنية، وامسيات ثقافية، حيث كان الدكتور دكاش أبرز الأمناء في برنامج شباب لبنان الواحد جنبًا إلى جنب كبار في لبنان رحلوا على مدى سنوات ، ك منح الصلح، وزهير عسيران، ونجيب أبو حيدر، وصولًا إلى ميشيل إده، وقبلان عيسى الخوري، وجورج افرام، وأركان الحركة الثقافية في انطلياس، والرابطة الثقافية في طرابلس، والمجلس الثقافي الجنوبي، واللقاء الوطني في جبيل والعشرات من الهيئات والشخصيات اللبنانية من كافة البيئات والمناطق.
وكلّما كنت التقي به كان أعجابي بالرجل يزداد لتواضع لا نعرفه عادة في سياسيّي بلدنا، ولانفتاح كثيرًا ما تحاصره العصبيات المريضة والمصالح الضيقة، ولخدمة إنسانية لم تميّز بين لبناني وآخر، ولا حتى بين أي لبناني وأي مريض آخر، أيًا كانت جنسيته أو هويته.
وأدركت كم كانت وطنية الرجل الغيور على لبنان واستقلاله وسيادته، وحرية مواطنيه، منفتحة على الانتماء العربي لهذا البلد، فكان بين أوائل الذين جمعوا التبرعات للمقاومة الفلسطينية أيام انطلاقتها، وكان متجاوبًا مع كل دعوة لمنتدى قومي عربي أو لمؤتمر قومي عربي أو لمبادرة تضامن عربي، مدركًا التفاعل بين الوطنبة اللبنانية والعروبة الحضارية.
كان الراحل الكبير الدكتور بيار دكاش شخصية إستثنائية بكل ما في الكلمة من معنى… إستثنائية في عملها المهني، إستثنائية في نقائها الأخلاقي، إستثنائية في أدائها السياسي، إستثنائية في خدمتها لكل فقير او محتاج ، فكان طبيب الفقراء وجسر التواصل بين اللبنانيين وإخوانه العرب واحرار العالم.